خطر يهدد الشباب.. لماذا يزداد الانتحار في العراق؟
يعتبر الانتحار في العراق آفة نفسية تفتك بالمجتمع من الداخل ويزداد خطره في حال عدم معالجة الأسباب الموجبة لاسيما بين الشباب.
ميدل ايست نيوز: يعتبر الانتحار في العراق آفة نفسية تفتك بالمجتمع من الداخل ويزداد خطره في حال عدم معالجة الأسباب الموجبة لاسيما بين الشباب فيما يعيد مختصون أسباب الظاهرة إلى الإحباط نتيجة الظرف الاقتصادي أو الضغوط الاجتماعية التي تؤدي إلى اليأس من الحياة ومحاولة التخلص منها”.
خمس سنوات مرت على انتحار العراقي محمد قاسم (اسم مستعار)، مع ذلك يبدو وقع الحادثة على صديقه المقرب وابن خالته رياض، وكأنها حصلت في الأمس. يقول “لا أعرف كيف تجرأ وأطلق النار على نفسه!”.
وثقت كاميرات المراقبة المسلطة على حديقة منزل قاسم انتحاره بسبب خلفية مشاكل عائلية، قادته سابقاً إلى الهرب ومحاولة غير ناجحة للسفر بطريقة غير شرعية إلى خارج العراق.
بتأثر بالغ وصوت متهدج يروي رياض لـ”ارفع صوتك”: “على غير عادته، كان قاسم هادئاً جداً خلال الأيام التي سبقت انتحاره. في ذلك اليوم، أخرج سلاح العائلة وسار به إلى الحديقة في وقت مبكر جداً، جلس على الكرسي ثم لقم السلاح ووجه فوهته إلى قلبه مباشرة”.
“هذه هي الحقيقة، لكن ما يعرفه الناس أنه كان ينظف السلاح وأُطلقت الرصاصة سهواً”، يضيف رياض.
في قصة أخرى، تمكنت عائلة عمار سعيد من إنقاذ ابنها عندما حاول الانتحار بقطع رسغ يده، بعد أن رفضته عائلة الفتاة التي يحبها، وتزويجها لآخر. “كانت أياماً صعبة وأُصبت بارتفاع ضغط الدم”، تقول والدة عمار بانزعاج واضح.
الانتحار تؤثر على تماسك العائلة
وتؤكد لـ”ارفع صوتك” أن “محاولة انتحار الشخص لا تؤثر عليه فقط، بل على جميع أفراد عائلته ونصبح دائماً قلقين خشية أن يتكرر الأمر. لكن، في حالة عمار، كان الأمر أزمة عاطفية وانتهت تماماً بعد زواجه، ونحن ننتظر اليوم مولوده الأول”.
“مع ذلك ثمة خوف في داخلي دائماً”، تتابع والدة عمار.
تزايد حالات الانتحار
جاء العراق في المرتبة 150 عالمياً والثالثة عشرة عربياً بـ 3.6 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص خلال عام 2023، وهي نسبة منخفضة مقارنة ببقية الدول.
مع ذلك، فإن عدد حالات الانتحار في ارتفاع مستمر، بحسب إحصائيات الفترة 2016- 2022، وكانت على التوالي: 343، 449، 519، 588، 644، 863، 1073. وهي أرقام لا تشمل الحالات في إقليم كردستان العراق.
تزايد حالات الانتحار في العراق أقلق منظمة الصحة العالمية، التي أكدت أن عدم التصدي لهذه الظاهرة، سيلحق خسائر كبيرة بالأفراد والمجتمعات في البلد.
عالمياً، يموت نحو 800 ألف شخص نتيجة الانتحار سنوياً، وتقابل كل حالة موت منها أكثر من 20 محاولة لم تنجح. وحسب هذه الأرقام، فإن هناك أكثر من ألف عراقي انتحر خلال عام 2022 تقابلها أكثر من عشرين ألف محاولة انتحار لم تكن ضمن الإحصاءات.
على مدى سنوات عدة، بحسب الأمم المتحدة، عانت العديد من العائلات العراقية مشكلات في الصحة العقلية، سببتها النزاعات السابقة والأوضاع الاقتصادية، كما أن هناك عوامل أخرى من بينها القيود التي تحول دون الوصول إلى خدمات الصحة العقلية والاكتئاب والأرق بين السكان وبعض المتخصصين في الرعاية الصحية.
مواطنون يعلّقون
لؤي حسان وهو مواطن عراقي، يرى أن “الابتعاد عن الله سبباً للإقدام على الانتحار، لأن الإنسان القريب من ربه مهما بلغت به الظروف سوءاً ومهما بلغت معاناته سوف يتسلح بالصبر وانتظار فرج الله سبحانه في أي لحظه ولا يلجأ لقتل نفسه”، على حد تعبيره.
بالنسبة لحيدر العيساوي، لا تبدو فكرة الانتحار غريبة عن العراقيين كما يقول لـ”ارفع صوتك” إن “كل شيء في العراق يجعلك تصل إلى هذا القرار”، في إشارة إلى الظروف الاقتصادية والسياسية.
من جهته، يلقي علي الكرعاوي، باللائمة على الحكومة العراقية، ذلك لأنها “لم تلبّ متطلبات الشعب، خصوصاً شريحة الشباب، التي تعاني وضعاً اقتصادياً صعباً وتعيش في ظروف أمنية وسياسية متوترة على الدوام”.
أبو إبراهيم، يذهب إلى سبب آخر هو “المخدرات” إضافة إلى الفقر، بينما يرى طالب السادس الإعدادي ياسين سمير، أن “هناك طلاباً يصلون إلى مرحلة التفكير بالانتحار والإقدام عليه بسبب الضغط النفسي الذي يعيشونه”.
“العيش في هذا البلد بحد ذاته أكبر دافع للانتحار”، هكذا اختصر هيثم سامي إجابته.
يعلق على الآراء المذكورة مواطن عراقي آخر، هو قتيبة الهجرس، باعتبارها “أعراضاً لمرض حقيقي في العراق يتعلق بإفقار الشعب وتعمّد تجهيله لتسهيل الهدر وسرقة المال العام، ما أدى إلى حالة من الإحباط النفسي والمجتمعي”.
“في الحياة اليومية نسمع الكثير من العراقيين بأعمار مختلفة وهم يتمنون الموت، فالوضع العام يسبب الإحباط لعدم قدرتهم على الوصول إلى متطلبات الحياة الأساسية”، يقول الهجرس.
رأي نفسي
خلال عمله الطويل في مجال الطب النفسي، يؤكد الدكتور محمد القريشي، أن دوافع الإقدام على الانتحار تأتي نتيجة “الكآبة بالدرجة الأولى، بعدها الفصام واضطرابات السلوك والإدمان”.
وأسباب الاكتئاب عديدة مثلما يوضحها القريشي: “الإحباط لأسباب تتعلق بالظرف الاقتصادي أو الضغوط الاجتماعية التي تؤدي إلى اليأس من الحياة ومحاولة التخلص منها”.
وينبه في حديثه مع “ارفع صوتك”، إلى اعتقاد ينتشر بين الأفراد حتى لدى بعض الأطباء، بأن “مَن يهدد بالانتحار لن يُقدم عليه، لأن المريض النفسي إذا ما هدد بالانتحار فإنه على الأغلب سينفذ ذلك، ويجب أخذ كلامه على محمل الجد”.
في معرض رده عن سؤال يتعلق بالفرق في تنفيذ عمليات الانتحار بين المرأة والرجل في العراق، يقول القريشي، إن “المرأة تميل إلى تنفيذ الانتحار عبر تناول كمية كبيرة من الأدوية أو السم أو الحرق، أما الرجل فينفذ الانتحار بأسلوب أكثر عنفاً، مثل أن يرمي نفسه من أعلى بناية أو جسر أو إطلاق الرصاص على نفسه أو الشنق”.
ويرى أن “الأرقام المعلنة لحالات الانتحار أقل بكثير من الأرقام الحقيقية، إذ تسجل الكثير من الحالات على أنها حوادث عرضية أو أن الموت نتج عن مرض”.