انطلاق المنازلة الحاسمة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية
تشهد إيران اليوم الجمعة جولة الإعادة لاختيار رئيسها التاسع من بين المرشحين، الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي، وسط احتدام المنافسة بينهما.
ميدل ايست نيوز: بعد مرور أسبوع على الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة غير محسومة النتائج، تشهد إيران اليوم الجمعة جولة الإعادة لاختيار رئيسها التاسع من بين المرشحين، الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي، وسط احتدام المنافسة بينهما، وهو بالأساس سباق بين المعسكرين الإصلاحي الساعي إلى العودة إلى السلطة والمحافظ الراغب بالتمسك بها وقطع الطريق على غريمه السياسي.
وعليه، فإنه لفوز كل منهما في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية دلالات وانعكاسات داخلياً وخارجياً بالنظر إلى اختلاف مدرستيهما السياسية ونظرتهما المختلفة تجاه مختلف القضايا على الصعيدين الداخلي والخارجي، وخصوصاً العلاقات مع الخارج.
الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية
تأتي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعدما أخفق المرشحون الأربعة (بزشكيان وجليلي إلى جانب رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورجل الدين مصطفى بور محمدي) في الجولة الأولى بالحصول على النصف زائدا واحدا من أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات، لتعاد الانتخابات بمشاركة المرشحين الحاصلين على أعلى نسبة أصوات توالياً. وقد حصل بزشكيان على نحو 10 ملايين و415 ألف صوت، يليه في الموقع الثاني جليلي بـ9 ملايين و473 ألف صوت.
وبعد أربعة أيام من حملات إعلامية مكثفة بين المرشحين الاثنين، دخلت البلاد فترة الصمت الانتخابي منذ الساعة الثامنة صباح أمس الخميس، أي قبل 24 ساعة من بدء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية اليوم، والتي يحق لـ61 مليوناً ونحو 500 ألف ناخب التصويت فيها، وتشكل النساء قرابة نصف الناخبين. ويستقبل 58 ألفاً و640 مركز اقتراع في أنحاء إيران الناخبين، فضلاً عن 344 مركز اقتراع خارج البلاد.
الحملات الانتخابية
ونظم التلفزيون الإيراني خلال الأيام الأربعة للدعاية الانتخابية، مناظرتين رئاسيتين بين المرشحين الاثنين، كانتا أكثر سخونة من سابقاتهما في الجولة الأولى، خصوصاً المناظرة الثانية منها، والتي كانت مشحونة، إذ تناول فيها المرشحان مختلف الملفات الداخلية والخارجية وفي مقدمتها الاقتصاد، والحجاب وحظر شبكات التواصل الاجتماعي ورفع العقوبات والاتفاق النووي والتفاوض مع أميركا بلغة أكثر حدة من منطلقات متباينة. وبينما شدّد جليلي على استمرار سياسات حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، موجهاً سهام انتقاداته إلى حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني (2017-2021)، تبنى بزشكيان خطاباً أكثر انفتاحاً متوجهاً للشرائح المقاطعة والمترددة بدغدغة مشاعرها وطرح مواضيع تهمها. كما تباينت وجهات نظرهما في السياسة الخارجية بين إصرار بزشكيان على التفاوض والاتفاق مع أميركا لرفع العقوبات، مقابل تجنب جليلي الإشارة إلى الاتفاق وتشديده على ضرورة إفشال هذه العقوبات لسحب الورقة من الجيب الأميركي.
وفي خطوة غير مألوفة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وعد بزشكيان، الأربعاء الماضي، ناخبيه في مقطع مصور بأنه في حال أصبح رئيساً وأخفق في تنفيذ وعوده بسبب العقبات سيتنحى. يقول الخبير الإيراني عليرضا مجيدي، إن “حملة جليلي كانت الأقوى، بينما كانت حملة بزشكيان ضعيفة”، مشيراً إلى أن المرشح المحافظ “يمثل شريحة صغيرة في المجتمع الإيراني ويدور في حلقة مغلقة وهو غير مرن”.
ويضيف أن ذلك “يدفع الشارع والنخبة نحو منافسه الذي يمتلك مواصفات الانفتاح، وما يمكن أن يخدمه في كسب دعم جزء من النخب الإيرانية”. ويلفت مجيدي إلى أن الأجواء الانتخابية باتت في طهران والمدن الأخرى أكثر جدية وسخونة من قبل، عازياً السبب إلى “وجود مخاوف من فوز جليلي”، داعياً إلى “التريث بشأن ما إذا كانت لهذه الزيادة في السخونة بالمقارنة مع الجولة الأولى صدى وانعكاس داخل صناديق الاقتراع اليوم الجمعة”.
قطبية ثنائية
في الجولة الأولى، ورغم وجود مرشح إصلاحي واحد مقابل خمسة مرشحين محافظين (انسحب منهم اثنان)، لم يؤدِّ تعددهم لظهور قطبية ثنائية، إلا أن هذه القطبية تبدو واضحة وشديدة وحساسة في الجولة الثانية، إذ يقف المعسكر المحافظ بكل ثقله وأقطابه وقاعدته التصويتية خلف المرشح جليلي، وفي مقدمتهم قاليباف، الذي حل ثالثاً في الجولة الأولى بحصوله على نحو 3 ملايين و400 ألف صوت، فضلاً عن بقية المرشحين المحافظين، باستثناء مصطفى بور محمدي. كما تلاحق حملة جليلي، اتهامات من المعسكر الآخر بتوظيف إمكانيات وقدرات الحكومة في المحافظات والمدن لتحشيد الدعم له، فضلاً عن تسجيل اعتراض على تنظيم ملتقى لرؤساء مجالس القرى، وإلقاء المساعد التنفيذي للرئيس الإيراني محسن منصوري، كلمة فيه.
وعلى الضفة الإصلاحية أيضاً، تحشد جميع القوى الإصلاحية المنضوية تحت لواء جبهة الإصلاحات الإيرانية، طاقاتها وإمكانياتها دعماً للمرشح بزشكيان، إلا أن التحدي الكبير الذي ما يزال يواجهه التيار ومرشحه هو أن شرائح واسعة من قاعدته الجماهيرية الشبابية ما تزال غير راغبة بالمشاركة في الانتخابات. وكان ذلك العزوف قد حال دون حسم النتيجة في الجولة الأولى رغم تصدر بزشكيان نتائجها، وبالتالي فإن القاعدة التصويتية الإصلاحية ليست منظمة بل متحركة ومترددة، عكس قاعدة المحافظين الأكثر تنظيماً كونها تتحرك من منطلقات أيديولوجية وعقائدية.
أمل بزيادة المشاركة
تتمثل المفاجأة في الجولة السابقة بهبوط قياسي آخر لنسبة المشاركة في الانتخابات بعدما بلغت نحو 40% عكس التوقعات السائدة بارتفاعها نتيجة قرار الإصلاحيين خوض السباق الرئاسي بمرشح خاص بهم، والذي لم يسهم في زيادة نسبة المشاركة في ظل إخفاق التيار الإصلاحي في إقناع المقاطعين والمترددين من الناخبين بالمشاركة في الانتخابات.
في غضون ذلك، وصف المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الأربعاء الماضي، الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة، بأنها “مهمة للغاية”، داعياً “محبي الإسلام والجمهورية الإسلامية وازدهار البلاد”، إلى إظهار ذلك بمشاركتهم فيها. وقال خامنئي إن التوقعات والتكهنات بشأن المشاركة الواسعة في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الجمعة الماضي لم تتحقق، معتبراً أن التصور بأن من لم يصوت كان ضد النظام الإيراني “خاطئ بالكامل”.
وأشار إلى أن ثمة موانع حالت دون مشاركة الذين لم يدلوا بأصواتهم، منها انشغالاتهم. وبينما أعرب خامنئي عن أمله في زيادة نسبة المشاركة خلال الجولة الثانية للانتخابات، أكد أن “لا مبرر للشك والتردد في المشاركة” فيها، متسائلاً: “لماذا يتردد الناس في القيام بشيء لا يتطلب مالاً ولا جهداً ولا وقتاً وضغطاً، بينما له فوائد كثيرة؟”.
غياب استطلاعات الرأي
أما اللافت في الجولة الثانية للانتخابات الإيرانية اليوم، فهو غياب استطلاعات الرأي بشأن نسبة المشاركة وحظوظ المرشحين الاثنين في الفوز بالرئاسة الإيرانية، إذ لم تنشر مؤسسات قياس الأفكار الإيرانية، مثل “إيسبا” و”ملت” التابع لمركز بحوث البرلمان، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون، نتائج استطلاعاتها هذه المرة حتى الساعات الأخيرة، على عكس سلوكها المتبع في الجولة الأولى حين كانت تنشرها أولاً بأول.
يأتي هذا الغياب فيما كانت نتائج الجولة الأولى من حيث المشاركة فيها ونسب أصوات المرشحين، قد عكست أخطاء معظم استطلاعات الرأي التي أجرتها تلك المؤسسات، إذ كانت تتوقع نسبة مشاركة نحو 51 في المائة مع تقديم أرقام متضاربة بشأن نسب أصوات المرشحين الستة قبل انسحاب المرشحين عليرضا زاكاني وأمير حسين قاضي زادة هاشمي قبل يوم من إجراء الجولة الأولى.
ونشرت مؤسسات بحثية ومسحية إيرانية نتائج استطلاعات رأي خلال الساعات الأخيرة تظهر أن المرشح بزشكيان ما يزال يتصدر النتائج لكن الفارق ليس كبيراً. وبحسب نتائج استطلاع “إيسبا” الطلابي لقياس الأفكار وهو أهم مؤسسة مسحية إيرانية، نشرها أمس الخميس، والذي أجرى الاستطلاع الأربعاء الماضي، فإن نسبة المشاركة في هذه الجولة على الأغلب سترتفع إلى نحو 45%. كما تظهر نتائج استطلاع حصول بزشكيان 49.5% من الأصوات مقابل حصول جليلي على 43.9% من أصوات المستطلعة آراؤهم. وتظهر نتائج استطلاع مركز البحوث الاجتماعية شناخت، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ونشرت أمس الخميس، أن بزشكيان سيحصل على 51% من الأصوات فيما سيحصل جليلي على 49% منها. كما تظهر أن 45% من المستطلعة آراؤهم أكدوا أنهم سيشاركون في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
كما يخلص مركز ديتاك البحثي الإيراني، بعد دراسة بيانات ومعلومات من 300 ألف مصدر في مختلف المنصات الاجتماعية في إيران، إلى أن الفارق بين المرشحين هو 4.5%، متوقعاً حصول بزشكيان على 51% من الأصوات وحصول جليلي على نسبة 46.6%. ووفق مركز برسش لقياس الأفكار الإيراني، فإن نتائج استطلاع للرأي أجراه الأربعاء الماضي، تظهر احتمال فوز بزشكيان بالحصول على 53% مقابل 41% لصالح جليلي، متوقعاً بلوغ نسبة المشاركة في الانتخابات نسبة الـ48%.
تفاؤل بزيادة المشاركة
يرجّح الخبير الإيراني الإصلاحي صلاح الدين خديو، زيادة نسبة المشاركة في الجولة الثانية، متوقعاً تصويت عدد من المترددين غير المشاركين في الجولة الأولى للمرشح بزشكيان، خصوصاً بعد المناظرة الأخيرة بينهما مساء الثلاثاء الماضي، التي سخنتها أسئلة المذيع مهدي خسروي. ويقول إنه “رغم ضعف المرشحين الاثنين في تقديم برامجهما، لكن يتوقع أن تزداد نسبة المشاركة”.
ويوضح أنه “على سبيل المثال، هناك ناشطون سياسيون وإعلاميون لم يصوتوا في الجولة الأولى، لكنهم قرروا التصويت في هذه الجولة”، مشيراً إلى إعلان الإعلامي الإيراني المعتقل كيوان صميمي اعتزامه التصويت لبزشكيان، رغم عزوفه عن المشاركة في الجولة الأولى. غير أن خديو يشدّد على أن “هؤلاء لديهم جمهورهم المحدد الخاص بهم”، مضيفاً أن “التوقعات الخاطئة عن ارتفاع نسبة المشاركة في الجولة الأولى كان مردها تعميم النشاط بين القوى السياسية على المجتمع وقياس نبضه على هذا الأساس وهو ما ظهر أنه خطأ”.
من جهته يتوقع الناشط السياسي المحافظ حسين كنعاني مقدم، زيادة نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية ومشاركة بعض أصحاب الأصوات الرمادية فيها، مضيفاً أن جليلي كسب أصوات معظم أبناء “جبهة الثورة” (محافظة) التي تدعمه جسماً موحداً. ويشير إلى أن “التنافس هو بين الأصوات الرمادية وأصوات كل من الإصلاحيين والمحافظين، فإذا توجهت هذه الأصوات الردماية نحو بزشكيان فسيظفر بالرئاسة، وإذا كسبها جليلي فسيربح الجولة”. ويعتبر كنعاني مقدم أن المنافسة “محمومة، وجبهة الثورة وظّفت كل قدراتها وطاقاتها للفوز”.