الانتخابات الرئاسية الإيرانية: تخوف من استمرار العزوف في جولة الحسم
أصبحت ضرورة تحليل سر المشاركة في الانتخابات محسوسة أكثر من أي وقت مضى، لأن انتخابات الجمعة كانت بمثابة نوع من جس النبض وتلويح للوضع غير المواتي للقاعدة الاجتماعية للفصيلين الرئيسيين في البلاد.
ميدل ايست نيوز: نظرا لعدم حصول أي من المرشحين الإيرانيين الأربعة على الأصوات اللازمة، فقد تم تمديد الانتخابات الرئاسية إلى الجولة الثانية، بحيث يتم تحديد الفائز بالعرش الرئاسي الإيراني يوم الجمعة المقبل. لكن النقطة المهمة في هذه الانتخابات كانت استمرار عملية تراجع المشاركة الشعبية، حيث لم تتجاوز نسبة الناخبين الجمعة الماضية عتبة الـ 40%.
وكتبت صحيفة شرق في تقرير لها، أنه بحسب الإحصائيات الرسمية التي نشرتها وزارة الداخلية الإيرانية، بلغت نسبة المشاركة في الدورة الرابعة عشرة للانتخابات الرئاسية 39.9%، مما يدل على أن 24 مليون و535 ألف و185 شخص من أصل أكثر من 61 مليون “يحق لهم التصويت” توجهوا للإدلاء بأصواتهم داخل وخارج إيران في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة.
واستحوذت النسب الضئيلة للناخبين الإيرانيين على حديث الصحافة المحلية والأجنبية وبرزت كأهم المواضيع الساخنة بين الناشطين والشخصيات السياسية، فضلاً عن رواد مواقع التواصل.
ومن ناحية أخرى، جاءت هذه الإحصائيات والأرقام الخاصة بالمقار الانتخابية في البلاد مخالفة تماماً لتوقعات واستطلاعات مؤسسات الاقتراع الداخلية حول نسبة المشاركة. وبالنظر إلى ما قيل، يبدو أن المشكلة الأساسية لانتخابات 2024 كانت في التنبؤ الخاطئ بنتائج الانتخابات بقراءة اجتماعية تتمثل في تجاهل الـ 60% الذين لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، والذين وصفهم عالم الاجتماع محمد رضا جوادي يكانه، بأنهم “المجتمع الثاني” في إيران. وبحسب علي ربيعي، عالم اجتماع آخر، فإن “رسالة من لم يشارك واضحة وشفافة ومفهومة. وعلينا أن نسأل أنفسنا ماذا حدث لإيران والمثل الأعلى للثورة الإسلامية وحق المواطنين في تقرير مصيرهم عبر الانتخابات؟
ويلخص ربيعي هذه الأحداث، ويقول: هذه المرة، على الشعب أن يقوم باختيار مهم وتاريخي بين مسارين (استمرار هذا الاتجاه أو الحركة من أجل التغيير).
وفي الاتجاه نفسه ومن الزاوية السياسية، “حاولت شريحة الأصوليين المتشددين في الدورات الثلاث الأخيرة من الانتخابات زرع الشك في أن نسبة المشاركة في الأعوام 2019 و2021 و2023 كانت نتيجة أداء روحاني على مدى ثماني سنوات. أما الآن فقد بات واضحا أن نتيجة انتخابات الجمعة الماضية والتي كانت بهذا المستوى المتدني هي نتاج أداء حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
وبحسب محمد مهاجري فإن “مجموع أصوات جليلي وقاليباف يبلغ 12 مليونا و800 ألف. فيما بلغ عدد أصوات رئيسي عام 2021 نحو 18 مليونا. وهذا يعني أن أصوات التيار الأصولي انخفضت بأكثر من خمسة ملايين ومئتي ألف. أليست كارثة؟”
لكن إذا أردنا تحليل نسبة المشاركة بعيدا عن السياسة، رأى البعض أن تطلعات الجيل الجديد في مسألة المشاركة الانتخابية تختلف عن الأجيال السابقة. ومن هذا المنطلق، يتضح أن المشاركة الانتخابية في انتخابات العقود الماضية في إيران كانت بسبب أن شباب الجيل السابق كان بمثابة القوة الدافعة، في حين أن الجيل الجديد ليس فقط غير مهتم بالمشاركة السياسية، بل في بعض الأحيان يحرض ويشجع على عدم المشاركة، لأنه لا يجد الانتخابات ذات معنى.
هل ستبقى المشاركة على هذا النحو؟
كثرت المخاوف من احتمال تراجع المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات. لكن تجدر الإشارة إلى أن نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات النيابية عادة ما تنخفض، لكن هذا ليس هو الحال في الانتخابات الرئاسية، فأحيانا تشهد ارتفاعا مقارنة بالجولة الأولى.
مسألة عدم مشاركة 60% من الإيرانيين هي خارجة عن التحليل الحزبي السطحي، لأن معارضة 60% لعدم المشاركة في الوضع الراهن، بالإضافة إلى 20% من سلة أصوات مسعود بزشكيان كمنتقد لتردي أوضاع إيران والمشجع لتغيير الأوضاع، ما هو إلا بعد واحد فقط من تحليل المشاركة الشعبية. وفي هذا الصدد، خلص الصحفي الإيراني محمد قوجاني أيضاً إلى أنه بعد نتائج انتخابات 26 يونيو “أصبحنا أمام ثلاث أقليات: الإصلاحية والأصولية والتخريبية، ولا توجد أغلبية”.
وفي الوقت نفسه، يعتبر هذا الصحفي ادعاء “موت الحزب الإصلاحي” خطأ، لأنه على حد تعبيره، “جاء مسعود بزشكيان في المرتبة الأولى رغم نسبة المشاركة المنخفضة وزادت أصوات الإصلاحيين البالغة 10 ملايين صوت أربع مرات مقارنة بأصوات عبد الناصر همتي في الدورة السابقة، في حين انخفضت أصوات الأصوليين (جليلي وقاليباف) بمقدار خمسة ملايين صوت مقارنة بالأصوات التي حصل عليها رئيسي.
لكن الآن أصبحت ضرورة تحليل سر المشاركة في الانتخابات محسوسة أكثر من أي وقت مضى، لأن انتخابات الجمعة كانت بمثابة نوع من جس النبض وتلويح للوضع غير المواتي للقاعدة الاجتماعية للفصيلين الرئيسيين في البلاد. إذن، لم يتمكن الفصيلان الإصلاحي والأصولي من حصد ثقة أكثر من 15% من الرأي العام رغم حضورهما الكامل، وهذا يعني أنه في ظل غياب الحل للتحدي المتمثل في انعدام ثقة غالبية المجتمع، سيؤدي بالتأكيد إلى مشاكل سياسية واجتماعية كبيرة في الفترة التي تسبق الانتخابات.
لذلك، وبعد ما سلف، وبغض النظر عن وجهة النظر الحزبية، لا بد من التطرق إلى مسألة ما إذا كان عدم المشاركة الشعبية في الانتخابات أمراً مؤسسياً ولا رجعة فيه، أو ما إذا كان من الممكن أن نشهد ارتفاعاً في مستوى المشاركة الشعبية في الجولة الثانية للانتخابات ولو بشكل بسيط؟
إقرأ أكثر
الانتخابات الرئاسية الإيرانية: ماذا يريد الناخب الإيراني من رئيسه المقبل؟