رواية مغلوطة “للحشاشين”.. جماعة إرهابية أم تاريخ مفبرك خطه الصليبيون؟
قال باحث بريطاني إيراني إن لا المسلسل التلفزيوني ولا لعبة الفيديو "Assassin’s Creed" تنصف القصة الحقيقية للطائفة الإسماعيلية المعروفة بالحشاشين وفي العالم الغربي بـ "القتلة".

ميدل ايست نيوز: حظي مسلسل الحشاشين الذي يُبث في ليالي رمضان في الدول الإسلامية باهتمام واسع نظرا للخلاف الحاصل في واقعية الأحداث التاريخية المعروضة في العمل السينمائي الرمضاني وعدمها.
يتناول هذا المسلسل قصة الطائفة الإسماعيلية بقيادة حسن بن الصباح الذي حكم جزءًا من إيران في القرن الحادي عشر الميلادي وكان في صراع مع السلاجقة الحاكمين لإيران. فهل يعكس هذا المسلسل والتقاریر حوله الواقع التاريخي لهذه الجماعة؟ هذا ما سيخبرنا به الأستاذ الإيراني البريطاني في مركز الدراسات الإسماعيلية والذي سيقدم شروحات مفصلة عن تاريخ هذه الجماعة.
وبعد مرور أكثر من 17 يوم على بثه، لا شك أن العمل الدرامي التاريخي “الحشاشين” أو “القتلة” سيكون واحد من أضخم الأعمال التلفزيونية خلال شهر رمضان في البلدان الإسلامية. حيث يشارك في بطولة هذا المسلسل عدد كبير من النجوم أبرزهم كريم عبد العزيز، ونيقولا معوض، وفتحي عبدالوهاب، وألف المسلسل الكاتب عبدالرحيم كمال، وأخرجه بيتر ميمي، واستغرق تصويره عامين، وكان من المقرر عرضه في رمضان العام الماضي، وتم تأجيله للعرض هذا العام بسبب تصوير مشاهد من المسلسل في مالطا وكازاخستان.
وساهمت لعبة Assassin’s Creed واستراتيجياتها العسكرية في التخفي والاغتيال بالسم والخناجر والتي جسدت جماعة الحشاشين “بعيدا عن الواقع التاريخي” في تكوين صورة نمطية للعديد من المشاهدين الشباب العرب وغيرهم.
ورأت صحيفة عرب نيوز في تقرير لها، أن هذا العمل الدرامي (مسلسل الحشاشين) كان من المفترض أن يقدم رواية أكثر واقعية من أحداث لعبة الفيديو “Assassin’s Creed”، لكن “فرهاد دفتري”، الباحث الإيراني البريطاني والرئيس المتقاعد لمعهد الدراسات الإسماعيلية في لندن، قال لهذه الصحيفة إن “لا هذا المسلسل التلفزيوني ولا لعبة الفيديو تلك تنصف القصة الحقيقية للطائفة النزارية الإسماعيلية المعروفة في العالم الغربي بـ “القتلة”.
والإسماعيلية إحدى فرق الشيعية تنتسب إلى إسماعيل بن جعفر بن الإمام الصادق، والتي آمنت بأن إسماعيل هو خليفة الإمام الصادق، على عكس الشيعة الاثني عشرية، الذين قبلوا شقيق إسماعيل الأصغر موسى كاظم كإمام.
لماذا يعتبر الغرب جماعة الحشاشين إرهابية؟
يقول الكاتب فرهاد دفتري إن “العديد من الأساطير والخرافات المحيطة بالنزاريين ترجع جذورها إلى الجهل التخيلي للصليبيين ومؤرخيهم الغربيين الذين جاءوا إلى الأرض المقدسة واحتلوا القدس عام 1099. فكلمة (assassin) “قاتل” نفسها، التي صاغها الصليبيون الذين واجهوا النزاريين في سوريا لأول مرة، أتت من سوء فهم للكلمة”.
يضيف: في تلك الفترة كان للنزاريين الشيعة، أعداء من المسلمين السنة يطلقون عليهم لقب الحشاشين، والتي تعني من يتعاطى الحشيش والأفيون.
وبحسب دفتري، فإن كلمة حشاشين لا تعني أن الإسماعيليين كانوا يتعاطون المخدرات بالفعل، فالمصطلح يحتوي على لغط واضح، فهي كانت تعني آنذاك “الأشخاص ذوي الأخلاق الوضيعة، والذين ليس لديهم مكانة اجتماعية”. لكن الصليبيين لم يتخذوا إلا ظاهر هذه الكلمة.
ومن الأساطير المرتبطة بهذا المصطلح أن الزعيم الإسماعيلي يستخدم الحشيش لتحويل الشباب إلى آلات قتل.
من هم الإسماعيليون والنزاريون؟
يقول الكاتب البريطاني الإيراني إنه لكي نفهم قصة الحشاشين الحقيقية، لا بد من المرور على الأحداث السياسية والدينية التي عاشها العالم الإسلامي، وأوضح: يعود أصل القصة إلى الانقسام التاريخي بين المسلمين السنة والشيعة بعد وفاة النبي محمد عام 632 م. ركز هذا الانقسام على مسألة الخلافة. ويعتقد الشيعة أن النبي محمد اختار لنفسه خليفة وهو ابن عمه وصهره علي بن أبي طالب، بينما يعتقد السنة أن النبي لم يفعل شيئا من هذا القبيل.
وأكمل: ازداد الوضع تعقيداً بعد وفاة الإمام جعفر الصادق، الإمام السادس للشيعة عام 765، وحدث انقسام داخل الشيعة. وكانت أكبر طائفة من الشيعة الاثني عشرية، الذين يعتقد أعضاؤهم أن التسلسل الصحيح للإمامة انتهى بغياب الإمام الثاني عشر (المهدي)، الذي لا يزال أتباعه ينتظرون ظهوره. والطائفة الأخرى هي الإسماعيلية والتي تعتقد بإمامة إسماعيل بن جعفر الابن الأكبر لجعفر الصادق. لكن مع وفاة الإمام الإسماعيلي الثامن عشر عام 1094 والذي كان أيضاً الخليفة الثامن للإمبراطورية الفاطمية ومقرها القاهرة، حدث انقسام داخل الإسماعيلية نفسها.
ووفقا لدفتري، عندما توفي المستنصر بالله، دخل ولديه في صراع على الخلافة. تم تعيين أحد ابني نزار ليكون الوريث الرئيسي من قبل والده، والآخر شقيقه الأصغر أحمد المستعلي، الذي اعتلى العرش بمساعدة أفضل شاهنشاه، الوزير وقائد الجيش المصري آنذاك. وعقب هذا الاختلاف على الخلافة، انقسمت الطائفة الإسماعيلية إلى فصيلين، النزاريين والمستعلين. وهنا يدخل الحسن بن الصباح مستهل الأحداث. والذي كان داعيا ومبلّغا إسماعيليا، يعمل لدى الفاطميين في إيران.
ما قصة حسن الصباح والحشاشين؟
وانطلقت ثورة حسن الصباح ضد الحكومة السلجوقية في تلك الفترة، حيث كانت العديد من مناطق إيران آنذاك تحت سيطرة الأتراك السلاجقة. ووفقا لدفتري “قطع حسن، الذي دافع عن إمامة نزار في إيران، علاقاته مع القاهرة والحكومة الفاطمية التي دعمت الأخ الأصغر لنزار، وأسس الحكومة والمجتمع الإسماعيلي النزاري”.
يقول دفتري إنه رغم استخدام حسن لطرق الاغتيال المختلفة، لكن وصف النزاريين بالإرهابيين -بمعناه الحديث- هو وصف خاطئ، يذكر الكاتب: حسن الصباح، الذي أسس عام 1090 قاعدة له في قلعة آلموت في الأجزاء الجبلية من إيران، كان يواجه عدو عسكري قوي جدًا يُدعى السلاجقة. ولم يتمكن من بدء حرب وجها لوجه لأنه لم يكن لديه جيش مساو لجيشهم. فبدلاً من ذلك، هز السلطة السلجوقية اللامركزية من خلال استهداف الشخصيات الرئيسية في النظام الحاكم، “مكانًا بعد مكان، وأميرًا بعد أمير”.
يقول دفتري إنه رغم ذلك لا يمكن اعتبار النزاريين اليوم “آباء الإرهاب”، ويضيف: لم يكن لدى تلك الجماعة أي شيء مشترك مع الإرهابيين المعاصرين. لم تكن أسبابها ودوافعها واحدة ناهيك عن أدواتها. بل كانت هذه الاغتيالات محدودة للغاية ومستهدفة. ولم يكونوا يبحثون عن أعمال إرهابية وقتل الأبرياء.
على وقع هذا، انتشرت الكثير من التقارير والشائعات المبالغ فيها إلى حد كبير والتي تزعم أن كل عملية اغتيال ذات أهمية كبرى في المنطقة كانت من عمل “النزاريين”. غير أن دفتري فنّد هذه التقارير، وأكد أن “السجلات التاريخية للمعاصرين النزاريين تظهر أن هذه الجماعة خلال فترة حكم حسن بن الصباح، أي خلال 34 سنة، نفذت أقل من 50 عملية اغتيال”.
ويعتبر المؤرخون أن استيلاء حسن الصباح على قلعة آلموت عام 1090 كان مقدمة لتأسيس الدولة الإسماعيلية النزارية. هذه القلعة التي عرفت في جميع أنحاء إيران وبلاد الشام، قاومت جميع الأعداء، من المنافسين الإسلاميين إلى الصليبيين المسيحيين، لمدة 183 عامًا. لكن في نهاية المطاف تم القضاء على هذه الحكومة على يد المغول في عام 1256.
وواجه الصليبيون النزاريين لأول مرة في سوريا في العقد الأول من القرن الثاني عشر. واليوم، لا تزال آثار “قلعة مصياف”، المعقل الإسماعيلي الرئيسي في سوريا، موجودة على أطراف المدينة السورية التي تحمل الاسم نفسه.
حديقة في الجنة؟
وبين عامي 1162 و1193م، حكم رشيد الدين سنان، رئيس الحكومة الإسماعيلية النزارية، سوريا. أطلق عليه الرحالة الفينيسي ماركو بولو لقب “شيخ الجبل” وحافظ على هذا الاسم إلى هذا اليوم.
وكررت كتابات ماركو بولو العديد من “الخرافات” المتعلقة بالحشاشين، والتي تقول إن “القلاع الإسماعيلية كانت فيها حديقة كبيرة مليئة بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعا على أي فرد أن يدخلها وكان دخولها مقصورا فقط على من تقرر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين، كان شيخ الجبل يدخلهم في مجموعات، ثم يشربهم مخدر الحشيش، ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يشبعون شهواتهم من المباهج، كان يتم تخديرهم مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم ارسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟ فيردون (من الجنة) بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، واذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة”.
يقول دفتري في هذا الصدد، إن “الصليبيين لم يتمكنوا من فهم سبب تضحيات أفراد هذه الجماعة، ما دفعهم (أي الصليبيين) لاختلاق هذه القصص لتبيين سلوكهم غير العقلاني، وفق وصفهم. اللافت في الأمر أننا لن نجد مثل هذه القصص في المصادر الإسلامية في تلك الحقبة، رغم العداوة البغضاء التي كان يكنها المسلمون أكثر من الصليبيين لتلك الجماعة”.
هل مازالت الإسماعيلية موجودة؟
يبلغ عدد أفراد هذه الجماعة اليوم حوالي 15 مليون نسمة وينتشرون في جميع أنحاء العالم. يعيش أكبر قسم منهم في أفغانستان وباكستان والهند وسوريا، وكذلك في إيران وشرق أفريقيا والإمارات وأمريكا الشمالية والمملكة المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
والإمام الحالي للإسماعيليين النزاريين – إمامهم التاسع والأربعين – هو الآغا خان الرابع، الذي أسس معهد الدراسات الإسماعيلية عام 1977، وهو أكبر مدرسة للدراسات الإسلامية بين المؤسسات الأكاديمية الأخرى في إنجلترا.
يقول الكاتب البريطاني الإيراني إنه “لا يريد أن يفسد متعة مشاهدة مسلسل “الحشاشين” على جمهور شهر رمضان، غير أنه أوضح: تذكروا أن معظم هذه القصص عن الشرق رواها المحاربون الصليبيون العائدون إلى أوروبا. ولذلك، بما أننا نعتبر هذه الروايات قصصاً لا علاقة لها بالتاريخ الحقيقي للإسماعيليين، فلا حرج في رؤيتها”.