من الصحافة الإيرانية: أزمة القوقاز.. ممر زنغزور والخيارات التي لا تزال مطروحة على الطاولة

تحاول العديد من الشخصيات في مختلف الدول السير وراء أهدافها وغاياتها الإقليمية بصمت وبأقل التكاليف، مستغلة غفلة الرأي العام العالمي وإنشغاله بحرب غزة.

ميدل ايست نيوز: هيمنت أخبار العدوان على قطاع غزة والمذابح الوحشية التي يرتكبها كيان الاحتلال بحق الفلسطينيين في الأشهر الأخيرة على الساحة الإعلامية العالمية، لتهمّش بدورها جميع الأزمات والنزاعات الإقليمية الجيوسياسية الأخرى.

ونظرا لكثرة التهديدات المحيطة بالحدود الإيرانية، فإن إهمال شتى الملفات والمشاكل الجيوسياسية حول البلاد لن يصب في صالح ساسة طهران، وخاصة في ذروة الأزمة الدولية، حيث تحاول العديد من الشخصيات في مختلف الدول السير وراء أهدافها وغاياتها الإقليمية بصمت وبأقل التكاليف، مستغلة غفلة الرأي العام العالمي وإنشغاله بحرب غزة.

أزمة القوقاز هي إحدى هذه الملفات التي يجب أن يكون عدم إهمالها والجهوزية لإدارة الأوضاع في الحدود الشمالية الغربية وفق مصالح إيران أحد متطلبات الجهاز الدبلوماسية في طهران.

بعد ضم كاراباخ إلى أذربيجان، أرادت العديد من دول المنطقة، التي تخوض منافسة استراتيجية مع إيران، إنشاء ممر زنغزور مع الدول الغربية وتوصلت إلى اتفاقيات في هذا الصدد. ومع ذلك، شدد مسؤولون دبلوماسيون إيرانيون على النهج الذي يقضي بضرورة حل هذه الأزمة بحضور الأطراف الإقليمية الفاعلة ومع مراعاة مصالح جميع دول المنطقة.

وعلى وقع هذه الأحداث، ورغم تنوع التوترات والتحديات، تمكنت إيران من إقناع الدول الأخرى في المنطقة، وخاصة أذربيجان، بقبول مقترحاتها ومشروعها للمشاركة في اجتماع إقليمي يضم إيران وأذربيجان وأرمينيا وروسيا وجورجيا وتركيا وإنشاء طريق ترانزيت شرق-غرب بين جمهورية أذربيجان وجمهورية ناختشيفان عبر إيران.

اتخذت بلدان المنطقة نهجا مختلفا إزاء هذا المشروع. فالموقف الروسيا بعد الحرب الأوكرانية أثر على نهج الكرملين في التعامل مع ممر زنغزور. في حين كانت هذه الدولة ضد تشكيل هذا الممر بعد حرب ناغورنو كاراباخ الثانية عام 2020 وناهضت ضغوط تركيا وجمهورية أذربيجان لإنشاءه، لكنها اليوم، وبسبب عواقب الحرب الأوكرانية التي شلت جميع طرق روسيا إلى الغرب، تبحث السلطات الروسية عن طرق نقل جديدة للتجارة لربطها بسائر دول العالم.

بالتالي، يبدو أن وجهة نظر روسيا تجاه إنشاء ممر زنغزور قد تغيرت. ومع ذلك، فإن موسكو لم تدعم بعد إحداثه بشكل علني.

أما تركيا، والتي تستغل إحياء ممر زنغزور وضعف الموقف الجيوسياسي الإيراني، وضعت نفسها في مصاف الداعمين لأذربيجان، وقد شهدنا في أواسط فبراير المنصرم زيارة رئيس أذربيجان إلهام علييف إلى أنقرة بناءً على دعوة رسمية من أردوغان، حيث تناولا خلالها ضرورة زيادة حجم التجارة بين البلدين، وتعزيز منظمة الدول التركية.

وتسعى جورجيا، باعتبارها الدولة الوحيدة في منطقة القوقاز التي تتمتع بإمكانية الوصول المباشر إلى البحر الأسود، إلى زيادة دورها في الترانزيت التجاري من المياه الموحلة لأزمة القوقاز، لتنضم مؤقتا إلى حزب إيران المعارض لإنشاء ممر زنغزور والداعم لتطوير وتعزيز الممر الأوسط (ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين). ويندرج هذا المشروع ضمن برنامج تطوير الاتصالات بين الشرق والغرب، والذي يتجاوز أراضي روسيا وإيران ويربط الدول الأوروبية بأذربيجان عبر تركيا وجورجيا، ومن ثم إلى الشرق، وخاصة الصين.

على الضفة الأخرى، علقت أرمينيا عضويتها في منظمة “معاهدة الأمن الجماعي” في الأسابيع الأخيرة (23 فبراير 2024)، بعد أن زعمت وزارة دفاعها مقتل أربعة جنود أرمن في هجوم لأذربيجان على المواقع الحدودية لهذا البلد، وادعت أن تلك الاتفاقية لم تسري على الجانب الأرمني. هذا النهج يعني أن أرمينيا عادت مجددا للتقرب من الدول الغربية وأتاحت المجال لتصبح منطقة القوقاز مرة أخرى عرضة للصراع وزيادة التوتر.

وفي ظل التطورات الجديدة، قد يتوجب على الساسة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إحياء دور البلاد المتوازن في منطقة القوقاز ومنع تحالف تركيا-أذربيجان-جورجيا من إخفاء أثر طرق الترانزيت الإيرانية وإنشاء ممرات بديلة للحؤول دون عودة خيار استخدام القوة لاحتلال مقاطعة سيفنيك الأرمينية وإعادة فتح ممر زنغزور من هذا الطريق، والتأكيد على اتفاقاتها الأخيرة مع باكو لربط جمهورية أذربيجان بنخجوان عبر إيران.

 

محمد مهدي مظاهري
المستشار السابق لوزارة الخارجية الإيرانية وعضو مجلسها الإستراتيجي

إقرأ أكثر

هل تقبل إيران مقترح أردوغان بشأن ممر زنغزور؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
ميدل ايست نيوز
المصدر
ديلبوماسي إيراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى