اتحاد اقتصادي وسط المتاهات الأمنية… إلى أين تتجه العلاقات الإيرانية التركية؟

تحتاج تركيا وإيران، الجارتان اللتان تتمتعان بتاريخ طويل ومشترك، إلى علاقات قوية لتوطيد التعاون في شتى المجالات الاقتصادية.

ميدل ايست نيوز: تحتاج تركيا وإيران، الجارتان اللتان تتمتعان بتاريخ طويل ومشترك، إلى علاقات قوية لتوطيد التعاون في شتى المجالات الاقتصادية. لكن رغم هذا، لم تتحول اليوم هذه المصالح المشتركة إلى نهج مشترك في السياسة الخارجية.

في الواقع، سعت أنقرة وطهران في كثير من الأحيان إلى تحقيق أهداف متناقضة تمامًا. وبالنظر إلى هذا التاريخ من العلاقات، زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تركيا في 24 يناير الفائت، حيث تم التوقيع على 10 وثائق تعاون بين البلدين.

تعاون عابر للحدود

سيكون تحسين التعاون في ميدان الطاقة بين إيران وتركيا بمثابة نعمة لأنقرة، التي تحتاج إلى مصادر طاقة متنوعة لاستعادة اقتصادها بعد وباء كورونا والزلازل والأزمات التي طالتها. تم توقيع عقد بقيمة 200 مليون دولار بين شركة إدارة الشبكة الإيرانية وشركة نقل الكهرباء التركية (TEIAS) لتشغيل خط شبكة خوي-وان، الذي يربط خط BtB HVDC بقدرة 400 كيلو فولت بين خوي في إيران ووان في تركيا. ومع إمكانية التوسع في الدول الأوروبية، يعد هذا أول اتصال بالشبكة عابر للحدود في إيران باستخدام تقنية HVDC ويسهل تبادل الكهرباء بين إيران وتركيا. وسيعمل خط الكهرباء بقدرة 600 ميجاوات و400 كيلوفولت على تمكين تجارة الكهرباء، مما يمكن أن يسرع الاقتصاد على جانبي الحدود.

ما سبق هو أحد التطورات من سلسلة طويلة من الاتفاقيات الثنائية المهمة التي تتجاوز حدود هاتين الجارتين. في نصف العقد الماضي، وقعت أنقرة وطهران سلسلة من الاتفاقيات المهمة التي تتناول العديد من القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك التجارة في المنتجات الزراعية، والاستثمار في احتياطيات النفط والغاز، وصادرات الغاز. كما أنشأ البلدان المجاوران “مناطق تجارة حرة” على طول حدودهما لتعزيز النمو الاقتصادي. وتسعى هذه المناطق على غرار تلك التي تم إنشاؤها في مدينة خوي، إلى تعزيز تنمية الأعمال السنوية، وضمان المزيد من التجارة في المناطق الحدودية، وإحياء قطاع النقل الرائد في المنطقة بهدف ضخ رأس المال في الاقتصاد المحلي.

وشدد صمد حسن زاده، رئيس غرفة التجارة والمناجم والصناعة والزراعة الإيرانية، خلال لقاء بين رجال الأعمال الأتراك والإيرانيين، على زيادة التعاون بين القطاعين الخاص التركي والإيراني، آملاً أن يحقق البلدان هذا الهدف التجاري الثنائي المهم بحيث يصل إلى 30 مليار دولار.

ويعد ممر النقل البري بين إسلام آباد وطهران واسطنبول، الذي بدأ في عام 2021، مثالا آخر على الجهود المبذولة لتعزيز التجارة العابرة للحدود. ووضعت وزارة التجارة التركية ونظيراتها في إيران وباكستان، تحت إشراف منظمة التعاون الاقتصادي، هذه الخطة الثلاثية بهدف تعزيز العلاقات وتسهيل التجارة والنقل.

كما تم إبرام اتفاقية نقل بين قطر وإيران وتركيا، بحيث عملت إيران كدولة ترانزيت بين قطر وتركيا. وتشكل هذه الشراكات جزءا من خطط أكبر لزيادة التجارة وتبسيط توريد السلع بين البلدان. يعد خط أنابيب الغاز بين تركيا وإيران ومبادرات النقل البري المشتركة من العوامل المهمة في تعزيز علاقات الطاقة والاقتصاد بين إيران وتركيا.

القضايا الأمنية

لطالما كانت العلاقات الاقتصادية بين إيران وتركيا معقدة بسبب الديناميكيات الأمنية الأشبه بالمتاهة في المنطقة، والتي تؤثر على التعاون الإقليمي والاقتصادي. واجهت صادرات الغاز الإيراني إلى تركيا مشاكل في العقد الماضي، بما في ذلك الخلل واسع النطاق وتراجع كميات الغاز بشكل كبير في عام 2023 بسبب عجز الغاز في إيران.

وينتهي اتفاق التصدير المبرم بين البلدين لمدة 25 عامًا في عام 2026، والذي أثار قلق الإيرانيين من عدم تجديد الاتفاقية من قبل الجانب التركي وسط مخاوف بشأن التسعير والعقوبات. إن تنقيب تركيا على موردين بديلين – وخاصة أذربيجان الغنية بالغاز، والتي توترت علاقات إيران معها – يزيد من الضبابية على أجواء الواردات المستقبلية.

يعتمد المستقبل على المفاوضات والجغرافيا السياسية ورؤى الطاقة المتطورة في المنطقة. إن المشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط، وأنماط الطاقة المتغيرة حول العالم، وإمكانية تكثيف المنافسة الاقتصادية العالمية، قد تؤثر جميعها على العلاقات التجارية المستقبلية بين إيران وتركيا.

وحتى بعد زيارة الرئيس الإيراني الناجحة، لا يزال هناك عدد من قضايا السياسة الخارجية الثنائية: أهمها المواقف المختلفة بين البلدين تجاه حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية ولكن طهران تستخدمه في بعض الأحيان. كما أن الوضع الأمني ​​في العراق يشكل اهتماماً ثنائياً ويصبح أكثر تعقيداً بسبب علاقة طهران بالسليمانية وتعاونها المحدود مع أنقرة فيما يتعلق بقضايا حزب العمال الكردستاني. وقد ازداد هذا التعقيد في السنوات الأخيرة مع إعادة تأسيس حزب العمال الكردستاني بالقرب من الجانب الإيراني من جبل قنديل.

وتبنت تركيا وإيران سياسات مختلفة تجاه أرمينيا وأذربيجان، الأمر الذي يؤجج الصراع في ناجورنو كاراباخ. وقد يؤدي إنشاء ممر زانغزور، الذي يربط أذربيجان بمنطقتها الغربية عبر طريق على طول الحدود الإيرانية، إلى زيادة مخاوف طهران.

من جانبها، تسببت إيران في تغذية بعض التقلبات في المنطقة من خلال التعاون مع روسيا لتسريع برنامجها النووي، وهي سياسة لن تخلف عواقب على جنوب القوقاز فحسب، بل على الشرق الأوسط برمته.

وتعارض تركيا بشدة حصول إيران على أسلحة نووية، وترى أن سعي إيران للتسلح النووي هو نقطة محتملة لتصعيد التوترات الإقليمية والخوض في سباق التسلح. ورغم أن تركيا لم تبد قط أي اهتمام بتطوير قدراتها النووية، فإن إيران المسلحة نووياً قد تغير الحسابات.

أميد شكري
محلل في منتدى الخليج الدولي في واشنطن

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة + ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى