بعد رئيسي وعبد اللهيان.. هل أصاب حطام المروحية أسوار الدولة الصلبة بإيران؟

بعد الإعلان عن رسميا في إيران عن استشهاد الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، تبرز تساؤلات حول تأثير غياب الرجلين المفاجئ على الشأن الداخلي الإيراني والوضع السياسي والأمني في إيران.

ميدل ايست نيوز: بعد الإعلان عن رسميا في إيران عن استشهاد الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، تبرز تساؤلات حول تأثير غياب الرجلين المفاجئ على الشأن الداخلي الإيراني والوضع السياسي والأمني في إيران.

وأعلنت الحكومة الإيرانية مصرع الرئيس ووزير الخارجية والوفد المرافق لهما في تحطم المروحية التي كانت تقلهم في منطقة جبلية وعرة في محافظة أذربيجان الشرقية.

وفي أول تعليق له على الحادث أكد المرشد الأعلى الإيراني أية الله علي خامنئي أن “شؤون الدولة لن تتأثر”، ودعا الإيرانيين إلى عدم القلق.

وفي ظل حالة الصدمة التي يعيشها الشعب الإيراني والنظام السياسي، يمكن القول إن البلاد رغم كثير من الأزمات التي مرت بها خلال عقود من الحصار الدولي، فإنها لم تختبر في مثل هذه الضربة القوية.

فراغ سابق

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها إيران فراغا رئاسيا، فقد واجهت البلاد ذلك في مناسبتين: الأولى في يونيو/ حزيران 1981، عندما قرّر مجلس الشورى تنحية أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للبلاد بعد الثورة الإسلامية، لعدم أهليته السياسية.

والثانية تمثلت في اغتيال الرئيس محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر في 30 أغسطس/ آب 1981، إلا أن السياقات تختلف كثيرا هذه المرة.

وتعلق الباحثة الأولى في مركز دراسات الجزيرة الدكتورة فاطمة الصمادي بقولها إن إيران اختبرت حوادث مشابهة، وكانت قادرة على التعامل معها، وهي قادرة على التعامل مع هذا الحدث، لكن لا يمكن أن نسقط أهمية غياب الرئيس ووزير الخارجية من المشهد السياسي في إيران وفي الإقليم في مثل هذه الظروف المعقدة.

وتتحدث الصمادي في تصريحات للجزيرة عن انسجام كامل بين مؤسسات الحكم في إيران، بدءا من المرشد الأعلى مرورا بالحكومة والبرلمان وقيادة الحرس الثوري، التي كانت على حالة وئام كبير مع شخص الرئيس ووزير خارجيته.

مسار مميز

وخط الرجلان مسارا مميزا على الصعيد الداخلي والخارجي، وكان لهذا المسار ملامح مختلفة عن الفترة التي سبقت، فقد باتت السلطات الثلاث في إيران التنفيذية والتشريعية والقضائية، بيد التيار المحافظ منذ فوز رئيسي في الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران 2021.

وتجلى المسار الذي خطه الرجلان للبلاد في عدة محاور سياسية واقتصادية، كان أهمها مواجهة تأثير العقوبات والحصار الدولي المفروض على إيران، حيث وسعت حكومة رئيسي علاقاتها داخل المنطقة وخارجها، عبر ما سمته “النظر شرقا” و”الجيران أولا”.

ونجم عن تلك السياسة إعادة العلاقات مع دول الجوار وفي مقدمتها السعودية في إطار اتفاق برعاية الصين، وكان ذلك في مارس/آذار 2023 بعد قطيعة استمرت 7 سنوات.

كما قامت طهران بتحسين العلاقات مع دول عربية أخرى كمصر والكويت والإمارات، إلى جانب جمهوريات آسيا الوسطى وباكستان وإندونيسيا وغيرها، مما جعلها تبدو أقل عزلة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

وجاءت حادثة وفاة الرئيس ووزير خارجيته في الوقت الذي تدير فيه الحكومة مسارات شائكة، تتعلق بالمفاوضات مع الولايات المتحدة والدول الغربية بشأن الملف النووي والبرنامج الصاروخي، إضافة إلى مسألة خفض التصعيد بالمنطقة، خصوصا في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.

ونذكر بهذا الصدد، بتقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” وصفت فيه وزير الخارجية عبد الليهان بأنه “قاسم سليماني آخر في مجال الدبلوماسية الإيرانية”، في إشارة إلى الديناميكية والمرونة التي يتمتع بها في إدارته للعلاقات السياسية، وهو ما يصعب مهمة خليفته علي باقري.

وفي مثل هذه الطروف، يجيب الدكتور محمد مرندي المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة طهران عما سيختل بغياب رئيسي وعبد اللهيان، بالقول إن البلاد ستشعر بغيابهما، لكن ذلك لن يؤثر على صلابة الدستور في امتصاص مثل هذه الأحداث، بل عن حادثة الوفاة التي وحدت الإيرانيين بشكل أكبر.

وأضاف أن الرجلين باشرا ملفات حساسة وقطعا فيها أشواطا طويلة، سواء في الداخل أو في الخارج، لكن القرارات لا تتخذ فرديا في إيران وإنما هناك قرارات مؤسساتية سيتم متابعتها بشكل سلس ومرن من قبل المسؤولين في الدولة.

الاقتصاد والعقوبات

وعلى الصعيد الاقتصادي، وضع رئيسي منذ تولية رئاسة الجمهورية نصب عينيه معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ترجع بشكل أساسي إلى العقوبات المفروضة على بلاده.

وتنفيذا للوعود التي أطلقها إبان حملته الانتخابية، بذل رئيسي منذ توليه مقاليد الحكم جهودا في محاربة الفساد وجعلها قضيته الأساسية، بل قدم نفسه على أنه “عدو الفساد والأرستقراطية وعدم الكفاءة”.

وعزز العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة، عبر تأسيس نظام اقتصادي يحمي النمو الاقتصادي للبلاد من الخيارات السياسية الأميركية، كما رفع من حجم التبادل التجاري مع روسيا والصين.

وتوجت سياسته بالتوجه شرقا بتوقيع اتفاقيات إستراتيجية بعيدة المدى بين طهران وكل من بكين وموسكو، كما مهدت للانضمام إلى التكتلات والاتحادات الاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي.

وبالفعل حصلت إيران على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون، تلك الكتلة التي تقودها الصين وروسيا، كما دعيت للانضمام إلى مجموعة الاقتصادات الناشئة “بريكس” التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

يعتقد الباحث في الاقتصاد السياسي مهدي خورسند، في تصريحات سابقة للجزيرة نت، أن طهران ترى في العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي بوابة لكسر الأحادية الغربية وموازنة علاقتها مع الدول الغربية التي تأثرت بفعل ملفها النووي.

ولعل الحافز الرئيسي لانضمام إيران إلى شنغهاي للتعاون، هو وجود ثالوث القوى الشرقية (روسيا والصين والهند) في المنظمة وما تتمتع به هذه الدول من مكانة رفيعة على شتی الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، مما يسهم في التخفيف من آثار العقوبات المفروضة عليها.

الحرب على غزة

لا يمكن تجاوز المواقف الدبلوماسية الإيرانية التي اكتسبت زخما إعلاميا خلال الفترة الماضية، نتيجة حراكها المتسارع وجهودها السياسية الكثيفة في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ومع بدء العدوان على غزة، قام وزير الخارجية الإيراني بجولة إقليمية شملت كلا من بغداد وبيروت ودمشق والدوحة، وتحدث لأول مرة عن احتمالات لما وصفه بالتحرك الوقائي من قبل “محور المقاومة لوضع حد لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة”.

وبالفعل تحرك المحور من جميع أماكن وجوده في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفق قواعد اشتباك مدروسة شكلت دعما للمقاومة الفلسطينية، لكنها على أهميتها لم تصل إلى الدرجة التي تردع فيها إسرائيل أو تكبح عدوانها على القطاع.

وفي أبريل/نيسان الماضي، سجل لإيران ولأول مرة شن هجوم غير مسبوق بالمسيّرات والصواريخ على إسرائيل بأكثر من 300 طائرة مسيّرة وصاروخ، وجاءت الضربة الإيرانية ردا على قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل 7 عناصر في الحرس الثوري بينهم ضابطان رفيعان.

صدمة كبيرة

وفي الختام، يؤكد مراقبون أن إيران في الدرجة الأولى دولة مؤسسات، ولن يؤثر فيها هذا الحدث إلا من ناحية تتعلق بالإجراءات الدستورية والترتيبات السياسية والإدارية، لكنهم في الوقت نفسه يشددون على أن هذه الضربة مثلت صدمة كبيرة في البلاد.

وترسم مؤسسات الحكم في إيران السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، ولا تجعل من رئيس الحكومة صاحب السلطة المطلقة، مثل مؤسسة المرشد ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء والبرلمان.

ويصف الباحث المتخصص في الدراسات الإيرانية الأميركية علي أكبر داريني غياب الرئيس ووزير الخارجية في مثل هذه الظروف الإقليمية المعقدة بأنه ضربة قوية للمؤسسة السياسية.

وأكد داريني في مقابلة مع الجزيرة أن المرونة الدستورية ووجود شبكة أمان مؤسساتية تمنح البلاد قدرة على استيعاب الصدمة والتعامل معها، لكن هذا لا ينفي بطبيعة الحال شدة وقع الضربة التي تعرضت لها المؤسسة السياسية في إيران في ظل غياب شخصيتين مهمتين تتبوآن أعلى درجات السلم السياسي في البلاد.

وأشار إلى أن الرئيس رئيسي كان مقربا جدا من المرشد الأعلى، وشخصية مهمة للنظام السياسي الإيراني ذات بعد تاريخي في البلاد.

ويؤكد تقرير نشره مركز “أسبار للدراسات” ما ذهب إليه المحلل بقوله إن أهمية رئيسي لا تكمن في الأساس بكونه رئيسا للبلاد، وإنما تتمثل في ثقله الشخصي داخل مؤسسات النظام المعقدة، مما جعله أبرز المرشحين لخلافة المرشد، “أي أن غيابه قد يكون له تأثير هامشي على سياسة البلاد الراهنة، لكنه قد يؤثر على مستقبل خلافة المرشد”.

ويقول المركز إن منصب الرئاسة رغم أهميته في السياسة الإيرانية، فإنه ليس المنصب الذي يوحد النظام، ويضبط توازنات القوى بين أجنحته المتعددة، إذ يقوم بهذا الدور حصرا المرشد الأعلى.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى