“برميل بارود” يهدد بالأسوأ.. ماذا تفعل 4 أزمات بالناس في الشرق الأوسط؟
أقر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن الوضع في الشرق الأوسط "لم يكن أسوأ في أي وقت مضى"، وذلك منذ بدء المكتب يجمع بياناته عام 1991.
ميدل ايست نيوز: أقر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن الوضع في الشرق الأوسط “لم يكن أسوأ في أي وقت مضى”، وذلك منذ بدء المكتب يجمع بياناته عام 1991.
ويقول المكتب الأممي إن عشرات الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء المنطقة، بدول عدة، باتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وتوقع مسارا أكثر تدهورا.
ويضيف: “من الصراع العنيف المتفاقم إلى سلسلة من الكوارث المميتة، انقلبت حياة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رأسا على عقب بوحشية في عام 2023”.
وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعضا من أكبر الصراعات الطويلة الأمد في العالم، والأزمات المتكررة الطبيعية التي من صنع الإنسان، وتفشي الأوبئة، والصدمات المناخية.
وأمام قمة الجنوب لمجموعة الـ77 والصين، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن الشرق الأوسط أصبح بمثابة “برميل بارود”، داعيا إلى بذل كل الجهود لمنع اشتعال الصراع في جميع أنحاء المنطقة.
وأضاف أنه “في جميع أنحاء العالم، من السودان إلى أوكرانيا والشرق الأوسط وما وراء ذلك، تدمر الحروب حياة الناس، وتؤجج التنقلات الجماعية للناس، وتعطل سلاسل التوريد العالمية، وتهدد بإشعال النار في مناطق بأكملها”.
وأشارت مدونة صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، إلى أن الصراع بين حماس وإسرائيل في غزة “يسبب معاناة إنسانية هائلة” وينذر بتداعيات سلبية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا برمتها.
وقالت المدونة إن هذا الصراع اندلع بينما كانت هناك توقعات بتباطؤ النشاط الاقتصادي في المنطقة، لينخفض من 5.6 في المئة في 2022 إلى 2 في المئة في 2023
وحذر الصندوق من أن تصعيد الصراع يمكن أن يكون نقطة تحول في المنطقة، وستكون التداعيات بعيدة المدى، وسرعان ما تنتشر إلى ما هو أبعد من الجيران المباشرين، وكلما طال أمد الصراع، زاد تأثيره على السياحة والتجارة والاستثمار والقنوات المالية الأخرى.
وفيما يلي قائمة ببعض المناطق التي تشهد أوضاعا تزداد سوءا
غزة.. أوضاع مأساوية
أدت الحرب في غزة إلى دمار واسع النطاق في القطاع، وتقول الغارديان إن ما يقدر بنحو نصف عدد منازل القطاع دمرت أو تضررت، بينما نزح أكثر من 85 في المئة من سكانه، ما دفع الأمم المتحدة إلى وصف قطاع غزة بأنه “غير صالح للسكن”.
ويفاقم من الوضع صعوبة دخول المساعدات، وسط تحذيرات من حدوث أزمات غذائية كارثية. وكان الصليب الأحمر البريطاني حذر من أن 80 في المئة من سكان غزة يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي.
ومع دخول فصل الشتاء، يعيش مئات الآلاف في ملاجئ مؤقتة أو في السيارات أو في العراء. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 1.4 مليون شخص من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يعيشون في ملاجئ “مكتظة وغير صحية”.
وأعلنت الأمم المتحدة، الجمعة الماضية، أن آلاف الأطفال في غزة ولدوا في ظل ظروف “لا يمكن تصورها” منذ اندلاع الحرب في القطاع قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وفق فرانس برس.
وروت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، تيس إنغرام، بعد عودتها مؤخرا من غزة، مشاهداتها عن أمهات نزفن حتى الموت، وممرضة اضطرت لإجراء عمليات ولادة قيصرية لست نساء حوامل متوفيات.
وأصدر فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بيانا بعد أن أنهى زيارته الأخيرة إلى غزة، قال فيه إنه في جنوب غزة، توجد مباني مؤقتة، وانتشرت الأغطية البلاستيكية في كل مكان، بما في ذلك في الشوارع، حيث يحاول الناس حماية أنفسهم من البرد والمطر.
وكشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن الآبار في قطاع غزة وصلت حاليا إلى عُشر طاقتها الإنتاجية، وحذر من أن تراكم النفايات قد يؤدي إلى ظهور تهديدات صحية وبيئية خطيرة.
وقال أميس دينسلو، رئيس قسم الصراع والسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة للغارديان: “لدينا تاريخ من الأزمات واسعة النطاق في جميع أنحاء المنطقة، والآن لدينا الصراع الأكثر حدة (غزة) الذي يهدد بخلق حريق هائل بين الصراعات الأخرى”.
سوريا.. تنزلق نحو كارثة إنسانية
مع اقتراب الذكرى الـ13 للصراع السوري، تجد الدولة التي مزقتها الحرب نفسها تنزلق نحو كارثة إنسانية تتفاقم باستمرار، حيث أثرت الأزمة سلبا على حياة الناس في البلاد الذين يعانون من تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
ويكافح الناس من أجل شراء المواد الأساسية وحماية أنفسهم من ظروف الطقس القاسية، في الشتاء والصيف على حد سواء.
وتشير شبكة “ريلييف ويب” إلى أن 70 في المئة من سكان سوريا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية. وقد ارتفع العدد الإجمالي للأشخاص الذين يحتاجون إلى مواد الإغاثة الأساسية، في عام 2023، بنسبة 15 في المئة ليصل إلى 5.7 مليون.
ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى انتشار الفقر والنزوح، بينما لا يزال الوضع الأمني في بعض المناطق غير مستقر، كما أن الزلازل التي ضربت البلاد، العام الماضي، وضعت قيودا إضافية وأثرت سلبا على الحياة اليومية للسوريين.
وعبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، مؤخرا، عن قلق بالغ إزاء الهجمات المستمرة على البنية التحتية المدنية وسلامة المدنيين في شمال شرق البلاد، مع تدهور الوضع الأمني هناك.
وفي شمال غرب سوريا، يحذر المكتب من أن زيادة الفيضانات تعرض السكان النازحين للخطر، وقد تضررت أكثر من 1500 خيمة، مما أدى إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية الحرجة بالفعل.
اليمن.. أزمة حادة
بعد مرور ثماني سنوات على الصراع، لاتزال الأزمة في اليمن “حادة”، حيث يحتاج أكثر من 21 مليون شخص، أي ثلثي عدد السكان، إلى المساعدة الإنسانية، فضلا عن انهيار الخدمات الأساسية بسبب البنية التحتية المتضررة ونقص الإمدادات والموظفين، وفق الأمم المتحدة.
وقد أتاحت الهدنة الأخيرة التي توسطت فيها الأمم المتحدة استراحة مؤقتة من القتال، مع انخفاض كبير في معدلات النزوح المرتبطة بالنزاع، ومع ذلك، تستمر الخدمات الأساسية والاقتصاد في التدهور، وارتفعت تكلفة الحد الأدنى لنفقات الأسر بأكثر من 50 في المئة في عام واحد فقط.
ويكافح أكثر من 80 في المئة من السكان من أجل الحصول على الغذاء ومياه الشرب النظيفة والخدمات الصحية الكافية.
وشهد اليمن ارتفاعا كبيرا في حالات الكوليرا قرب نهاية عام 2023. وشكل الأطفال دون سن الخامسة ما يقرب من ثلث الحالات المبلغ عنها.
وتقول الغارديان إن اليمن يواجه مشكلة نقص تمويل المساعدات، وهو ما يعني أن ملايين اليمنيين “يواجهون بالفعل مستقبلا غامضا”، وقد زاد الوضع غموضا المواجهة الحالية بين الحوثيين والغرب في البحر الأحمر.
السودان.. نزوح وانتهاكات
ويقول مكتب الشؤون الإنسانية إن أكثر من 7.4 مليون شخص نزحوا داخل السودان وخارجه، منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023.
وأدى توسع القتال بين الجيش والدعم السريع إلى وسط وشرق السودان، أهم مناطق إنتاج المحاصيل، إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية.
وأثر انعدام الأمن والنهب والعوائق البيروقراطية وضعف شبكات الاتصالات ونقص الأموال التقدية ونقص عدد الموظفين الفنيين والإنسانيين على إيصال المساعدات الإنسانية في أجزاء كثيرة من البلاد.
وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، إن عددا قليلا جدا من ملايين الأشخاص في السودان الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية يحصلون عليها الآن.
كما ظهرت أدلة على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وقد دعت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان أطراف النزاع إلى إنهاء النزاع المسلح الدائر، وأكدت البعثة ضرورة الالتزام بحماية المدنيين وضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم الجسيمة.
لبنان.. من أزمة إلى أزمة
يواجه لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة تؤثر على جميع المقيمين فيه، سواء اللبنانيين أو اللاجئين والمهاجرين السوريين والفلسطينيين.
وأدى الانهيار الاقتصادي، إلى جانب ضعف الإدارة، إلى زيادة التوترات والحوادث الأمنية، وارتفعت أسعار السلع الأساسية بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة، وأصبح أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 5.8 مليون نسمة يعتمدون الآن على المساعدات الإنسانية للحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية.
ويحتاج أكثر من 1.2 مليون شخص إلى الدعم للحصول على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي، وفق المكتب.
ويقول المكتب إن 3.8 مليون شخص في لبنان في حاجة للمساعدات بشكل عام.
وتشعر وكالات الإغاثة بالقلق من عدم تقديم مساعدات كافية لتغطية هذه الاحتياجات
أربع أزمات متداخلة
وتشير الغارديان إلى 4 أزمات متداخلة، هي غزة، ولبنان، وسوريا، واليمن، تفرض ضغوطا غير مسبوقة على وكالات الإغاثة، وقالت إنه “بات يتعين على المجتمع الإنساني أن يقبل الحقيقة الصارخة المتمثلة في أنه لم يعد قادرا على تلبية الطلب” على المساعدات.
ويقول جيف فيلتمان، الذي يتمتع بخبرة دبلوماسية تمتد إلى 30 عاما في الشرق الأوسط: “إن مجموعة الأزمات الإنسانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الكارثة الإنسانية في غزة، قد وضعت ضغوطا لم يسبق له مثيل من حيث القدرة المالية للجهات المانحة على الاستجابة وقدرة الجهات الفاعلة الإنسانية على تلبية هذه الاحتياجات”.
ويوضح أن هناك “المزيد من الطلب على المساعدة والمزيد من العقبات التي تحول دون الوصول إلى المحتاجين، وعلى سبيل المثال، تتعامل “منظمة إنقاذ الطفولة” مع ثماني حالات طوارئ في العالم، (وهو رقم قياسي)، يتركز معظمها في الشرق الأوسط
وفي حديثه بعد وقت قصير من مناقشة التحديات التي تواجه الشرق الأوسط مع مارتن غريفيث، قال جينس لاركي، أحد كبار المسؤولين في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف: “على الرغم من 70 عاما من الجهود الدولية لحل المشكلات بالدبلوماسية والوسائل غير العنيفة، فإن القادة في جميع أنحاء العالم يتوصلون الآن إلى حل المشكلات بالبندقية لحل خلافاتهم كخيار أول. والسؤال هو: هل نحن ندخل عصر الحرب؟”.
لكن لاركي يتوقع “أن يزداد الأمر سوءا قبل أن يتحسن”.
ويقول صندوق النقد الدولي إن تأثير الصراع في غزة على المنطقة لايزال غير مؤكد إلى حد كبير وسيعتمد على مدة الصراع وشدته وانتشاره.
ويقول الصندوق: “يتوقف احتواء الصراع على نجاح الجهود الدولية لمنع المزيد من التصعيد في المنطقة”.
ويرى الصندوق أن “الإدارة الحكيمة للأزمات والسياسات الاحترازية ستكون حاسمة على المدى القريب، وقد تكون هذه الأزمة بمثابة بداية حقبة من عدم اليقين الشديد في العديد من البلدان إذا لم يتم التعامل معها على النحو المناسب”.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد دعا في كلمته في افتتاح قمة الجنوب إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى كل من يحتاج إليها، وتسهيل إطلاق سراح جميع الرهائن.
وأكد المسؤول الدولي أهمية مشاركة البلدان الثرية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للحد من الفقر وعدم المساواة، ودعم النمو، وبناء القدرة على الصمود في البلدان النامية.
ودعا إلى ضرورة الاتحاد للتعامل مع كارثة المناخ للتعامل مع الأزمات البيئية والطبيعية، من خلال التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والاستثمار الضخم في الطاقة المتجددة، والوفاء بجميع الالتزامات المالية.