“تشبه باليهود ويضر بالمؤمنين”.. لماذا كل هذا الجدل حول تعطيل يوم السبت في إيران؟
منذ عدة أيام أقر البرلمان الإيراني بنص يقضي باعتبار يوم السبت عطلة رسمية، إلى جانب الجمعة.
ميدل ايست نيوز: منذ عدة أيام أقر البرلمان الإيراني بنص يقضي باعتبار يوم السبت عطلة رسمية، إلى جانب الجمعة. وقد أثار هذا الاقتراح جدلاً واسعاً ومعارضة من مختلف الأطراف في المجتمع الإيراني، خاصة من رجال الدين والمحافظين.
ويأتي اقتراح تعطيل يوم السبت في إطار محاولات الحكومة الإيرانية لمواءمة الأسبوع الرسمي مع النظام العالمي، حيث أن معظم الدول تعتمد عطلة نهاية الأسبوع على يومي السبت والأحد. الحكومة هدفت من خلال هذا القرار إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الأخرى، وتقليل الفجوة الزمنية بين إيران وباقي العالم في الأنشطة الاقتصادية.
وقالت وكالات أنباء إيرانية، إن قرار البرلمان الإيراني، الذي أقره يوم الأربعاء 26 مايو الجاري، حصل على موافقة النواب بأغلبية 136 صوتا مقابل 66 صوتا رفضوا القرار وامتنع 3 عن التصويت من إجمالي 212 نائبا.
وكان ممثلو البرلمان الإيراني قد عارضوا في وقت سابق تعطيل يوم “الخميس” بأغلبية 132 صوتًا.
ويجب أن يحظى قرار البرلمان الإيراني بموافقة مجلس صيانة الدستور حتى يصبح قانونا.
وبموجب القرار البرلماني ستتغير ساعات عمل موظفي الحكومة من 44 ساعة إلى 42.5 ساعة أسبوعياً.
ردود فعل
تباينت ردود الفعل بين مؤيدين ومعارضين للقرار. جميع الخبراء والمواطنين الشباب والكثير من المنظمات ونزر يسير من النواب البرلمانيين رحبوا بالقرار كخطوة نحو تطوير البلاد وفتحها على العالم. في المقابل، عارضت المحافظون وبعض مراجع الدين ووسائل الإعلام المقربة منهم على هذا القرار، مشددين على أهمية وأولوية الحفاظ على التقاليد الدينية والثقافية.
وأثار قرار البرلمان الإيراني موجة استياء لدى رجال الدين لأنه يتعارض مع التقاليد الإسلامية، وفق قولهم، والتي تعتبر يوم الجمعة يوماً مقدساً وعطلة رسمية. فيوم الجمعة مخصص للصلاة والعبادة، ويرى رجال الدين أن إضافة يوم السبت كعطلة قد يقلل من قدسية الجمعة ويشوش على التقاليد الدينية.
ويرى العديد من المعارضين لهذا النص، الذي لم يوافق عليه من قبل مجلس صيانة الدستور إلى الآن، أن تعطيل يوم السبت يمثل محاولة لتبني نمط حياة غربي غير متوافق مع القيم الاجتماعية والثقافية الإيرانية. هذا الاعتراض يعكس خوفاً من تأثيرات العولمة على الهوية الوطنية والدينية للبلاد، حسب زعمهم.
وقال محسن بيرهادي، ممثل طهران في البرلمان وأحد المؤيدين لقرار تعطيل يوم السبت: طالبت 36 منظمة اقتصادية في البرلمان الإيراني تعطيل يوم السبت حتى لا ننعزل عن العالم. التعطيل يوم السبت هو أقل الأشياء تكلفة وأكثرها فائدة للاقتصاد.
وقال مرجع الديني في قم آية الله جوادي آملي خلال استفتاء نشره على حسابه الشخصي إن “التعطيل يوم السبت هو للتنسيق مع السوق والمعاملات الاقتصادية العالمية وله تأثير في حل بعض المشاكل الاقتصادية وكبح جماح التضخم، وليس للتشبه بالمعارضين (ويقصد الغرب) بل للتفاعل معهم. إذن، لا مانع من التعطيل يوم السبت إلى جانب الجمعة”.
غير أن المرجع الديني آية الله ناصر مكارم شيرازي لم يتفق مع آملي، بل اعتبر تعطيل السبت أحد رموز الديانة اليهودية، قائلا إن القيام بهذه الخطوة في بلاد المسلمين هو تشبه باليهود وتقليل من شأن الثقافة الإسلامية.
وتساءل جعفر سبحاني، أحد مراجع تقليد المذهب الشيعي في إيران: هل من الجائز وفي ظل هذه الأوضاع التي تمر بنا الاعتراف بعطلة العدو، السبت، في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
وفي سياق متصل، قال محمد جواد حاج علي أكبري، إمام صلاة الجمعة في طهران، إن هذا الإجراء “يضر بالمؤمنين”، مضيفاً “لدينا شكوى من البرلمان للموافقة على إغلاق أيام السبت. لم نفهم سبب المشكلة في مثل هذه الحالة”.
ويقول حسين علي حاجي دليكاني، أحد النواب المعارضين لهذا القرار، في تصريح نقلته صحيفة اعتماد، إن “أولوية البلاد اليوم هي مسألة معيشة الناس، ومسألة ساعات العمل الإداري هي من الخطوات اللاحقة”.
على الجهة الأخرى، رد عباس كودرزي على هذه الانتقادات قائلا: ستؤدي هذه الزيادة في العطل وتقليل ساعات العمل إلى زيادة تحفيز الموظفين وتعزيز أسس الأسرة.
هل اقتصاد إيران بحاجة إلى استراحة يوم السبت؟
وتعطل بعض الجهات الحكومية في إيران بشكل كامل يوم الخميس من كل أسبوع، فيما تعمل بعض الدوائر الأخرى كالبنوك وبعض شركات القطاع الخاص حتى منتصف النهار وتغلق بعد ظهر هذا اليوم، بمعنى، يوصف الخميس بأنه شبه عطلة في إيران. لكن في حدث وفرضت عطلة بشكل كامل في يوم الخميس، فمن المحتمل أن يتم تعويض هذا اليوم بالأربعاء وهذا سيخلف تأثيرات سلبية عديدة على الاقتصاد الإيراني.
وسبق أن أشير إلى هدف هذا النص الذي مرره البرلمان والذي يقضي بزيادة عطلة نهاية الأسبوع وتحسين إنتاجية العمل وتطوير عجلة السياحة، لكن لا يزال مشروع القانون هذا بحاجة إلى إصلاح من حيث العدالة الاجتماعية والجوانب الاقتصادية، خاصة من حيث تطابقه مع المناسبات الإقليمية والتفاعلات الدولية.
يتراوح عدد العطل في معظم دول العالم بين 110 و129 يومًا. لكن هذا الرقم في إيران لا يتجاوز 79 مع احتساب 27 يوما من العطل الرسمية و52 يومًا من عطلة نهاية الأسبوع (يوم الجمعة). وبحسب الدراسات فإن إيران وجيبوتي هما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان تقتصر عطلتهما الأسبوعية على أيام الجمعة.
ولذلك، إذا تمت زيادة عطلات نهاية الأسبوع إلى يومين، فإن إجمالي عدد العطل في إيران سيكون 125 يومًا، وهو ما يتوافق مع النمط العالمي لعطلات القوى العاملة وحتى دول المنطقة والخليج.
وقدم مركز الدراسات الاقتصادية التابع لغرفة التجارة والصناعة والمناجم في طهران طلبا في تقرير له مفاده أنه من الأفضل تأجيل اليوم الثاني من العطلة إلى السبت.
وتعد مسألة تنظيم عطلات نهاية الأسبوع في إيران بحيث تتوافق مع التفاعلات الإقليمية والدولية وتساهم في تعزيز وتطوير قطاع السياحة واعتبارات توفير الطاقة أمر في غاية الأهمية. ولا بد في هذا الإجراء من إيلاء اهتمام شامل لمجتمع القوى العاملة، في القطاعين الخاص والعام. فإلى جانب الالتفات إلى المسائل الدينية المتمثلة في شعيرة صلاة الجمعة، يجب عند تحديد اليوم الثاني من العطلة إلى جانب يوم الجمعة إيلاء اهتمام خاص لمنافع تعزيز التفاعلات مع العالم.
إن استبدال الخميس بالسبت سيجعل أيام العطلة في إيران متزامنة مع معظم الدول الإسلامية ودول المنطقة ومنطقة الخليج، وسيحد من تبعات عطلة الأربعة أيام على العلاقات والتفاعلات الدولية وحتى الإقليمية. ويوفر هذا التنسيق تفاعلاً اقتصاديًا ديناميكيًا مع الأسواق العالمية ويخلق فرصا للتنافس مع اللاعبين العالميين ويحسن أيضًا برامج السفر ويعزز قطاع السياحة ويطوره.
وقد يتأخر البت والموافقة على هذا القرار من قبل مجلس صيانة الدستور بسبب انشغال الحكومة في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جاءت عقب وفاة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والوفد المرافق له في تحطم مروحية أثناء عودتهم من افتتاح سد على الحدود مع أذربيجان.
لكن سيعتمد مستقبل هذا القرار إلى حد كبير على قدرة الحكومة على إقناع المعارضين بمزاياه الاقتصادية والاجتماعية، مع الحفاظ على احترام التقاليد الدينية والثقافية العريقة في إيران.