هل ستمتلك السعودية السلاح النووي؟
رغم أن المملكة العربية السعودية لا تمتلك حتى الآن بنية تحتية نووية كبيرة خاصة بها، فإنها تقوم ببناء مفاعل أبحاث نووي صغير على مشارف الرياض وتبني صواريخ باليستية بمساعدة الصين.
ميدل ايست نيوز: سلط تقرير لمجلة فورين أفييرز الضوء على الطموحات النووية السعودية، وما إذا كنت المملكة تسعى لتطوير أسلحة نووية لمواجهة إيران خصمها الإقليمي، وكيف يمكن لواشنطن أن تتعامل مع هذا الأمر.
ويقول التقرير إن المفاوضات الجارية للسماح بالسعودية بتطوير برنامج نووي مدني ينطوي على مخاطر سباق تسلح في المنطقة، ويشير إلى أن المضي قدما في هذا الملف في إطار اتفاق للتطبيع مع إسرائيل، سيحتم على واشنطن النظر في رغبة الرياض في تعاونها معها في البرنامج النووي وفي طلباتها الدفاعية “وهو تطور يمكن أن يغير بشكل كبير الصورة الأمنية الإقليمية، خاصة إذا كانت المملكة ترغب في نهاية المطاف في امتلاك أسلحة نووية”.
ويشمل البرنامج النووي السعودي، المقترح في الوقت الحالي، مفاعلات نووية مدنية تدار بموجب اتفاقية ضمانات شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن الرياض أعربت من قبل عن عدم ارتياحها تجاه وجود قيود.
وتحذر المجلة من أن البرامج النووية السلمية غالبا ما تكون الخطوة الأولى نحو الحصول على أسلحة نووية.
ورغم أن المملكة العربية السعودية لا تمتلك حتى الآن بنية تحتية نووية كبيرة خاصة بها، فإنها تقوم ببناء مفاعل أبحاث نووي صغير على مشارف الرياض وتبني صواريخ باليستية بمساعدة الصين.
وفي ديسمبر الماضي، كشفت شبكة “سي أن أن” الإخبارية، صور أقمار صناعية وتقييمات استخبارية أميركية أظهرت أن المملكة “بنت منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين” في منشأة بالقرب من الرياض.
وقالت الشبكة في تقرير مطول إن “وكالات الاستخبارات الأميركية قيمت أن السعودية تعمل الآن بنشاط على تصنيع صواريخها الباليستية بمساعدة الصين”.
وتقول فورين أفييرز إن الرياض ربما ستلتزم بتطوير برنامج مدني في الوقت الحالي، ولكن نظرا لتهديدات القنبلة النووية الإيرانية، فقد تميل إلى التسلح النووي العسكري في المستقبل، وهو ما يحتم “على الولايات المتحدة أن تعمل على التخفيف من هذا الخطر”.
لكن واشنطن ستواجه معضلة، وهي أن التعاون بشكل أقل مما ينبغي مع الرياض، يعني أنها ربما تفقد الدعم السعودي للتطبيع مع إسرائيل، والتنازل لخصوم مثل الصين.
ومن ناحية أخرى، فإن الدعم غير المشروط لقدرات التخصيب النووي، سيمنح الرياض الفرصة لتطوير برنامج عسكري في المستقبل، “ولذلك يجب على واشنطن أن تقبل الطموحات النووية السلمية للمملكة، مع الإصرار على اتخاذ تدابير قوية وصارمة لمنع الانتشار النووي السعودي”.
وكان السيناتور الأميركي الديمقراطي، إدوارد ماركي، حث الأربعاء الماضي، الرئيس جو بايدن على ضرورة إدراج ضمانات صارمة لمنع انتشار الأسلحة النووية في أي اتفاقية للطاقة النووية مع السعودية قد تُبرم في إطار تطبيع محتمل للعلاقات تتوسط فيه واشنطن بين المملكة وإسرائيل.
وتجري إدارة بايدن محادثات مع السعودية وإسرائيل بشأن اتفاقية سلام محتملة منذ ما قبل الهجوم الذي شنه مسلحو حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وما زالت المحادثات مستمرة خلال الحرب في قطاع غزة.
وأعلنت السعودية في سبتمبر 2019 عزمها تخصيب اليورانيوم من أجل برنامجها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية.
وكانت مسألة تخصيب اليورانيوم نقطة شائكة بين الرياض وواشنطن، لاسيما بعد أن قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عام 2018، إن المملكة ستطور أسلحة نووية إذا أقدمت إيران على ذلك، وفقا لرويترز.
وتقول السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، إنها تريد استخدام الطاقة النووية في تنويع مصادر الطاقة لديها، لكن تخصيب اليورانيوم يفتح أيضا الباب أمام إمكانية استخدامه لأغراض عسكرية.
“قد تنضم لـ31 دولة من بينها مصر”
ويحذر تقرير فورين أفييرز من أن الرياض ربما تحذو حذو دول أخرى طورت سرا برنامجا نوويا للأغراض العسكرية، مثل إيران، وكوريا الشمالية، وليبيا، وسوريا التي قال إنها “سعت سرا إلى تطوير برامج الأسلحة النووية في حين تتظاهر بالالتزام بالضمانات”.
ويمكن لبرنامج نووي مدني أن يسهل تطوير برنامج للأسلحة النووية من خلال منح السعودية تقنيات مزدوجة الاستخدام مثل قضبان الوقود النووي، ومرافق إعادة المعالجة، وتصميمات المفاعلات المتقدمة.
ومن شأن المفاعلات وقدرات تخصيب اليورانيوم أن تزود المملكة بالبنية التحتية والقاعدة المعرفية اللازمة لتطوير قدراتها النووية من خلال تحويل المواد أو الخبرة نحو التطبيقات العسكرية
ويمكن للرياض بعد ذلك استخدام تقنيات التخصيب المتقدمة لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، والتهرب من اكتشاف المفتشين الدوليين له من خلال الإخفاء والخداع.
ويمكن للسعودية أيضا فصل نظائر اليورانيوم اللازمة لليورانيوم عالي التخصيب داخل المنشآت المدنية، مما يجعل من الصعب على المفتشين اكتشاف وجود برنامج عسكري.
ومن الممكن أيضا تحويل اليورانيوم المخصب اللازم لتزويد المفاعلات النووية بالوقود وزيادة تخصيبه إلى مستويات مناسبة لإجراء تفجير نووي.
وبالتالي، وفق المجلة، فإن البرنامج النووي المدني السعودي سيعطيها القدرة النووية “الكامنة” والقدرة على الانتشار إذا رغبت في القيام بذلك. وبهذا تنضم السعودية إلى 31 دولة أخرى، بما في ذلك ألمانيا ومصر والبرازيل واليابان، التي احتفظت بهذا المكانة عبر التاريخ.
ورقة مساومة
ويحذر التقرير من إمكانية استخدام الرياض لربنامج نووي مدني كورقة مساومة أو ممارسة سلوك عدائي كما فعلت كوريا الشمالية، على سبيل المثال.
وبوسع المملكة أن تخصب اليورانيوم، أو تزيد إنتاجها من أجهزة الطرد المركزي، أو شراء المواد والمعدات النووية من دول أخرى، أو حشد الدعم السياسي الداخلي لامتلاك الأسلحة النووية، وكل هذا على أمل زيادة قدرتها التفاوضية.
ويشير التقرير إلى إمكانية أن تزيد السعودية من قدراتها النووية إذا صعدت إيران قدراتها لدرجة تصنيع القنبلة النووية، والمملكة بالفعل “لم تتهرب” من توضيح نواياها النووية إذا سلكت إيران هذا الطريق النووي، فقد قال محمد بن سلمان، إنه إذا نجحت إيران في تطوير سلاح نووي، فإن المملكة أيضا سوف تفعل ذلك.
دول أخرى
قد يدفع التقدم النووي الإيراني أيضا دولا أخرى في المنطقة، مثل الإمارات أو تركيا، إلى التحول نحو التسليح. وتعرضت الإمارات لانتقادات بسبب فشلها في الكشف عن معلومات بشأن منشآتها النووية المدنية.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قد قال في وقت سابق أنه لا ينبغي منع تركيا من الحصول على أسلحة نووية.
والرياض، التي ترى نفسها زعيما إقليميا، لن ترغب في أن يتمكن أي من البلدين، وخاصة الإمارات، وهي منافس رئيسي لها، من تجاوزها في هذه الطموحات النووية، وفق المجلة.
ورغم وجود محادثات جارية بشأن إقامة علاقة دفاعية رسمية، إلا أن الترتيبات الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية ليست مؤكدة على الإطلاق، خاصة إذا فاز دونالد ترامب بالرئاسة، بحسب تقرير “فورين أفييرز”.
وتشير المجلة إلى رفض الرئيس السابق الرد على الهجوم الذي استهدف منشأة نفطية سعودية عام 2019، ولم يفعل الكثير لطمأنة المسؤولين السعوديين بأن إدارة ترامب الثانية، بحال عودته إلى البيت الأبيض، ستدعم الرياض.
ويتحدث التقرير ايضا عن إقامة تحالف أمني من شأنه تهدئة المخاوف من إيران النووية، أو الضغط على الرياض للتوقيع على “اتفاقية 123” للتعاون النووي المدرجة في قانون الطاقة النووية الأميركي التي تحظر تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة النووية، وهما طريقتان لإنتاج الأسلحة النووية. ووافقت الإمارات على هذه الضمانات عند بناء محطتها النووية عام 2021.
وتسمح هذه الاتفاقية بالحصول على التكنولوجيا النووية المدنية الأميركية مقابل التزام صريح بالامتناع عن التسليح، والالتزام بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقييد مستويات التخصيب، وإعادة الوقود النووي المستهلك إلى الولايات المتحدة لمنع إعادة معالجة مواد الأسلحة.
ومع ذلك، فإن إحدى العقبات أمام مثل هذا الاتفاق هي رغبة الرياض المعلنة في تخصيب اليورانيوم محليا لتوليد الكهرباء من خلال تفاعلات الانشطار النووي الخاضعة للرقابة، بدلا من الاعتماد على اليورانيوم المخصب مسبقًا من مصادر خارجية.
وإذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على التفاوض بشأن فرض حظر كامل على التخصيب، وغير راغبة في تقديم تنازلات أخرى، فقد تلجأ المملكة إلى دول أخرى، مثل الصين، للحصول على المساعدة في التكنولوجيا النووية، مما يؤدي إلى فقدان الشفافية بشأن الأنشطة والمنشآت النووية، وخسارة الولايات المتحدة لنفوذها.
وقد حافظت الرياض منذ فترة طويلة على علاقات ودية مع بكين، وتوطدت هذه العلاقات خلال السنوات الماضية.
وفي عام 2019، وضعت القوتان اللمسات الأخيرة على اتفاقية بقيمة 10 مليارات دولار تهدف إلى تطوير مجمع للتكرير والبتروكيماويات،
والشهر الماضي، ذكرت شركة أرامكو السعودية، أنها تبحث مع شركة رونغشنغ الصينية للبتروكيماويات إمكانية إنشاء مشروع مشترك في شركة مصفاة أرامكو السعودية الجبيل (ساسرف).
واستحوذت أرامكو على حصة 10 في المئة في رونغشنغ في يوليو 2023 من خلال شركتها التابعة أرامكو لما وراء البحار، ومقرها هولندا.
وتملك رونغشنغ حصة 100 في المئة في شركة نينغبو تشونغجين. كما أن لديها حصة في مشروع مشترك لإنتاج حمض التريفثاليك المنقى.
وجاءت خطوة أرامكو في ظل تقارب سعودي صيني في السنوات الأخيرة، وبينما تسعى الرياض إلى جذب استثمارات أجنبية ضمن مخططها “رؤية” لتنويع الاقتصاد.
والشهر الماضي، أجرى مسؤولون يشرفون على مدينة نيوم التي تشيدها السعودية جولة في الصين مخصصة لجذب مستثمرين، عرضوا خلاها الخطوط العريضة للمشروع الباهظ الكلفة.
وكانت بكين قد ساعدت في التقارب السعودي الإيراني في عام 2023.
ومن أجل استباق التحول السعودي نحو الصين، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات، وفق فورين أفييرز.
ويمكن لواشنطن أن تعرض على الرياض بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم في المملكة، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الرياض سيطرة أكبر على سلسلة إمدادها بالوقود النووي ويقلل من اعتمادها على الموردين الأجانب.
ويقول التقرير إن الخبرة التكنولوجية والاكتفاء الذاتي الذي قد ينتج عن وجود قطاع للطاقة النووية يتوافق مع طموحات المملكة لتنويع اقتصادها مع تقليص العالم اعتماده على النفط.
ولايزال بإمكان الولايات المتحدة الإصرار على اتخاذ إجراءات قوية لمنع المملكة من تطوير برنامج عسكري، فيمكنها، على سبيل المثال، المطالبة بإدارة أي منشأة للتخصيب من قبل أفراد أميركيين.
“لكن يجب على واشنطن أن تكون واضحة الرؤية فهذه الإجراءات من شأنها بالتأكيد أن تقلل من خطر الانتشار النووي السعودي، لكنها لن تقضي عليه”.
وتؤكد المجلة أهمية أن تعمل الولايات المتحدة على تقييد قدرة المملكة على تطوير برنامج الأسلحة النووية الخاص بها منذ البداية، وتقول إنه “من المؤكد أن أي اتفاق مع السعودية سيخضع لمزيد من التدقيق”.
“وبدلا للتخصيب في السعودية، يمكن لواشنطن أن تعرض ضمان إمدادات موثوقة من اليورانيوم المخصب لمفاعلات المملكة، مما ينهي حاجتها إلى منشآت التخصيب المحلية.
ويمكن إدارة منشآت التخصيب بواسطة أفراد أميركيين بدلا من السعوديين مع إنشاء آليات للإغلاق عن بعد.
ويمكن لواشنطن أن تجعل حظر التخصيب جزءا من التعاون الدفاعي الثنائي. وقد يتخذ ذلك شكل حظر رسمي توقعه الرياض، أو وثيقة تكميلية غير ملزمة مصاحبة لاتفاقية رسمية تحتوي على بند إضافي توافق فيه المملكة على عدم إنشاء بنية تحتية لدورة الوقود.
ومن شأن هذا النهج أن يسمح للرياض بالاحتفاظ بالحق الفني في التخصيب، على أن توافق مقدما على عدم القيام به.
وتؤكد المجلة أيضا ضرورة إدارة البرنامج النووي الإيراني لمنع انتشار الأسلحة النووية في السعودية وغيرها من الدول الإقليمية، ويقول إنه “لا يمكن لواشنطن أن تتخلص من الطموحات النووية للسعودية، وإذا فشلت المملكة في الحصول على الدعم الذي تحتاجه من واشنطن، فإنها ستلجأ إلى دول أخرى لتمويل برنامجها النووي”.