وساطة عراقية بين تركيا والحكومة السورية

الجهود للتقريب بين أنقرة ودمشق، انطلقت في يوليو/تموز 2023، وفقاً لما كشف عنه مسؤول رفيع في الخارجية العراقية مشيراً إلى أنها "مدفوعة بحاجة عراقية" لتنسيق المواقف المتعلقة بمناطق سيطرة قوات قسد.

ميدل ايست نيوز: جاء إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن وساطة عراقية بين تركيا ونظام الأسد في سورية، خلال مقابلة مع محطة تلفزيون تركية، الجمعة الماضي، بمثابة تأكيد لتسريبات متداولة بين أوساط سياسية عراقية، متعلقة بحراك حكومي تجاه مسؤولين أتراك وأركان بالنظام السوري، يأخذ شكل “تنسيق المواقف بملفات مشتركة”، أبرزها حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إلى جانب ملف النازحين السوريين، ومياه نهر الفرات، في ظل تقديم بغداد نفسها طرفاً مشتركاً بين الجانبين. وسبق لبغداد أن صنّفت “الكردستاني” منظمة محظورة في إبريل/نيسان الماضي، قبل زيارة أردوغان للعراق.

وفي مقابلة مع محطة تلفزيون تركية، أعلن السوداني عن “وساطة مصالحة”، مشراً إلى ما وصفه بـ”دور تؤديه بغداد لتأسيس أرضية مشتركة بين أنقرة ودمشق”، ومؤكداً أنه “على اتصال مع الرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن جهود المصالحة، وسنرى بعض الخطوات في هذا الصدد قريباً”.

وتطرق السوداني في معرض حديثه عما قال إنها “جهود المصالحة”، إلى وجود مناطق تهديد للعراق من داخل سورية، اعتبر أن “الحكومة السورية لا تسيطر عليها”.

وهو ما فهم منه أنها مناطق شمال شرقي سورية الخاضعة لسيطرة “قسد”، والمحاذية لمحافظة نينوى وجزء من محافظة دهوك، شمالي البلاد بطول نحو 200 كيلومتر. وتطرق السوداني إلى دور بلاده في تطبيع الأوضاع بين طهران والرياض، موضحاً أنه “نحاول التوصل إلى أساس مماثل للمصالحة والحوار بين سورية وتركيا”.

والجهود للتقريب بين أنقرة ودمشق، انطلقت في يوليو/تموز 2023، وفقاً لما كشف عنه مسؤول رفيع في الخارجية العراقية ببغداد لموقع “العربي الجديد”، مشيراً إلى أنها “مدفوعة بحاجة عراقية” لتنسيق المواقف المتعلقة بمناطق سيطرة قوات قسد المحاذية للعراق في محافظة الحسكة، وبمخيم الهول، وكذلك بما يتعلق بقاعدة بيانات المطلوبين أمنياً، وحصة العراق من نهر الفرات.

وأضاف المسؤول أن “العراق قدّم في يناير/ كانون الثاني الماضي للطرفين التركي والسوري مبادرة أوسع لتأسيس غرفة تنسيق مشتركة، مقرّها في بغداد، وذلك على مستوى أمني واستخباري، للتواصل بين الأتراك والمسؤولين السوريين بوصفه طرفاً ضامناً”. وأوضح أنه “لاحقاً تطور هذا الأمر إلى طرح السوداني وساطة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين”.

وأشار المسؤول الرفيع في الخارجية العراقية إلى أنه تمّ تشكيل فريق عراقي يقود الحراك الحالي، مؤلف من مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، بوصفه المبعوث الرسمي للعراق إلى سورية، إلى جانب مسؤولين في مكتب رئيس الوزراء العراقي، وباطلاع من وزير الخارجية فؤاد حسين المعروف بعلاقاته مع المسؤولين في السعودية، وأيضاً أركان نظام الأسد، مع بروز اسم سفير النظام السوري في بغداد صطام جدعان الدندح، لكونه حلقة وصل مهمة في جهود العراق لهذه الوساطة.

هذه المعلومات عن وساطة عراقية بين تركيا ونظام الأسد أكدها مسؤول آخر في مستشارية الأمن القومي العراقي لـ”العربي الجديد”، كاشفاً أن النظام السوري “غير متحمّس لهذه الوساطة، لكن العراق ما زال يدفع نحوها ضمن تأكيد أنها ستعود بالنفع على الجميع، خصوصاً بالملف الأمني للدول الثلاث”.

وعزا سبب عدم حماسة النظام السوري بالقول: “لأنها بلا مقابل… تفرض دمشق شروطاً قبل الدخول بأي مفاوضات مباشرة مع الأتراك، وأبرزها مسألة الوجود العسكري التركي في الأراضي السورية”.

واستدرك بالقول إن “المساعي متواصلة وبإشراف السوداني، ونأمل تحقيق الحد الأدنى بالحراك المتمثل بجعل بغداد حلقة وصل للتنسيق ونقل المواقف على الأقل بالوقت الحالي”.

ولم يعقد الاتراك والسوريون أي لقاء مباشر حتى الآن، وفقاً للمسؤول في مستشارية الأمن القومي العراق، الذي أشار إلى أن “هناك قنوات تواصل سابقة غير مباشرة بين الأتراك والسوريين، لكن بالنسبة للعراق تدفعه الحاجة لتنسيق المواقف للاستمرار بهذه الجهود”.

ومطلع الشهر الماضي، أجرى رئيس “الحشد الشعبي”، فالح الفياض، زيارة إلى دمشق وعقد اجتماعاً مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، نقل خلالها رسالة من السوداني تناولت ملفات عديدة وفقاً لبيان صدر حول الزيارة.

وحول ذلك، أوضح عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عباس الجبوري أنه “على علم ببدء وساطة عراقية بين تركيا ونظام الأسد بعد نجاح جهود الوساطة بين طهران والرياض”، مشيراً إلى أن “العراق يعمل حالياً على وساطة بين تركيا وسورية ونأمل أن تنجح”.

وأفصح الجبوري عن وجود “فريق حكومي مختص يعمل على التواصل مع الطرفين منذ فترة، بهدف عقد اجتماعات ثنائية برعاية عراقية، على أن تكون بغداد مقر هذه الاجتماعات، وهناك إمكانية لعقد أول لقاء من نوعه بين الجانبين بالمرحلة المقبلة فيها”، متحدثاً عما وصفه بـ”تجاوب” الجانبين مع جهود العراق.

وشدّد على أن “الوساطة جزء من مساعي العراق لتهدئة الأوضاع في محيطه، ونتوقع أن يكون هناك نتائج ملموسة لهذه الوساطة خلال الفترة المقبلة، على أرض الواقع”. من جهته، أكد الخبير بالعلاقات العراقية التركية، شاهو القرة داغي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن المبادرة العراقية بشأن وساطة بين تركيا والنظام السوري “تأتي تأكيداً على نجاح زيارة أردوغان للعراق في إبريل/نيسان الماضي”.

وأضاف أن “هناك مصالح مشتركة تركية سورية لتحجيم وإضعاف قوات سورية الديمقراطية وهذه من الفرص التي قد تخدم الوساطة الحالية للعراق، إلى جانب نية العراق لتحسين إدارة الموارد المائية فيما يتعلق بنهري دجلة والفرات وضرورة التنسيق المشترك مع هذه الدول لإدارة هذا الملف”.

وأشار القرة داغي إلى أنه “على الرغم من وجود العديد من الفرص لنجاح هذه المبادرات، إلا أن التقلبات السريعة في الأحداث السياسية يجعل نجاح الأمر مرهوناً بالتزام الأطراف المعنية بالحوار والتفاوض والجدية في انجاح هذا المسار، تحديداً مع وجود توترات سابقة وتأثير أطراف ودول إقليمية ودولية قد تعمل على التأثير سلباً على هذه الجهود”.

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، فراس إلياس، فلفت إلى أن “محاولة السوداني الحديث عن وساطة عراقية بين تركيا ونظام الأسد في وسيلة إعلامية تركية، هي رسالة موجهة للداخل التركي، الذي يحاول اليوم إنتاج مقاربة جديدة مع النظام السوري، ولذلك فهو يحاول تحفيز الداخل التركي على الدفع بأردوغان للمضي قدماً بموضوع تصحيح العلاقات مع النظام السوري”.

وأضاف إلياس أن “السوداني يريد تقديم نموذج سياسي عراقي فاعل على المستوى الإقليمي، ودفع القوى الإقليمية لتصفير مشاكلها في الساحة العراقية، خصوصاً أن الحدود بين العراق وتركيا وسورية، تشهد تشابكاً إقليمياً ودولياً معقداً، تحديداً على مستوى تعدد الفواعل المسلحة في هذه المنطقة”.

وتطرق إلياس إلى الوساطة العراقية بين تركيا ونظام الأسد التي يقودها السوداني، واضعاً إياها في إطار “طموحه للحصول على ولاية ثانية للحصول على دعم جوار العراق، في حال تعرض لضغوط داخلية قد تقف عائقاً أمام طموحه السياسي في المرحلة المقبلة، فهو عن طريق دور حكومته في التوافق بين إيران والسعودية، وكذلك التقارب مع تركيا، والتفاعل النشط مع السعودية ودول عربية، وسعيه أخيراً لإنتاج وساطة بين تركيا والنظام السوري، يحاول أن يحسم التنافس السياسي في العراق مبكراً، لكونه يواجه منافسة شرسة من قبل صقور البيت السياسي الشيعي، تحديداً رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي”.

وفي إبريل الماضي، أجرى أردوغان زيارة للعراق برفقة فريق وزاري كبير، حيث تم التوقيع على 22 اتفاقية ومذكرة تفاهم أمنية واقتصادية وتجارية مختلفة. كما أجرى السوداني، في يوليو 2023، أول زيارة لمسؤول عراقي رفيع إلى دمشق بعد اندلاع الثورة في سورية في عام 2011، وعقد اجتماعاً مع الأسد. كما عقد وزير داخلية النظام السوري محمد الرحمون في بغداد، الشهر الماضي، سلسلة اجتماعات مع مسؤولين أمنيين عراقيين.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى