«بحر النجف» مشروع استثماري بين طيات النسيان.. ما قصته؟
تعتبر منطقة بحر النجف، من بين المناطق المهمة في وسط وجنوب العراق، لما تمتلكه من مؤهلات لتحويلها إلى مشروع جذب سياحي ممتاز.

ميدل ايست نيوز: تعتبر منطقة بحر النجف، من بين المناطق المهمة في وسط وجنوب العراق، لما تمتلكه من مؤهلات لتحويلها إلى مشروع جذب سياحي ممتاز، يدر عائدات مالية قد تضاهي ما تدره السياحة الدينية، وفق مراقبين، أكدوا أن ما يعيق استثمار هذه المنطقة جهات حكومية ودينية.
وحسب تقرير لموقع “العالم الجديد” بحر النجف، هو مسطح مائي يقع في الجهة الغربية من مدينة النجف، خلف مقبرة وادي السلام، ويبلغ طوله 15 كيلومترا وقد تعرض للجفاف في السنين الأخيرة، وتعيش فيه الكثير من أنواع الطيور والأسماك، كما تحتوي منطقة بحر النجف على كثير من مقالع الرمل ومصانع الطابوق.
ويقول رئيس هيئة استثمار النجف ضرغام كيكو، إن “بحر النجف يعد كمحمية طبيعية، لكن ترفض مديرية الموارد المائية ووزارة البيئة استثماره، أما المرحلة الأخرى التي تبعد عن مركز البحر، فقد تم إجراء مخطط كامل لإنشاء مدينة سياحية سكنية تجارية خدمية ترفيهية، والكلفة الاستثمارية لهذه المدينة بلغت أكثر من مليار دولار وتم استكمال المتطلبات ورفعها إلى الهيئة الوطنية للاستثمار”.
ويضيف كيكو، أن “هذا المشروع من المشاريع الإستراتيجية والمهمة في محافظة النجف، والآن يدرس من قبل الهيئة الوطنية للاستثمار من أجل عرضه على مجلس الوزراء للتصويت عليه لإنشاء أكبر مدينة سكنية سياحية في منطقه بحر النجف، وهذه المدينة إذا تم استكمالها سوف توفر للمحافظة أكثر من 15 ألف فرصة عمل، إضافة إلى جذب السياح والوافدين وهذا ما يجعل يحرك السيولة النقدية في المحافظة بشكل أفضل من السابق”.
وأُطلق على بحر النجف تسميات كثيرة منذ بداية نشوئه، فقد عُرف عند الآراميين باسم “فَرْشا”، وتعني بلغتهم “البثقة”، وعُرف عند اليهود باسم “حاشير”، أما في عهد الساسانيين فقد أُطلق عليه اسم “الجوف”.
وكان يُعرف في عهد الإسكندر الأكبر باسم بحيرة رومية، وأهوار رومية، وسمتّه العرب في عصر ما قبل الإسلام ببحر “بانقيا”، كما ورد ذلك على لسان الشاعر العربي ميمون بن قيس.
من جانبه، يبين الناشط النجفي علي الخطيب، أن “منطقة بحر النجف بالإضافة إلى أنها مشروعا واعدا للسياحة فهي أيضا تحتوي على آثار ما تُعرف بالطارات التي تضم كنائس وأديرة تعود للعصور القديمة، وكانت تُستخدم هذه الطارات في زمن الاحتلال البريطاني مكانا لإيواء الثوار”.
ويضيف “كما أن المنطقة تحتوي على بادية تؤهلها لتكون مركزا سياحيا للتخييم من قبل أبناء الوسط والجنوب، لتدر عائدات مالية قد تضاهي ما تدره السياحة الدينية”.
لكن هناك عوائق كثيرة تحول دون الاستثمار في تلك المناطق، بحسب الخطيب، أحدها “ضرورة المحافظة على هوية النجف الدينية”.
ويتابع “كما أن شبهات الفساد وعمولات المسؤولين المحليين تحول دون وصول مستثمرين أو شركات رصينة لاستثمار هذه المناطق وتحويلها إلى مناطق جذب سياحي”.
وشهدت منطقة بحر النجف في السنوات الأخيرة وخصوصا خلال شتاء العام الحالي الذي كان غزير الأمطار، إقبالا غير مسبوق من العراقيين حيث يتوجهون في مجمعات إلى هناك وينصبون الخيم ويقضون ساعات النهار فيها ثم يغادرونهم، والبعض منهم يبيتون حتى يوما أو أكثر.
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي النجفي، كريم الحلو، أن “النجف تعتبر واجهة للسائحين فلا تخلو من الزائرين على طول السنة، حيث يؤمها المسلمون من جميع أنحاء العالم لزيارة المراقد الدينية فيها، كما يأتيها السياح للمناطق الأثرية والتراثية في مدن المثلث الحضاري، النجف، والحيرة، والكوفة”.
ويبين “ورغم أن مطار النجف يعد أول مشروع استثماري في المحافظة، لكن لم يكن مصير عائداته المالية واضحا، أما مشروع بحر النجف، فهو يمكن أن يكون من أفضل المشاريع في المحافظة بل على مستوى العراق، لكن هذا يتطلب وجود شركات استثمارية كبيرة، إذ يحتاج إلى إمكانيات وخطط ورؤية متكاملة للمشروع، حتى يكون مصدر استقطاب لأهالي المحافظة وخارجها”.
وينبه أنه “وفي حال عدم وجود هذه الرؤية من قبل المستثمرين، إلى جانب الفساد الإداري من قبل الأحزاب فسوف يُترك المشروع، وإلا فهو مشروع سياحي واستثماري كبير”.
ويلفت الحلو إلى أن “النجف فيها مقبرة نموذجية للأموات، لكن لا يوجد فيها متنفس للأحياء، إذ تفتقر المحافظة الى مدن ألعاب ومناطق ترفيهية لتلجأ إليها العوائل في أيام العطل، كما لا توجد فيها مدن سكنية نموذجية، وهذا خلل كبير تتحمله هيئة الاستثمار لعدم وجود تخطيط لمثل هكذا مشاريع بالمحافظة”.
ويعرب الخبير الاقتصادي في ختام حديثه عن أمله بأن يكون لدى المحافظ الجديد يوسف الحمداني خططا للاستثمار، وأن يكون مشروع بحر النجف استثماري يساهم فيه أهالي المحافظة كما في دول العالم.
وكانت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، قد وصفت في تقرير لها بحر النجف الواقع في قلب الصحراء بأنه “معجزة بيئية حديثة ونادرة الوقوع” في عالم كثرت فيه الكوارث الطبيعية وانقراض الأصناف النباتية والحيوانية بسبب تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري.
بدوره، يؤكد عضو مجلس محافظة النجف، أكرم شربة، أن “الاستثمار في محافظة النجف يسير بطريقة خاطئة منذ العام 2003 وإلى غاية الآن، فقد كانت استثمارات بائسة لم تنفع المحافظة في شيء، لا بتشغيل الأيدي العاملة، ولا بإنشاء مشاريع تخدم المحافظة، كما لم يتم استثمار الموارد الطبيعية فيها”.
ويتابع “على سبيل المثال بحر النجف الذي هو منطقة استثمارية يمكن من خلالها كسب سياحة جديدة إضافة للسياحة الدينية الوحيدة حاليا بالمحافظة، كما هناك مناطق أثرية لم تُستثمر بطريقة صحيحة مثل منطقة الحيرة، وأماكن أخرى في مدينة الكوفة”.
ويلفت إلى أن “أعضاء مجلس المحافظة عازمون على البدء بصفحة جديدة من الاستثمارات في المحافظة، فإلى جانب منطقة بحر النجف يمكن استثمار الصحاري التي خلفها، إذ إن في المحافظة معملا واحدا لكنه يشغل مئات الأيدي العاملة، وباستثمار الصحراء سوف يتم تشغيل جميع الأيدي العاملة”.
وتبلغ مساحة بحر النجف الكلية قبل تجفيفه 336 كيلو مترا مربعا، إلا أنه في العام 1887 صدر أمرا من السلطات العثمانية التي كانت تحتل العراق في حينها، يقضي بقطع إمدادات المياه التي تغذي بحر النجف، تماما كما فعل الإسكندر الأكبر في عصره عندما قام هو الآخر بقطع روافد نهر الفرات الممتدة إلى البحر.