حل مجلس الأمة وتعليق دستور الكويت جزئياً.. محطات من الأزمات السياسية
فوجئ الكويتيون من إعلان أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مساء الجمعة، عن حل مجلس الأمة (البرلمان)، ووقف العمل في بعض مواد الدستور، وذلك لمدة لا تزيد عن أربع سنوات.
ميدل ايست نيوز: فوجئ الكويتيون من إعلان أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مساء الجمعة، عن حل مجلس الأمة (البرلمان)، ووقف العمل في بعض مواد الدستور، وذلك لمدة لا تزيد عن أربع سنوات. وعلى الرغم من تكرار حلّ مجالس الأمة في الكويت، وتكرار إجراء الانتخابات المُبكرة، خاصة في السنوات الأخيرة، إلا أن تعليق العمل ببعض مواد الدستور يُعتبر الثالث من نوعه منذ تدشين مسيرة البلاد الديمقراطية عام 1962.
وجرت أربع انتخابات في مجلس الأمة الكويتي في أقل من أربعة أعوام فقط، بعد انتخابات 5 ديسمبر/ كانون الأول 2020، و29 سبتمبر/ أيلول 2022، و6 يونيو/ حزيران 2023، وأخيراً 4 إبريل/ نيسان 2024. ويُعدّ مجلس الأمة 2024 المُنتخب أول مجلس في تاريخ الكويت يُحلّ قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية، التي كان من المقرر عقدها يوم الثلاثاء القادم في 14 مايو/ أيار، بعدما أُجّل موعدها نحو شهر بمرسوم أميري وفقاً للمادة 106 من الدستور، وسط اعتراض عدد واسع من النوّاب، وإصرارهم على عقدها في “موعدها الدستوري” استناداً إلى نصّ المادة 87 من الدستور، التي تستوجب عقدها خلال مدّة لا تتجاوز أسبوعين من موعد الانتخابات، وهو ما كان بعد عقد 40 نائباً الجلسة في 21 إبريل/ نيسان الماضي، وسط غياب الحكومة.
وكان تأجيل الجلسة الافتتاحية وإصرار أعضاء البرلمان على عقدها خلال موعد الأسبوعين سابقة تتكرر للمرة الثانية، بعدما سُجّلت أول مرة في مجلس 2022 المُبطل، التي حضرتها أغلبية كاسحة من النوّاب أيضاً، في 16 أكتوبر/ تشرين الأول، ورُفعت لغياب الحكومة، ولكن فيما بعد، لم يُصادق على مضبطة الجلسة، واعُتبرت كأنها لم تكن، وعليه كانت الجلسة التي أُجّلت آنذاك وعُقدت بعدها بيومين هي “الجلسة الافتتاحية”، ولاحقاً أُبطل المجلس نهائياً لسبب آخر. وعُرفت الكويت بالعديد من الأزمات السياسية طوال الحياة النيابية التي بدأت بإجراء أول انتخابات عام 1963، أولها تزوير نتائج الانتخابات الثانية التي جرت عام 1967، وظهرت النتائج “صادمة” بخسارة رموز من المعارضة، أبرزهما النائبان السابقان أحمد الخطيب وجاسم القطامي، عقب سيطرة الحركة الوطنية بقيادة “حركة القوميين العرب” على تركيبة البرلمان الأول المُنتخب قبله.
وخلال العقود الثلاثة الأولى من عمر المجالس النيابية، حُلّ البرلمان حلاً غير دستوري وعُلّق العمل ببعض مواد الدستور مرتين، الأولى من عام 1976 وحتى عام 1981، والأخرى من عام 1986 إلى ما بعد تحرير الكويت من غزو العراق عام 1992. وجرت خلال ذات الفترة محاولتان لـ”تنقيح الدستور”، لكن من دون أن يُكتب لهما النجاح، جاءت الأولى عام 1980 في ظلّ تعطيل العمل بالدستور لأول مرة، وتشكيل الحكومة “لجنة النظر في تنقيح الدستور”، والثانية بعد استئناف الحياة النيابية من جديد بإجراء انتخابات مجلس 1981 مباشرةً، عقب فشل الحكومة في تمرير تعديلاتها على الدستور من داخل البرلمان، والتي اشتملت حينها على 17 مادة.
أيضاً، أثناء تعطيل العمل بالدستور للمرة الثانية (من 1986 إلى 1992)، أعلنت الحكومة عام 1990 عن “المجلس الوطني” بديلاً عن مجلس الأمة ومدته أربع سنوات، على أن تكون مهمته صياغة دستور جديد، ويتكوّن عدد أعضائه من 75 عضواً، ثلثهم (25) بالتعيين، فيما الـ50 الباقون ينتخبهم الشعب، وصلاحيات هذا المجلس طابعها استشاري غير مُلزم، وقد دعت المعارضة إلى مقاطعته، وقادت حركة احتجاجية عُرفت باسم “دواوين الاثنين” (ملاحق متصلة بالبيت يتجمع فيها الرجال) ضد تعطيل الدستور وطالبت بعودة مجلس الأمة.
وتعدّ لحظة الاحتلال العراقي للكويت المحطة الفارقة في مسيرة البلاد السياسية، خاصة أنها وقعت أثناء تعليق العمل بالدستور، ولكن المعارضة في “المؤتمر الشعبي”، الذي عُقد في مدينة جدة في السعودية، تمسكّت بشرعية أسرة الحكم “آل الصباح”، في مقابل تعهدها في إعلان المؤتمر بإعادة العمل بالدستور والحياة النيابية بعد تحرير الكويت، وهو ما ساهم في تحشيد الرأي العام الدولي للتضامن معها ضد العراق، وقاد إلى تشكيل قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لتحريرها.
وعلى الرغم من التزام السلطة في الكويت بعد ذلك بالتعهدات التي قطعتها في “مؤتمر جدة”، وقيامها منذ التحرير بمناورة المعارضة ضمن قواعد اللعبة الدستورية، وقامت بحلّ كافة المجالس حلاً دستورياً في العقود الثلاثة الأخيرة، إلا أن “شبح” تعليق الدستور يُخيّم على الأوساط السياسية بين حين وآخر، كان آخرها إصدار عدد من القوى السياسية بياناً، في إبريل/ نيسان الماضي، يؤكد رفض دعوات تعطيل العمل بالدستور.
حل مجلس الأمة الكويتي.. 15 حالة منذ الغزو العراقي
مع ذلك، لم تعرف الكويت الاستقرار السياسي طوال العقود الثلاثة الأخيرة، وشهدت 15 مجلساً منتخباً منذ تحريرها من الغزو العراقي عام 1991، بمعدل انتخابات واحدة كل عامين تقريباً، لم تكمل منها سوى ثلاثة مجالس مدتها كاملة، وهي مجالس أعوام 1992 و1999 و2016، بينما حُلّت تسعة مجالس مُنتخبة قبل استكمال مدتها، وهي مجالس: 1996 و2003 و2006 و2008 و2009 و2013 و2020 و2023، بالإضافة إلى مجلس 2024 المُحلّ أخيراً.
كما أُبطلت في العقد الأخير، في سوابق دستورية جديدة على البلاد، انتخابات ثلاثة مجالس، آخرها إبطال مجلس 2022، فيما كانت أول مرة في يونيو/ حزيران 2012، بعدما كانت تسيطر أغلبية معارضة على تركيبة البرلمان المُنتخب في فبراير/ شباط من نفس العام، بعد حصولها على رقم قياسي لم يكن مسبوقاً من قبل بنحو 40 عضواً، وجاء الإبطال الثاني في فبراير/ شباط 2013، في ظل مقاطعة المعارضة للانتخابات احتجاجاً على نظام الصوت الواحد، الذي طُبّق لأول مرة في مجلس ديسمبر/ كانون الأول 2012، وسجّلت بسبب المقاطعة أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات النيابية الكويتية.
كذلك انعكست حالة الأزمات السياسية في الكويت على تشكيل الحكومات، فمن بين 45 حكومة شُكّلت خلال 62 عاماً منذ أول حكومة في عام 1962، شُكّلت 14 حكومة فقط خلال الفترة من 1962 إلى غزو الكويت، بينما شُكّلت 31 حكومة منذ تحرير البلاد إلى اليوم، منها 17 حكومة منذ عام 2012 فقط، ومن المقرر أن يُشكل الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح الحكومة الـ46 في تاريخ البلاد، بعد أن عيّن رئيساً للوزراء في 15 إبريل/ نيسان الماضي، وكلف بترشيح أعضاء الحكومة الجديدة.
أيضاً، في مقابل تعاقب أربعة رؤساء وزراء فقط على تشكيل الحكومات منذ 1963 وحتى 2006، تولّى ستة من أبناء الأسرة الحاكمة رئاسة مجلس الوزراء بعد ذلك، الأول الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح (من 2006 إلى 2011)، الذي شكّل خلال هذة الفترة سبع حكومات، والثاني الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح (من 2011 إلى 2019)، وشكّل سبع حكومات أيضاً، بينما شكّل الثالث، الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح (من 2019 إلى 2022)، أربع حكومات، والرابع، الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح (من أغسطس/ آب 2022 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2023)، شكّل أربع حكومات أيضاً. فيما كان الخامس، الشيخ محمد صباح السالم الصباح (من يناير/ كانون الثاني إلى إبريل/ نيسان 2024)، وهو الأقل في المنصب، وكذلك بحكومة واحدة هي الأقصر في تاريخ الحكومات الكويتية، وأخيراً الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح في حكومته الأولى المُنتظرة بعد تكليفه أخيراً.