من الصحافة الإيرانية: كيف يقرأ علماء الاجتماع النسبة المتدنية للمشاركة في الانتخابات؟

يعد تحليل ودراسة المجموعات الأقل مشاركة في الجولة الأولى من أكثر المواضيع إثارة للجدل في إيران في الأيام القليلة الماضية.

ميدل ايست نيوز: بقي أربعة أيام لشروع الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الرابعة عشرة، والتي اتسمت بنسبة إقبال شعبية مختلفة مقارنة بالانتخابات السابقة، ناهيك عن أن هذه هي المرة الثانية في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يكون فيها للانتخابات الرئاسية جولة ثانية.

وأثارت المشاركة الضئيلة للناخبين الإيرانيين مخاوف المحللين السياسيين وعلماء الاجتماع. ما جعل من الصعب التنبؤ بالمرشح الذي سيفوز بهذه المنافسة.

وحول توقعات نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، قال برويز أميني، الأستاذ الجامعي وعالم الاجتماع لصحيفة دنياي اقتصاد: من غير المرجح أن يطرأ تغيير على أصوات كلا المرشحين. لكن عمل بزشكيان يبقى أكثر صعوبة من نظيره، لأنه ليس من السهل عليه أن يحافظ على هذا المستوى من الأصوات.

يأتي هذا في وقت لم يكن من الممكن التنبؤ بحكم المشاركة في الجولة الأولى، يوضح أميني على ضوء هذا: كان أساس التنبؤ بالمشاركة يعتمد على استطلاعات معتبرة، ولا توجد طريقة أخرى يمكن الاعتماد عليها لفهم طبيعة المشاركة على المستوى الوطني. وبينما لم تتمكن حملات الدعاية وحتى المناظرات من إحداث تغيير في الأجواء الاجتماعية في الشارع الإيراني، لم يكن هناك طريقة أخرى سوى الاعتماد على بيانات الاستطلاعات. والحقيقة أن استطلاعات الرأي أظهرت نسبة مشاركة مرتفعة، الأمر الذي أربك حسابات العديد من المحللين.

وواصل: انخفاض المشاركة في الانتخابات له أسباب مختلفة. بعضها يتعلق بالبنية التحتية وبالتسييس الحاصل في المجتمع الإيراني. والأخرى بعدم تمكن المرشحين من إظهار قدرتهم على حل مشاكل الناس، خاصة الاقتصادية، ولم يصدر منهم سوى الشعارات والوعود.

ويعد تحليل ودراسة المجموعات الأقل مشاركة في الجولة الأولى من أكثر المواضيع إثارة للجدل في الأيام القليلة الماضية. ويعتقد هذا الخبیر الاجتماعی أن “النواة الأساسية للمشاركين هي الجسم الأيديولوجي والسياسي للأحزاب، إذ لم يتمكن المرشحون من الحصول على أصوات اجتماعية”.

وأضاف: الشباب كانوا من الفئات الاجتماعية الأقل مشاركة في الانتخابات الأخيرة. وكانت هذه مشكلة بطريقتين. أولاً، على عكس الأجيال السابقة، تم إخراج السياسة من أولوياتها في عملية عدم التسييس، وثانياً، افتقر المرشحون تقريباً إلى أي عنصر أو خطاب للحوار والتواصل مع الشباب.

على الضفة الأخرى، كان انخفاض الأصوات التي حصل عليها قاليباف من أكثر الأحداث المثيرة للجدل في هذه الانتخابات. ويوضح أميني: وفقا للمعطيات، فإن معظم المشاركين في الانتخابات كان لهم دعم عقائدي وسياسي، ما يعني أن العديد القليل لناخبي قاليباف كان متوقعا، لأن قدرة جليلي على الأخذ بيد الأفراد المنتمين لهذا التيار أكبر، تماما كما كانت قدرة رئيسي.

وعلى عكس المحللين السياسيين، كان لعلماء الاجتماع وجهة نظر مختلفة حول الانتخابات الرئاسية، وأولوا مستوى مشاركة الشعب اهتماما أكبر من نتائج الانتخابات والتحديات المتعلقة بالمرشحين، ووصفوا انخفاضها بأنه مقلق للغاية.

وأثار محمد رضا جواديكانه، عالم الاجتماع وعضو كلية العلوم الاجتماعية بجامعة طهران، مسألة التحول إلى “مجتمع مزدوج” أو “مجتمع متفكك”.

وقال: إذا أصبح المجتمع ثنائي القطب في معظم قيمه الأساسية، فإنه سيخرج من حالة القطبية المعتادة، وسيصبح عندها مجتمعين مختلفين. ويظهر استطلاع قيم واتجاهات الإيرانيين في عام 2023 أنه في معظم القضايا الأساسية، ينقسم المجتمع الإيراني إلى فئتين. أحد الجانبين له مواقف محددة، والجانب الآخر له مواقف محددة أخرى. أهم أمر لانقسام المجتمع الإيراني هو الشأن السياسي، والذي برز أكثر بعد عام 2022 (المظاهرات الاحتجاجية التي ركزت على قضية الحجاب).

ويرى هذا الاستاذ الجامعي أن مجتمع ثنائي القطب هذا وبعد عام 2022 اتخذ شكلاً واضحاً تقريباً، وقرر قسم من المجتمع ترك المجال السياسي عمداً ومن تلقاء نفسه. يعني أن الأمر لا علاقة له بالانتخابات. وقد شهدنا ذلك في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في طهران قبل حوالي شهرين، وشارك في هذه الانتخابات حوالي 8% فقط من سكان طهران، وبالطبع لم يكن الوضع أفضل في مدن إيران الأخرى.

وحول ما إذا كان من الممكن أن يعود هذا المجتمع المهمل إلى حضن الحكومة، يوضح جوادي يكانه: قد نقول إن الإصلاح غاضب ومستاء، لكن من السهولة إرضاءه ليعود، أما من رحل وانفصل عن طريقه فلن يعود أبدا، أو على الأقل ليس بهذه السهولة.

وواصل: هذا الوضع مثير للقلق، وتثير هذه الأوضاع مخاوفي لأنها تجردنا من إنسانيتنا. في الواقع إن طرفي المجتمع يجردان بعضهما البعض من إنسانيتهما وينظران لبعضهما البعض كأعداء، وهذا الوضع خطير.

وحذر جواد يكانه من عدم الاستماع لمطالب الشريحة التي لم تصوت وتشارك في الانتخابات الرئاسية، وإلا ستواجه البلاد أوضاعا خطيرة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى