في حرب غزة.. ما تقنيات الذكاء الاصطناعي التي اختبرها الكيان الصهيوني؟
يحاول الاحتلال تعزيز جهوده لتحسين قدراته التكنولوجية، ومن بين هذه الجهود بدأ جيش الاحتلال باختبار تقنيات جديدة عبر الذكاء الاصطناعي.
ميدل ايست نيوز: في ظل تطورات العدوان الأخير على قطاع غزة يحاول الاحتلال تعزيز جهوده لتحسين قدراته التكنولوجية، ومن بين هذه الجهود بدأ جيش الاحتلال باختبار تقنيات جديدة عبر الذكاء الاصطناعي.
وحسب تقرير لموقع “الخليج أونلاين” أتي هذا الاهتمام المتزايد بالذكاء الاصطناعي مع استمرار تفاقم الأوضاع الإنسانية المأساوية في غزة، بينما يسعى جيش الاحتلال إلى زيادة عدوانه على القطاع بمختلف الطرق والوسائل.
مخاوف متزايدة
في أحداث غزة الأخيرة، استخدم جيش الاحتلال تقنيات الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى في القطاع، بهدف التصدي للمسيّرات ورصد أنفاق حركة حماس.
ورغم فعالية هذه التقنيات في المعركة فإنها أثارت مخاوف متزايدة من دور الأسلحة ذاتية التشغيل في الحروب، حيث إن استخدامها قد يؤدي إلى تصعيد الصراع وتأجيج الأوضاع الإنسانية في المنطقة بشكل أكبر.
وتثير هذه التقنيات قلقاً كبيراً لدى منظمات حقوق الإنسان، وخاصة في ظل الحصيلة المرتفعة للقتلى في صفوف المدنيين، إذ تقول الخبيرة في قسم الأسلحة في منظمة هيومن رايتس ووتش، ماري ويرهام، لوكالة فرانس برس: “نحن نواجه أسوأ وضع ممكن لجهة القتل والمعاناة، وجزء منه تتسبب به التقنية الجديدة”.
وأيدت أكثر من 150 دولة، في ديسمبر الماضي، قراراً للأمم المتحدة يتحدث عن “تحديات ومخاوف جدية” في مجال التقنيات العسكرية الجديدة، بما يشمل الذكاء الاصطناعي وأنظمة السلاح ذاتية التشغيل.
تأثيرات وتداعيات
ويرى الخبير العسكري عبد الجبار العبو أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، وخصوصاً في الحرب الأخيرة على قطاع غزة كان له غايات عدة أبرزها هي اختصار الوقت.
ويبين العبو، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن التخطيط لتحقيق هدف عسكري يتطلب خطوات تتمثل في جمع المعلومات ودراسة أهمية الهدف وتأثيره على سير الحرب، وكذلك تدميره، وما السلاح المناسب لذلك، وكانت هذه العملية تستغرق أشهراً عديدة، لكن مع تقدم العلوم بدأ استغلال التقنيات والحاسوب في الحرب.
ويؤكد أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تقنيات الحرب يهدف إلى تقليص الوقت في اختيار الأهداف، وبدل أن يكون هناك هدف أو هدفان خلال مدة قصيرة، أصبح بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يحدد عشرات أو مئات الأهداف يومياً.
ويشير إلى ما أعلنه الكيان الصهيوني أنه أصبح بعد استخدامه الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يشاغل أو يضرب ما بين 100 و200 هدف يومياً، وهذه كمية كبيرة جداً من الأهداف، وفي الحروب الحديثة لم تكن هكذا سابقاً.
ويشير العبو إلى تأثر المدنيين بالتجارب هذه، حيث إن استخدام الاحتلال للذكاء الصناعي يضر بشكل كبير بسكان غزة، لافتاً إلى أن القطاع يواجه عملية تدمير كبيرة وممنهجة، ذهب ضحيتها لغاية الآن أكثر من 30 ألف شهيد.
ويوضح الخبير العسكري أن هناك أسباباً وراء هذه الخسائر الكبيرة، السبب الأول أن غزة تعتبر ذات كثافة سكانية عالية جداً، وتعتبر من أكبر المناطق كثافة حول العالم، لذا فإن أي سلاح يسقط في هذه المنطقة سوف يخلف خسائر كبيرة في صفوف سكانه.
أما التأثير الثاني فيتمثل في القدرة التدميرية للأسلحة الحديثة التي يستخدمها الكيان الصهيوني في استهداف الأماكن التي تتوقع وجود المقاومة الفلسطينية فيها، وهذا الذي يتسبب في خسائر كبيرة بسبب القدرة التدميرية لهذه الأسلحة، بحسب العبو.
وحول تأثير الذكاء الاصطناعي على مسار الحروب، يعتقد العبو أنه لغاية الآن لا توجد تأثيرات كبيرة من هذه الأسلحة على إنهاء قدرات حماس، ورغم الخسائر الكبيرة بالمدنيين فإن المقاومة الفلسطينية ما تزال نشطة، وهذا دليل على أن الهالة الإعلامية التي أعطاها الكيان الصهيوني للذكاء الاصطناعي هي فوق التقديرات الحقيقية.
نشر جيش الاحتلال، في 22 أكتوبر الماضي، مقاطع فيديو تظهر وحدة “ماجلان” وهي تستخدم قذيفة هاون جديدة ذات دقة عالية، تُعرف باسم “اللدغة الحديدية” (Iron Sting)، خلال عمليات قصف تستهدف المدنيين داخل قطاع غزة.
وكانت هذه القذائف قد أعلنت عنها شركة “أنظمة إلبيط” منذ مارس عام 2021، ولكنها استخدمت أول مرة في الحرب الحالية على قطاع غزة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وتُعتبر تلك القذيفة المتطورة إحدى الأسلحة الجديدة التي يستخدمها الكيان الصهيوني في قصف قطاع غزة، وعلى الرغم من أنها ليست السلاح الوحيد الذي يتم اختباره في هذه الحرب، فإنها تمثل جزءاً من تشكيلة الأسلحة الجديدة التي يجربها الكيان الصهيوني حالياً.
ومن الواضح أن دولة الاحتلال تلجأ دائماً إلى تجريب تلك الأسلحة الجديدة في سياق حروبها على الأبرياء العُزّل في قطاع غزة وفي مناطق أخرى.
في غضون الأسابيع الثلاثة بعد “طوفان الأقصى”، أرسلت شركة “سكايديو” الأمريكية أكثر من 100 مسيّرة جديدة، وذلك بناء على طلب جيش الاحتلال، وتعتمد المسيّرة في تحركها على الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى توجيه بشري، وتُستخدم في إجراء مسح ثلاثي الأبعاد للهياكل الهندسية المعقدة مثل المباني بمختلف أنواعها، وفقاً لتقرير صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية.
وقام جيش الاحتلال بشراء طائرات ذاتية القيادة من شركة “شيلد إيه آي” الأمريكية، وتحديداً طائرات “نوفا 2″، وهي طائرات مسيّرة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة للتحرك الذاتي داخل المباني.
ويُلاحظ أن هذا النوع من المسيّرات يتم استخدامه بشكل أساسي داخل المباني، حيث يتم التحكم في حركتها من خلال تخطيط مسارات محددة واستخدام خوارزميات الرؤية الحاسوبية، دون الحاجة إلى نظام “جي بي إس” (GPS) أو التوجيه البشري.
وفي منتصف عام 2023، قدمت وزارة دفاع الاحتلال تقنيات حديثة جداً مصممة لتجهيز دبابات الجيش، حيث كشفت عن “دبابة المستقبل” التي أطلقت عليها اسم “كرمل”، ووُصفت هذه الدبابة بأنها آلية فريدة، حيث يتضمن تصميمها الداخلي شاشات كبيرة تعمل باللمس، وتتمتع برؤية تصل إلى 360 درجة، ومجهزة بنظام تشغيلي ذاتي وأجهزة استشعار متطورة.
وبحسب وزارة الدفاع فإن دبابة “كرمل” يمكن أن يكون بها جنديان اثنان، وبها خيار القيادة الذاتية للمركبة، وتحديد الأهداف بمساعدة أجهزة الاستشعار والكاميرات، إلى جانب الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى دبابة “كرمل” تتوفر أيضاً دبابة “ميركافا باراك”، التي تصنفها وزارة الدفاع كـ “جيل خامس”، وتتضمن هذه الدبابة أنظمة استشعارية شاملة للكشف عن الأهداف، وتمتلك القدرة على مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع وحدات أخرى في القوات المسلحة.
استخدام الجيش الاحتلال للذكاء الاصطناعي لا يقتصر فقط على المسيّرات الحديثة، بل يمتد أيضاً إلى تحديد الأهداف أثناء القصف على الأرض، فبعد الحرب على قطاع غزة في مايو عام 2021، أشار المسؤولون إلى أن الكيان الصهيوني خاض “حربه الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي”، ولكن النزاع الحالي فتح الباب أمام جيش الاحتلال لاستخدام هذه التقنيات في نطاق أوسع بكثير من المرة السابقة.
وتُعد منصة تحديد الأهداف بالذكاء الاصطناعي المعروفة باسم “جوسبل” (The Gospel) من الأمثلة على هذا الاستخدام المتقدم للذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة.
ويعتمد جيش الاحتلال على منصة “جوسبل” لتقدير عدد الضحايا المدنيين في القصف، واقتراح الأهداف ذات الصلة بالهجوم داخل منطقة محددة، وحساب كمية الذخيرة اللازمة للعمليات العسكرية.
وتُعَدُّ هذه الخوارزميات أحد أكثر الطرق تدميراً وفتكاً في القرن الحادي والعشرين، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، وذلك ما يفسر نجاح جيش الاحتلال في تنفيذ عمليات القصف على قطاع غزة بالوتيرة العالية التي شهدناها.
وأقر جيش الاحتلال بأن خوارزمية “جوسبل” قامت تلقائياً بتحديد الأهداف بوتيرة سريعة، حيث أشار إلى أن الخوارزمية سجلت 100 هدف يومياً لعمليات القصف، بينما كان يتم تحديد حوالي 50 هدفاً سنوياً للقصف في قطاع غزة، كما وصف ضباط سابقون في جيش الاحتلال هذه الخوارزمية بأنها “مصنع للاغتيالات الجماعية”.
ويعتمد نظام “جوسبل” على معلومات وصور من الطائرات المسيّرة والمعلومات القادمة من اعتراض الاتصالات، كما يستخدم بيانات أبراج المراقبة لرصد تحركات الأفراد المستهدفين، ثم يعطي إرشادات لأهداف يجب مهاجمتها، مع بيان حول عدد الأشخاص المحتمل قتلهم في القصف.