من الصحافة الإيرانية: ما الهدف من الهجمات الإسرائيلية المتكررة على إيران؟

يواجه الداخل الإيراني قوى ليست صاحبة القرار الأساسي في البنية الرسمية للحكومة، لكن ضغوطها يمكن أن تدفع النظام في الاتجاه الذي تريده.

ميدل ايست نيوز: فيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على المبنى القنصلي الإيراني في دمشق، يمكن أن يكون هناك تحليلان متناقضان تماما: الأول، أن هذا الهجوم يهدف إلى جر قدم إيران إلى حرب شاملة في المنطقة وإشراك أمريكا في هذه الحرب. والثاني، أن هذا الهجوم قد تم بهدف خلق ردع لإسرائيل والحد من تحركات إيران وإبقاءها وحزب الله تحت السيطرة.

في الحقيقة، يمكن تقديم الكثير من الأدلة لكلا التحليلين، لكن النقطة المهمة هي أننا نواجه قوى في الداخل الإيراني ليست صاحبة القرار الأساسي في البنية الرسمية للحكومة، لكن ضغوطها يمكن أن تدفع النظام في الاتجاه الذي تريده.

وهذا يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل تستطيع إسرائيل أن تلقي بظلالها على عملية صنع القرار من خلال استفزاز هذه الشريحة المتشددة في إيران والتأثير عليها من خلال إحداث بلبلة أو إيجاد لغط في الحسابات (سبب عدم الرد)؟ يبدو أن الإجابة على هذه الأسئلة إيجابية.

وبالنظر إلى قائمة الاغتيالات الأخيرة، شهدت الساحة الإيرانية نوعين مختلفين من المواقف. الأول، الحركة الراديكالية: هؤلاء الأشخاص، الذين دخل بعضهم مؤخراً إلى البرلمان، حاولوا زيادة حجم ونسبة الانتقام منذ الساعات الأولى لخبر الاغتيال.

ودعا أفراد من هذه الحركة إلى الهجوم والرد السريع على إسرائيل من خلال تنظيم مسيرة في ساحة فلسطين بطهران. حيث أكدوا أن الكيان الصهيوني سيكرر هذه الهجمات في حال لم تنفذ إيران هجوما مماثلا على مواقع إسرائيلية وأفراد إسرائيليين. ومن وجهة نظرهم يجب الرد سريعا على الهجوم.

والمثير في الأمر أنهم رأوا أن الهجوم لن يصعد من الأوضاع ويجر المنطقة إلى حرب كبرى. ووفقا لهم، فإن عدم وجود رد مناسب وكفؤ قد وفر الأساس لتكرار هذه الهجمات. وكانت هذه الشريحة من المتشددين من أشد المنتقدين لروحاني في عهد رئاسته، عندما تم اتباع سياسة الصبر الاستراتيجي ضد أمريكا (وليس ضد الهجمات الإسرائيلية). حيث اعتبروا هذه السياسة خيانة. لكنهم اليوم لا يستطيعون توجيه انتقاداتهم نحو إبراهيم رئيسي.

نتيجة هذا السلوك؟

النوع الآخر، مواقف المنابر الرسمية: تشير مواقف هذه الشريحة، التي شهدناها خاصة في صلاة الجمعة هذا الأسبوع، تشير إلى “عدم استعجال إيران في الرد”. في حين كان تحليل الكثير من المراقبين أن احتمال حدوث رد إيراني بعد إقامة مراسم يوم القدس في البلاد كبير للغاية. يبدو أن المنابر الرسمية قد تم إدارتها بشكل حاسم. فما نسمعه في الإذاعة والتلفزيون ومنابر الجمعة ووسائل الإعلام والصحف ووكالات الأنباء الرسمية هي كلمة واحدة لا تتماشى مع مطالب التيار المتشدد.

وبالعودة إلى السؤال الأصلي: كيف يمكن لإسرائيل التأثير على عملية صنع القرار من خلال تحفيز الراديكاليين؟

في المقام الأول، فإن هذه الشريحة تمر في مرحلة من الغليان قبل الاستفزاز الإسرائيلي والحسابات المعارضة التي تدار من الخارج. لكن أنشطة هذه الحسابات (وكذلك الحسابات الإسرائيلية باللغة الفارسية) أصبحت أكثر جرأة وهدفها إذلال وإهانة واستفزاز مشاعر من ينتمون للثورة.

وتتسبب هذه الاستفزازات في: 1- قيام التيار المتشدد بالضغط على الحكومة ليس من خلال المنابر الرسمية بل من خلال الدوائر الداخلية والاجتماعات والتجمعات التي تكون احتفالاتها مغلقة تماما أو ضمن مجموعات وقنوات تطبيق التواصل الإيراني “إيتا”.

2- بهذه الطريقة، ومن أجل الرد على الهجوم الإسرائيلي، يجب على الحكومة أولاً أن تفكر في العواقب الخارجية المستقبلية، أي رد إسرائيل على الهجوم الإيراني ورد إيران على الهجوم الإسرائيلي القادم. ومن ناحية أخرى عليه أن يفكر هل هذا الجواب يمكن أن يرضي التيار الراديكالي في الداخل الإيراني أم لا.

3- في حال فشل الرد الإيراني في إرضاء المتشددين في الداخل، فإن الوضع سيكون مربحاً للجانبين بالنسبة لإسرائيل. لأنه نجح في خلق فجوة بين النظام والشريحة الرئيسية من المؤيدين.

4- لا ننسى أنه من وجهة نظر الحركة الراديكالية الداخلية لا داعي لدخول إيران في الحرب. فهم يرون أن إيران وإسرائيل في حالة حرب منذ سنوات. إنهم يحاولون تحويل هذه الحرب المتفرقة إلى حرب واسعة النطاق. لذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الضغط الذي يمارسونه لزيادة مستوى التوتر لا يهدف في الواقع إلى خلق الردع؛ إنهم يريدون إنهاء الحرب والدخول في المرحلة المروعة من القصة.

ولذلك، يبدو أن إسرائيل لا تريد توسيع الحرب في المرحلة الحالية، إذ لم تتمكن حتى الآن وبعد سبعة أشهر من قصف المنازل السكنية من إعلان نهاية حماس في غزة التي كانت تحت الحصار منذ سنوات. ولذلك فهم لا يريدون الخوض في حرب أكثر شمولاً في شمال الأراضي المحتلة (سوريا أو لبنان). فهم على يقين أن الولايات المتحدة لن تقف في صفهم في عام الانتخابات.

وبناءً على ذلك، يمكن القول إن هجمات الكيان الصهيوني المحدودة (لكن الصادمة) تهدف إلى خلق ردع. فهو يرغب في أن تبقى إيران بعيدة عن الحرب ولكن يتم احتواؤها. ولكن إذا كان التيار الراديكالي الداخلي يضغط على الحكومة فيما يتعلق بالزمان والمكان ونموذج الانتقام، فإنه يضع إيران في الواقع في لعبة سيخسر فيها الجميع. في مثل هذه الحالة، من سيكون الفائز الرئيسي؟

داوود حشمتي
صحفي إيراني

إقرأ أكثر

كيف تتبعت الحسابات الأمنية زاهدي من إيران حتى لحظة اغتياله؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى