كيف عزّز رئيسي الحضور الإيراني في أفريقيا؟

شكلت ولاية الرئيس إبراهيم رئيسي فصلاً جديداً من التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك مع القارة الأفريقية، إذ قام بزيارتها بعد 11 عاماً.

ميدل ايست نيوز: منذ وصول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة عام 2021، حرص على إعادة تعزيز العلاقات بين إيران ودول الجوار وتطويرها، رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، متوجهاً بذلك نحو سياسية الاقتصادات الناشئة في جغرافيا واسعة تمتد من شرق آسيا، مروراً بأفريقيا، وصولاً إلى أميركا اللاتينية، فكيف أعاد العلاقات إلى طريقها الصحيح مع القارة الأفريقية؟

تاريخ العلاقات الإيرانية-الأفريقية

العلاقات المتجذرة بين إيران والقارة الأفريقية مرت بمراحل تاريخية عدة تعود إلى فترة حكم الشاه محمد رضا شاه، لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اكتسبت السياسة التي كانت متبعة بعداً مختلفاً، والدليل على ذلك ما قاله المناضل الراحل نيلسون مانديلا أثناء لقائه قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي: “نحن مدينون للثورة الإسلامية.. وقائدها الحالي ترك آثاره الواضحة في العالم”.

عام 1984، سافر قائد الثورة في إيران إلى ليبيا، وكانت الرحلة إيذاناً بجهود إيران للتواصل مع ما يسمى “جبهة المقاومة في أفريقيا”. وعام 1986، قام بجولة أفريقية شملت الموزمبيق وأنغولا وزيمبابوي وتنزانيا، موقعاً آنذاك العديد من الاتفاقيات مع الدول التي زارها في مجالات مختلفة.

في تسعينيات القرن الماضي، قدمت منظمة “جهاد البناء” عدداً أكبر من المشاريع في أفريقيا بهدف ضمان تحقيق عائد إلى الاستثمارات الإيرانية. وبحلول منتصف التسعينات، أتاحت أفريقيا لإيران فرصاً اقتصادية متواضعة لكنها مهمة.

وقد شجع ذلك رؤوساء البلاد (علي أكبر هاشمي رفسنجاني) على السفر إلى القارة في أكثر من مناسبة عامي 1991 و1996، وذلك لتعزيز الشراكات مع إيران.

أما في عهد الرئيس أحمدي نجاد، فقد اكتسبت هذه العلاقات زخماً جديداً من خلال استراتيجية الجنوب-الجنوب التي هدفت إلى تقوية العلاقات مع أفريقيا وأميركا الجنوبية، لكن في عهد الرئيس حسن روحاني تبنت إيران سياسة أفريقية أكثر هدوءاً واستقراراً.

عهد رئيسي

عبق هذا الانفتاح كان في رئاسة الرئيس إبراهيم رئيسي الذي انتخب عام 2021، ومع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمدة 5 سنوات في فترة رئاسة حسن روحاني.

مع رئيسي عادت هذه العلاقات إلى مكانتها مع عودة العلاقات بين إيران والسودان بعد قطيعة استمرت 7 سنوات إثر اقتحام سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، إذ أعلنت الخارجية السودانية في تشرين الثاني/أكتوبر الماضي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين برعاية صينية.

والتقى وزير الخارجية السوداني علي الصادق في أوغندا النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر على هامش مشاركتهما في قمة دول عدم الانحياز التي استضافتها العاصمة الأوغندية كمبالا في كانون الأول/يناير من هذا العام، وأفاد بيان سوداني بأنّ المسؤوليْن ناقشا استعادة العلاقات الثنائية بين البلدين وتسريع خطوات إعادة فتح السفارات بينهما.

مطلع هذا العام، تلقى النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر، الذي أصبح اليوم الرئيس الايراني بالوكالة، رسالة خطية من رئيس إريتريا لنظيره الإيراني. وأفادت حينها وسائل الإعلام الإيرانية بأن مخبر شدد على هامش اجتماع قادة حركة عدم الانحياز في أوغندا على ضرورة الحفاظ على أمن الممرات المائية الدولية التي تأتي ضمن الاستراتيجية الأساسية والثابتة للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري مع أفريقيا

شكلت ولاية الرئيس إبراهيم رئيسي فصلاً جديداً من التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك مع القارة الأفريقية، إذ قام بزيارتها بعد 11 عاماً، في إطار السياسة الخارجية الشاملة والمتوازنة التي ترتكز على التضافر والتعددية الاقتصادية.

الرئاسة الإيرانية أكّدت أن الجولة الأفريقية لرئيسي “تأتي من أجل تعزيز العلاقات بالدول الصديقة والحليفة وتنويع وجهات التصدير وخلق مجالات للتعاون سياسياً وتجارياً”.

وخلال جولة رئيسي الأفريقية، تم توقيع عدد من وثائق التعاون في مختلف المجالات بين المسؤولين الإيرانيين ومسؤولين في كينيا وأوغندا وزيمبابوي من أجل تحسين مستوى العلاقات وتعزيز التفاعلات. هذا الباب الاقتصادي الواسع في القارة السمراء دخله رئيسي باستقبال حار، ما أثار حفيظة الغرب.

وتوقعت طهران أن يصل حجم التجارة بين إيران والقارة الأفريقية إلى 3 مليارات دولار بحلول عام 2024، وهو ما سيكون 6 مرات على الأقل مقارنة بالحكومة السابقة.

ووفق الأرقام التي ذكرها مساعد وزير الصناعة والمناجم والتجارة ورئيس منظمة تنمية التجارة الإيرانية علي رضا بيمان باك، العام الماضي، في الحكومات السابقة كان حجم تجارة إيران مع القارة الأفريقية أقل من 500 مليون دولار، لكن خلال العام الماضي تمكنت الحکومة الثالثة عشرة من زيادة هذا الرقم إلى 1.2 مليار دولار.

فضلاً عن ذلك، زار رئيسي الجزائر مطلع شهر آذار/مارس على رأس وفد رفيع المستوى للمشاركة في الاجتماع السابع لقادة منتدى الدول المصدرة للغاز، وكان أول رئيس إيراني يزور الجزائر منذ 14 عاماً.

وخلال كلمة له في المنتدى، قال رئيسي إنّ “نظام الهيمنة الغربي الذي يرتكز على استعمار الدول الأخرى، بات اليوم أضعف من أيّ وقت مضى، وصار نظاماً خاوياً يحتاج من أجل البقاء إلى استمرار هذه الهيمنة”.

وكانت خلاصة هذه الزيارة في الجزائر توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم، من بينها مذكرة تفاهم بين وزارة الاتصال ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية حول التعاون في مجال الإعلام ومذكرة تفاهم حول التعاون في المجال الرياضي للفترة 2024-2025.

كما اتفق البلدان على إلغاء التأشيرات الدبلوماسية كخطوة أولى في طريق إلغاء التأشيرات الخدمية العادية، في سياق تعزيز العلاقات بين الجزائر وطهران.

العلاقات الثقافية

فضلاً عن ذلك، ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في مقال نشر مطلع هذا العام، أنّ تراجع نفوذ الدول الغربية في دول الساحل جعل طهران تعمل على تعزيز علاقاتها مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ من بين مظاهر الوجود الدبلوماسي الإيراني في المنطقة إعلان المجلس الوطني الانتقالي في مالي افتتاح “مركزين تعليميين” خلال العام المقبل، هما الكلية الإيرانية ومركز تقني ومهني للابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات.

أما في بوركينافاسو، فقد قرر النظام العسكري للكابتن إبراهيم تراوري، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب أيلول/سبتمبر 2022، إعادة فتح سفارة بوركينا فاسو في طهران بعد أكثر من 20 عاماً من الإغلاق.

كما أعطت إيران أهمية كبيرة في علاقتها مع الجزائر، التي رأت أنها الدولة الأكثر استقراراً والأقوى في شمال أفريقيا، من وجهة نظر عسكرية وأمنية، والبوابة المحتملة لتوسيع إيران لوجودها البحري في مياه البحر الأبيض المتوسط.

دبلوماسية القمم الإيرانية

تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وحكومته كانت واضحة منذ البداية، رغم التقارير الغربية التي تحدثت مراراً عن خطة طريق جديدة تعتمدها طهران في أفريقيا.

ومن منطلق تطوير العلاقات مع القارة الأفريقية كإحدى أولويات إيران، جاءت قمّة إيران – أفريقيا الثانية الشهر الماضي مع مشاركة أكثر من 40 وزيراً للاقتصاد في تلك البلدان كبداية لهذه العلاقة الجديدة.

وفي بداية أعمال القمة، قال رئيسي إنّ “الغرب لا يبحث في أفريقيا سوى عن مصالحه ونهب ثرواته في هذه القارة”، مشدداً على أن “أفريقيا لا تقل بشيء عن أوروبا، لا في طاقاتها البشرية ولا في مواردها، ونحن في إيران مستعدون لنقل كل تجاربنا إليكم”. هذه الدعوة قابلتها دعوة من ممثل الاتحاد الأفريقي باتريك لالاند لفتح صفحة اقتصادية جديدة مع إيران.

وقال رئيسي إنّ إيران “لديها الفرصة لبناء مصفاة نفط أو محطة كهرباء في أفريقيا”، مضيفاً: “يرى الغرب في أفريقيا فرصة لتأمين مصالحه الخاصة، يريد أن تكون أفريقيا بأكملها ملكه؛ أما نحن فنريد أن تكون أفريقيا للأفارقة، وهذا هو الفرق في مناهجنا”.

وتزامن هذا المنتدى في الوقت نفسه مع معرض “إيران اكسبو 2024″، الذي اعتبر بوابة دخول الصناعة والعلوم والثقافة الإيرانية إلى الأسواق العالمية. واللافت أيضاً أن من بين الزوار الرئيسيين كانت الدول الأفريقية.

المشاركة في القمة الإيرانية الأفريقية وزيارة معرض اكسبو اعتبرهما رئيسي فرصة ثمينة جداً ليتعرف المسؤولين الأفارقة إلى قدرات إيران.

العلاقة التي عززها رئيسي مع الدول الأفريقية كانت ضمن أولويات السياسة الخارجية لبلاده، داعماً للاستقلال والتنمية، ومناصراً للقارة السمراء، مستنداً في الوقت نفسه إلى جبل من الدبلوماسية رحل معه وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الميادين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى