من الصحافة الإيرانية: كيف ترد إيران على “اغتيال هنية” دون الوقوع في شباك نتنياهو؟

إن الرد المناسب على اغتيال هنية يتطلب تجنب الصراع مع الأطراف الإقليمية والغربية الأخرى، والتعامل مباشرة مع إسرائيل.

ميدل ايست نيوز: لم يهز اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بعد ساعات قليلة من حضوره مراسم تنصيب مسعود بزشكيان، إيران فحسب، بل المنطقة والعالم. لم يكن هنية الضيف الرسمي الوحيد للحكومة في هذه المراسم الوطنية، بل كان الضيف الذي رحب به بزشكيان أكثر من غيره. ولعل مشهد معانقة هذين الاثنين والتعبير عن مشاعرهما تجاه بعضهما البعض بعد مراسم أداء اليمين في المجلس الإسلامي هو الجزء الأكثر أهمية في هذه المراسم.

كان هذا الاغتيال بمثابة تحدي صعب وثقيل على كاهل إيران، بل وأي دولة أخرى تتعرض لهجوم مشابه لهذا. شكك المراقبون بأمن إيران وتم انتهاك سلامة أراضيها واستهداف حدث وطني مهم شارك فيه أجانب رفيعو المستوى من ثمانين دولة. هذه المعطيات تدل أن الضرر الذي وقع كبير للغاية وأن جريمة إسرائيل جسيمة جداً.

لذلك، فإن الرد الحاسم والحازم الذي يعيد لإيران قوة الردع يمكن اعتباره الأولوية المباشرة للبلاد. وصحيح أن هذا الرد قد يفتح جبهة على إيران والمنطقة، لكن تكلفة عدم الرد، بالنظر إلى تعقيداتها وعواقبها السلبية، ستكون أكبر بكثير من تكاليف الانتقام المحسوب والمتناسب.

بالتالي، لا يمكن التشكيك في ضرورة وأهمية الرد الحاسم على أعمال إسرائيل. ما يمكن وينبغي الشك فيه هو نوعية الرد الإيراني وأسلوب تعامله مع هذا الرد. إذا لم يتم اتباع النهج المناسب، فمن الممكن أن تنجر إيران في نفس الاتجاه الذي خططت له إسرائيل، لكن إذا تم تنفيذ عملية مناسبة في المكان والزمان المناسبين والاستفادة القصوى من المساحة والفرصة المتاحة والمعرفة الصحيحة، فإنها يمكن أن تتحول إلى تكلفة باهظة ومؤسفة لإسرائيل. والآن فيما يتعلق بهذا النهج، يتم تقييم المواصفات والإحداثيات التالية من حيث الأهمية كما يلي:

إن إسرائيل هي المسؤولة في المقام والأخير عن هذا الاغتيال. فحتى الآن لا يوجد أي دليل رسمي حول مشاركة جهة أخرى في هذه العملية، والتحليل الواقعي لهذه العملية وتوقيتها لا يؤكد غير هذا. هذه العملية ليست حتى في مصلحة الولايات المتحدة في هذا الوقت بالذات، واستياء الحكومة الأميركية واضح في تصريحات بايدن بهذا الخصوص. فقد قال بشكل علني أن هذه العملية لن تساعد في إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإرساء وقف إطلاق النار في غزة. كما تؤكد التقارير المنشورة عن المكالمة الهاتفية بين نتنياهو وبايدن، بعد هذه العملية، استياء الحكومة الأميركية.

وفي ظل هذا، فإن أي محاولة لإشراك أطراف أخرى في عملية اغتيال هنية لا تتنافى مع الواقع فحسب، بل هي أيضاً محاولة لصرف الأذهان عن دور إسرائيل في هذه الجريمة وتقليص تكاليفها. إن الكيان الصهيوني، باعتباره السبب الوحيد أو على الأقل الرئيسي لهذا العدوان، يجب أن يدفع كافة تكاليفه، هذا هو النهج الذي يزيد الضغط على إسرائيل إلى أقصى حد، ويزيد من احتمالية مجازاتها.

إن الانحراف عن التعامل المباشر والمستقيم مع إسرائيل لن يؤدي إلى تقليل التكاليف التي تتحملها إسرائيل فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى زيادة التكاليف التي ستتكبدها إيران، لأن الأخيرة سوف تضطر إلى بذل الجهد في عدة جبهات بدلاً من القتال على جبهة واحدة. وأسمحو لي أن أضيف أن هذا الانحراف في السياسة الخارجية للبلاد وأولوياتها الأساسية سيفرز تحديات ومشاكل سواء في العلاقات مع دول الجوار (بما فيها الدول العربية) أو في العلاقات مع الدول الغربية.

وبما أن إسرائيل بعيدة جغرافياً عن إيران والقيام بعمليات ضدها من هذه المسافة أمر صعب، فإن الشكوك تثار ضد الدول المجاورة وتقديمها المساعدة لإسرائيل. لكن البيان الجديد للحرس الثوري، الذي أكد أن عملية الاغتيال كانت نتيجة مقذوف قصير المدى، يدحض هذه الادعاءات. إلا أنه من غير المرجح أن يتمكن من إسكات هذه الأصوات. ومن الممكن أن تؤثر الاتهامات الموجهة ضد الدول المجاورة لإيران على أولوية السياسة الخارجية للحكومة الجديدة وعلى المرشد الذي اعتبر العلاقات مع الجيران أولوية السياسة الخارجية الإيرانية. لا شك أن إسرائيل تتعطش لخلق فطوة بين إيران وجيرانها، فهي تبذل كافة الجهود لإبعادهم عنها وجرهم لحضنها.

ومن الأولويات الأخرى للحكومة الجديدة تحسين العلاقات مع الدول الغربية وحل المشاكل القائمة في العلاقات بينها. ويبدو أن هذا النهج ضروري لرفع العقوبات وتطبيع البيئة الدولية الإيرانية وتحسين البيئة الاقتصادية للبلاد. لكن رمي التهم تجاه الأطراف الغربية، مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا وغيرها، يمكن أن يؤدي إلى تعقيد علاقات إيران مع هذه الدول، ويجعل من الصعب حل المشاكل في العلاقات الثنائية. ولذلك فإن الرد المناسب يتطلب تجنب الصراع مع الأطراف الإقليمية والغربية الأخرى، والتعامل مباشرة مع إسرائيل. ويبدو أن ثمة الآن فرصة جيدة لمواجهة إسرائيل بقيادة نتنياهو: فجبهات المقاومة في المنطقة كلها مفتوحة وموجهة اليوم تجاه إسرائيل.

هادي برهاني
أستاذ في الدراسات الإسرائيلية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان + 20 =

زر الذهاب إلى الأعلى