الخيارات الدفاعية المستقبلية لدول مجلس التعاون في خضم التوترات الإقليمية

تعلم دول مجلس التعاون جيدا أن لا بديل عن القدرات الدفاعية الذاتية المحلية والموثوقة، وعلى الأخص في منطقة خطيرة وسريعة التغير مثل الشرق الأوسط.

ميدل ايست نيوز: لا ريب في أن الأعمال العدائية الأخيرة بين إيران وإسرائيل تسببت في قلق كبير بالمنطقة العربية، وأن احتمال نشوب صراع بين هذين الخصمين منذ فترة طويلة، مع احتمال تصاعده إلى حرب إقليمية، يمكن أن يعطل جميع جهود التنمية الاقتصادية في الخليج. وفي الواقع، فإن الحفاظ على الاستقرار أمر ضروري لدول الخليج العربية في المستقبل.

إن الاعتماد على الأمل والتوقعات لاتخاذ قرارات عقلانية في إيران وإسرائيل ليس كافيا ليشكل استراتيجية يعتمد عليها. وقد تجنبت المنطقة بالكاد التصعيد إلى حرب واسعة النطاق في أعقاب الهجوم الإيراني المكثف على إسرائيل في 13 أبريل/نيسان، والذي ردت عليه إسرائيل بضربة مضادة محسوبة. ومع ذلك، فإن القضايا الأساسية التي تؤجج هذه الأعمال العدائية لا تزال دون حل (ومن غير الواضح ما إذا كانت ستعالج على الإطلاق، نظرا للعداوات العميقة والقديمة بين إيران وإسرائيل)، ولذلك فلن يمضي وقت طويل قبل أن ينخرط الطرفان المتحاربان في الصراع. ومن يدري حينها فقد لا يصمد وقف التصعيد إذّاك مرة أخرى.

في ظل هذه الديناميكية القابلة للاشتعال، والتي تضع المنطقة على حافة الهاوية، ما هي الخيارات الاستراتيجية المتاحة لدول الخليج العربية للردع والدفاع ضد التهديدات العسكرية؟

وبينما أناقش في كثير من الأحيان دول الخليج العربية بشكل جماعي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، فمن المهم التمييز بين الدول الأعضاء على أساس مساهماتها الفردية في الأمن الإقليمي. ومن الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر برزت باعتبارها من اللاعبين الأكثر طموحا في هذا المجال. وعلى مدى العقد الماضي، قامت هذه الدول بزيادة ميزانياتها الدفاعية بشكل كبير واكتسبت قدرات عسكرية أكثر تطورا، في حين أن استثمارات الكويت الأخيرة في الدفاع ملحوظة وتستحق الاهتمام، كما سأذكر لاحقا، ويظل صحيحا أن الكويت، إلى جانب البحرين وسلطنة عمان، لم تظهر بعد استعدادا لتبني دور أمني أكثر حزما في المنطقة، وخاصة الدور الذي يعمل بشكل مستقل عن المظلة الأمنية الأميركية.

ركائز ثلاث

حسب فهمي للأمور، فإن التفكير الأمني في الرياض وأبوظبي والدوحة يرى أن الدفاع الوطني من الآن فصاعدا، سوف يستند إلى ثلاث ركائز:

أولا، تطوير القدرات الدفاعية الذاتية، التي تشكل في حد ذاتها جزءا رئيسا من استراتيجية تحول دفاعي أوسع. ثانيا، التفاهم مع إيران، إلى أقصى حد ممكن.

ثالثا، تحسين العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة و/أو القوى الخارجية الأخرى.

تبدو هذه الخيارات متكاملة، ولكنها مليئة أيضا بالتحديات، بل حتى بالتناقضات. فلنقيّم كل واحدة منهما على حدة.

شرعت المملكة العربية السعودية بين عامي 2016 و2017، في عملية تحول دفاعي لم تشهد لها المنطقة مثيلا من قبل، في عملية تطوير كاملة لتعزيز قوتها في الدفاع عن نفسها، دعما لتطلعاتها القيادية الإقليمية، وتعزيزا لنفوذها الدولي المتوسع. كما أن الحرب ضد الحوثيين في اليمن عززت رغبة الرياض في تطوير قطاع الدفاع في المملكة.

وقد نتج عن هذه العملية خير كثير، بما في ذلك تطوير الموارد البشرية ومأسسة العمليات الدفاعية المختلفة وترسيخ العادات والإجراءات الصحية التي عززت الاحترافية. وكما هو الحال دوما مع السعوديين، فإنهم فكروا بشكل كبير وتحركوا بسرعة، وضخوا الكثير من الموارد في هذه العملية وشكلوا الكثير من الشراكات الدولية لتسريع كل شيء.

تباطؤ الزخم

ومع أخذ الاعتبارات المتعلقة بالميزانية، بما ذلك مشاريع الرؤية السعودية 2030، بلغت استراتيجية التحول الدفاعي في المملكة الآن مراحل التنفيذ والتحسين والتدعيم. وانتهى تقريبا ذلك الجزء المتعلق بالتفكير أو بوضع الاستراتيجيات.

وأصبحت الهياكل قائمة في معظمها. وباتت المسألة الآن مسألة تنفيذ، وكما هو متوقع منذ البداية، سيستغرق هذا بعض الوقت. وتحول ميزانية الدفاع الكبيرة للمملكة إلى قوة قتالية، وهو الاختبار الحقيقي والوحيد لعملية التحول هذه، ربما يستغرق وقته، ويرجع سبب ذلك إلى حد كبير إلى أن السعوديين بدأوا، وأن دولتهم دولة كبيرة ذات أساس دفاعي لكن لديها الكثير من البنى التحتية الحيوية والمراكز الحضرية التي ينبغي الدفاع عنها.

وبالتوازي مع التحول الدفاعي، باتت أولوية الرياض تحقيق استقرار العلاقة مع إيران. لذلك اتخذت المملكة العربية السعودية وإيران في مارس/آذار 2023 قرارا بتطبيع العلاقات. وصمد الاتفاق إلى حد كبير، ولم يطلق الحوثيون بعده طائرة مسيرة واحدة أو صاروخا واحدا على المملكة.

بيد أن السؤال، كيف سيؤثر اتفاق الدفاع الأميركي-السعودي على التطبيع السعودي-الإيراني؟ يبدو أن المملكة مستعدة لقبول التداعيات.

لا يمكننا إلقاء اللوم على السعوديين لأنهم يريدون ضمانات أمنية من الولايات المتحدة. فهم ببساطة لا يثقون بالإيرانيين. كما أنهم لا يثقون بالأميركيين أيضا، ولهذا السبب فإن الرياض مستعدة للتحالف الكامل مع واشنطن، فقط إذا وافقت واشنطن على اتفاق دفاع رسمي مع الرياض.

بكلام آخر، يريد السعوديون رؤية شيء مكتوب يضفي الرسمية على الترتيبات الدفاعية ويضمن أن تتدخل أميركا عسكريا في حال أقدمت إيران على هجوم آخر على المملكة. أما التوصل إلى تفاهم دون موافقة الكونغرس فلن يفي بالغرض.

المخاطر المرتبطة بالاتفاق

هنا تكمن المسألة (المحتملة). فإذا عقدت الولايات المتحدة والسعودية اتفاقا دفاعيا بينهما (وهذا ليس بالهيّن لأن الأمر برمته يعتمد على موافقة إسرائيل على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة)، فقد تقرر إيران قطع علاقاتها مع المملكة العربية السعودية.

ويعود سبب ذلك إلى حد كبير إلى أن اتفاق الدفاع الأميركي-السعودي سيوفر للولايات المتحدة إمكانية وصول أكبر إلى المعلومات/الاستخبارات وإلى الموارد وإلى استخدام الأراضي التي تمكنها من تحقيق مهمتها في ردع إيران على نحو شامل.

ويشير كل هذا إلى أنه مهما كانت قوة اتفاق الدفاع الأميركي-السعودي، فسيظل غير كاف ليعالج جميع التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي السعودي.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد خطت خطوات كبيرة في مسألة قدرات الدفاع الذاتية والتحول الدفاعي، ولكن لا يوجد في الوقت الحاضر عرض صريح أو محادثات جادة حول اتفاق دفاع مع الولايات المتحدة (على الرغم من أن أبوظبي قد طلبته مبكرا).

لذلك قد يكون على الإمارات في الوقت الحالي أن تركز بدلا من ذلك على الارتقاء التدريجي والموثوق بجميع عناصر التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، وأن تحافظ على خياراتها مع الصين وروسيا وأوروبا، وأن تحافظ على اتفاق التطبيع مع إيران كما هو. كما يعد تعزيز العلاقات الأمنية مع إسرائيل خيارا أيضا، لكنه خيار ينبغي على أبوظبي أن تتوخى الحذر الشديد بشأنه كي لا يستفز إيران.

ومن جهة أخرى، لم تنخرط قطر بعد في استراتيجية التحول الدفاعي (كانت هناك خطة للبدء بها فجاءت الحرب في غزة لتعيد ترتيب الأولويات في الدوحة)، لذا فهي متأخرة عن جيرانها السعوديين والإماراتيين في هذه العملية. لكن قطر تمكنت من الحفاظ على علاقات أمنية رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة دون إثارة غضب إيران.

والمقر المتقدم للقيادة المركزية الأميركية في منطقة “العديد” هو اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى للوضعية الدفاعية الأميركية في المنطقة (نسق الجيش الأميركي رده على الهجوم الإيراني في 13 أبريل/نيسان من قاعدة العديد) وقطر على علم بذلك.

أما هل ستكون قطر قادرة على تأمين اتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة في وقت قريب، فهذا أمر غير واضح، مع أنها تتمتع بوضع الحليف الرئيس من خارج “حلف شمال الأطلسي” (الناتو). لكن استضافة الدوحة للقيادة المركزية الأميركية وتزويدها بإمكانية الوصول غير المشروط تقريبا، تمنح هذه الدولة الخليجية الصغيرة نفوذا كبيرا يكاد يوازي اتفاقا دفاعيا.

تعلم هذه الدول جيدا أن لا بديل عن القدرات الدفاعية الذاتية المحلية والموثوقة، وعلى الأخص في منطقة خطيرة وسريعة التغير مثل الشرق الأوسط. لكن الرياض وأبوظبي والدوحة لم تبلغ مرحلة كهذه حتى الآن.

ونظرا لحجم دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، فلن تتمكنا أبدا من الاعتماد فقط على قدراتهما الخاصة. وهي معضلة تشاركهما فيها جميع القوى الصغيرة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك تلك الدول الصغيرة في حلف “الناتو”.

لذا، وفي الوقت الذي تبنيان فيه مقدراتهما الذاتية، ستبذلان مع المملكة العربية السعودية، كل ما في وسعهما لمنع الحرب ولتحقيق الاستقرار في بيئتهم الأمنية، حتى لو كان ذلك يعني التطبيع مع إيران، هذه الدولة المتنمرة، والسعي إلى التحالف مع الولايات المتحدة، هذه الدولة الأقل من أن يوثق بها والاعتماد عليها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
المجلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى