هل تخلى أردوغان عن فكرة “سوريا دون الأسد”؟

حقق بشار الأسد انتصارا كبيرا بعودة سوريا إلى الجامعة العربية وإحياء العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية، رغم توقعات الدول العربية منه الوفاء بالتزاماته مقابل التطبيع.

ميدل ايست نيوز: حقق بشار الأسد انتصارا كبيرا بعودة سوريا إلى الجامعة العربية وإحياء العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية، رغم توقعات الدول العربية منه الوفاء بالتزاماته مقابل التطبيع.

ويبدو أن تركيا، صاحبة الثقل الإقليمي، قد تخلت عن فكرة “سوريا دون الأسد”، وتسعى الآن إلى إقامة علاقة تعاون مع دمشق. وكانت أنقرة قد بدأت- بوساطة روسية- اتصالات مع دمشق عام 2021 عبر أجهزة المخابرات، أعقبتها اجتماعات بين وزيري الدفاع والخارجية من كلا البلدين.

لكن القمة التي كانت متوقعة بين أردوغان والأسد لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق لم تعقد بسبب إصرار سوريا على انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وهو شرط مسبق اعتبرته تركيا غير مقبول.

ويبدو أن حدة هذه المواقف قد خفتت، إذ قال أردوغان يوم الجمعة للصحفيين إنه منفتح على فرص إعادة العلاقات مع سوريا ورئيسها.

وسمعنا وزير الدفاع التركي يشار غولر يصرح مؤخرا بأن تركيا قد تفكر في سحب قواتها إذا استوفت سوريا شروطا معينة، بما في ذلك تبني دستور شامل، وإجراء انتخابات حرة، وتحقيق التطبيع الشامل، وضمان بيئة آمنة.

في المقابل، أعرب الأسد عن انفتاحه على كل المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها.

كما خفف وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني، من مواقفه السابقة، وقال إن سوريا تسعى إلى الحصول على تعهدات ملموسة من تركيا تلتزم بالانسحاب قبل أي تعامل دبلوماسي، بدلا من خطوات ملموسة فورية.

ومؤخرا، سافر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى موسكو، والتقى بنظيره سيرغي لافروف، واستقبله الرئيس بوتين. وكانت سوريا أيضا على جدول أعمال المناقشات، من بين القضايا الأخرى.

إن موقف روسيا مهم بالنسبة لعملية التطبيع بين تركيا وسوريا، خاصة وأن العلاقات بين تركيا وروسيا في الآونة الأخيرة لم تكن دافئة كما كانت من قبل. وعلى الرغم من أن روسيا تتوسط بين تركيا وسوريا، فإنها تؤكد دوما على عملية التطبيع التي تخدم مصالحها.

ومن الممكن أن يجتمع الرئيسان أردوغان وبوتين في آستانه، حيث سيحضران قمة منظمة شنغهاي للتعاون، التي ستعقد في يوليو/تموز. وقد يصدران تصريحات مفاجئة فيما يتعلق بسوريا، حيث بدأت بالفعل بعض التطورات المثيرة للاهتمام تطفو على السطح.

وتقول مصادر مطلعة إن لقاء جرى في قاعدة حميميم الجوية جنوب شرقي مدينة اللاذقية مؤخرا بين مسؤولين أمنيين أتراك وسوريين، ربما على مستوى القادة الميدانيين وعناصر الأمن، بينما نفت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة السورية حدوث ذلك اللقاء.

ولا بد أن التطورات في إدلب، حيث تواصل الطائرات والمسيّرات السورية والروسية مهاجمة “هيئة تحرير الشام” وأهداف أخرى في المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون، كانت أحد بنود جدول الأعمال. وتشعر تركيا بالقلق من أن التصعيد في إدلب والمناطق المجاورة، حيث يعيش أكثر من أربعة ملايين سوري، قد يؤدي إلى تدفق جماعي آخر للاجئين إلى الأراضي التركية.

ويبدو أن الوساطة الروسية أدت أيضا إلى تطورات في المجال الاقتصادي، حيث أعيد فتح معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب، الذي يربط مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري والنظام السوري شرق حلب، أمام الممرات التجارية.

وزار المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا، لافرنتييف، دمشق مؤخرا، والتقى الرئيس الأسد، وبهذه المناسبة أدلى الأسد بتصريح علني قال فيه إن سوريا منفتحة على كل المبادرات لتحسين العلاقات مع تركيا، إذا كانت مبنية على أساس سيادة الدولة السورية على كافة أراضيها ومحاربة كافة أشكال الإرهاب.

كما ظهر العراق في الصورة كوسيط للسلام، بعد الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس أردوغان في أبريل/نيسان 2024. وربما يسعى العراق، الذي حقق مكانة مرموقة من خلال التوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران، ثم بين مصر وإيران، إلى تحقيق قصة نجاح إضافية من خلال التوسط بين تركيا وسوريا.

وبحكم الجغرافيا، ترتبط الدول الثلاث بتحديات ومصالح مشتركة مثل مكافحة أنشطة “حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب”، والحرب ضد “داعش”، والمياه العابرة للحدود، والتعاون الاقتصادي. ولكن فرص العراق في تحقيق إنجاز تبدو أقل، إذا ما قورنت بما يمكن أن تحققه روسيا، ناهيك عن العامل الإيراني، الحليف الرئيس الآخر لسوريا.

ومن المرجح أن تحمي إيران، التي فقدت بعض نفوذها أمام تركيا في سوريا قبل أزمة عام 2011، بقوة الموقع المميز الذي استعادته خلال الحرب الأهلية، وربما توقفت عن تقديم الدعم الكامل لجهود التقارب التركية السورية.

وتواجه تركيا قضيتين رئيستين مرتبطتين بسوريا: الأمن واللاجئين السوريين. ويحمّل كثير من الأتراك- بما في ذلك أنصار حزب “العدالة والتنمية” الحاكم- الرئيس أردوغان وحكومته مسؤولية السماح لملايين السوريين بدخول تركيا بموجب سياسة الباب المفتوح.

ويدرك أردوغان أن هذه السياسة كلفته الكثير من الأصوات في الانتخابات، وهو يدعي الآن أن الإجراءات التي نفذها مؤخرا أدت إلى عودة حوالي نصف مليون سوري من أصل 3.6 مليون سوري في تركيا، مع توقع المزيد من العودة بموجب خطة الحكومة “للعودة الطوعية والآمنة والكريمة”.

وفي حين أن تفاصيل هذه الخطة غير واضحة، فإن الكثير من الأتراك يشككون في إمكانية إعادة جميع اللاجئين السوريين إلى وطنهم وإن كانوا يأملون في عودة أكبر عدد ممكن منهم.

لقد غيرت تركيا نهجها، مدركة أن التعامل مع الأسد ضروري لمعالجة قضية اللاجئين، لأنه يسيطر على دمشق ويمكنه المساعدة في تحديد خارطة طريق لعودة السوريين المتبقين. ويستخدم الأسد هذه الرافعة لدفع الحكومة التركية للوفاء بشروطه.

وعلى الصعيد الأمني، تشعر تركيا بالقلق من أن وحدات حماية الشعب (YPG) وفرعها المدني، الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، تهدف إلى إنشاء منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل ما يسمونه “جمهورية سوريا الديمقراطية”.

ولطالما شدد أردوغان على تصميم تركيا على منع إنشاء “دولة إرهابية” على طول حدودها بأي ثمن. وبالفعل، اعترضت تركيا بشدة على الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، والتي تم تأجيلها مرتين، في 30 مايو/أيار و11 يونيو/حزيران، مع تحديد موعد جديد أوائل أغسطس/آب.

وفي المقابل، ظلت دمشق تلتزم الصمت إزاء هذه التطورات، ولا يستبعد أنها سعيدة برؤية أنقرة تعاني من ذلك، وإن تكن دمشق تشاطرها المخاوف بشأن أهداف “وحدات حماية الشعب” وأعمالها.

وقاطعت الأحزاب السياسية القريبة من “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني في أربيل الانتخابات، مدعية أنها لن تكون نزيهة، واتهمت “حزب الاتحاد الديمقراطي” بإكراه الناس على التصويت لمرشحيه تحت تهديد السلاح.

وفاجأت الولايات المتحدة، التي تدعم “وحدات حماية الشعب”، بإعلانها أنه من غير المناسب إجراء انتخابات لأن الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254، غير مواتية.

ولا ينبغي تفسير هذا البيان على أنه إشارة إلى تغير في سياسة الولايات المتحدة أو تخليها عن تحالفها مع “وحدات حماية الشعب”، فهو ليس سوى تعديل تكتيكي لتجنب المزيد من عزلة تركيا.

وقبل أيام قليلة فقط، ذكر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مقابلة تلفزيونية أن “هناك 2.5 عضوا نشطا (من المجتمع الدولي) لدينا مشاكل معهم فيما يتعلق بـ(وحدات حماية الشعب)، بينها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا إلى حد ما”، مشيرا إلى الوجود الأميركي في سوريا باعتباره مشكلة.

إن القضية السورية محفوفة بالتعقيدات والشكوك، وهي عرضة لتأثيرات دولية، من بينها ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. ومن المعروف عن دونالد ترمب، المرشح القوي، رغبته في الانسحاب من سوريا وغيرها من النقاط الساخنة في العالم.

لقد أصبح المجتمع الدولي يشعر بالضجر من الحرب السورية الطويلة والمكلفة، مع إعطاء الأولوية للأزمات في أوكرانيا وغزة. ومع ذلك، فإن الأزمة السورية لم تنته بعد، وهناك عوامل عديدة يمكن أن تؤدي إلى تجدد الحرب الأهلية.

وتظل الجهات الفاعلة الرئيسة مثل تركيا وإيران والولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول العربية حاسمة في تحديد مستقبل سوريا. ومع ذلك، فإن مفتاح السلام الدائم يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان الأسد على استعداد حقيقي لاتباع المسار المبيّن في قرار مجلس الأمن رقم 2254.

ويهدف الأسد إلى تعزيز سلطته، لكنه لم يغير نهجه المتصلب في كثير من الأحيان منذ بدء الانتفاضة في عام 2011… الوضع في السويداء في الجنوب، والإجراءات الرمزية ضد إنتاج وتهريب الكبتاغون، والسياسات والخطب غير المقنعة التي لا تشجع على عودة اللاجئين السوريين ليست سوى بعض الأسباب التي تجعل الكثيرين لا ينظرون إلى الأسد باعتبار أنه يريد السلام بصدق.

ولكن حتى لو لم يبث الأسد كثيرا من الأمل، فإن العلاقات الدولية لا يمكن التنبؤ بها، وقد تحدث تغييرات جذرية بين عشية وضحاها. وفي هذا السياق، تستحق العلاقات التركية-السورية على وجه الخصوص المراقبة عن كثب.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
المجلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى