النظام الرئاسي بالعراق… رفض واسع النطاق لـ”تجديد الدكتاتورية”

عاد الحديث عن النظام الرئاسي بالعراق والمطالبة به مجدداً، من دون أن يجد طريقه إلى التطبيق أو الاتفاق السياسي بشأن المضي نحوه، بفعل حاجته إلى سلسلة من الإجراءات القانونية.

ميدل ايست نيوز: عاد الحديث عن النظام الرئاسي بالعراق والمطالبة به مجدداً، من دون أن يجد طريقه إلى التطبيق أو الاتفاق السياسي بشأن المضي نحوه، بفعل حاجته إلى سلسلة من الإجراءات القانونية، لعل أبرزها القيام بتعديل دستوري، في حين أن أحزاباً عارضته، معتبرة أن تبنيه يعني “دكتاتورية” جديدة.

في السياق، دعا رئيس الحكومة العراقية الأسبق، زعيم “ائتلاف دولة القانون”، نوري المالكي، أخيراً، إلى اعتماد النظام الرئاسي بالعراق وسط تأكيد أنه من غير الممكن للبلاد الاستمرار من دون حكم حازم، بعيداً عن الظلم أو الدكتاتورية. وقال المالكي، في تصريحات صحافية في 14 أغسطس/آب الحالي، إنه “للتخلص من هذه المشاكل نذهب للنظام الرئاسي”.

وأضاف أنه “لدى الأكراد ثلاث محافظات فضلاً عن السنة أيضاً فإن لديهم محافظات وحتى الشيعة لديهم أكثر من ذلك”، مضيفاً أن “علاقتنا طيبة مع الإخوة الأكراد، مع بعض الفروق المختلف عليها مثل كركوك، والمناطق المتنازع عليها، كما أن الإخوة السنة لديهم مشاكل أكثر”.

النظام الرئاسي بالعراق ودعوة المالكي

وعلى الرغم من أن دعوة المالكي لاعتماد النظام الرئاسي بالعراق لم تحصل على الحيز الجيد من التداول والمناقشة السياسية، إلا أنها جاءت عقب مطالبات صدرت من شخصيات عراقية بارزة بهذا الشأن، والتي انتقدت النظام البرلماني، وإخفاقه في تأسيس دولة حديثة وقوية بعد نحو 21 عاماً على الاحتلال الأميركي للبلاد وإسقاط نظام صدام حسين.

وفي إبريل/ نيسان 2023، دعا الرئيس العراقي السابق برهم صالح، إلى إجراء إصلاحات في جذور وفروع الدولة العراقية، معتبراً أن النظام الذي أقيم بعد العام 2003، قد بلغ “منتهاه”، وهناك حاجة لتعديل الدستور لإقامة نظام رئاسي أكثر قوة.

وسبقه رئيس مجلس القضاء العراقي (أعلى سلطة قضائية في البلاد)، فائق زيدان، الذي وصف النظام البرلماني القائم في العراق بـ”الفاشل”، مؤكداً في تصريح صحافي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، على ضرورة “تغييره وتعديل الدستور والتحول إلى النظام الرئاسي بالعراق”.

وبحسب النظام الرئاسي، فإن السلطة التنفيذية هي في يدي الرئيس المُنتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر، ومن مهامه تشكيل حكومة لتنفيذ برنامجه السياسي ملتزمة أمامه وليس أمام البرلمان. كما أن النظام الرئاسي بالعراق مصاغٍ على ضرورة الفصل الصارم بين السلطات، وليس من حق البرلمان إسقاط الحكومة، التي بدورها غير قادرة على حل مجلس النواب. وهو مختلف عن النظام شبه الرئاسي أو المختلط، الجامع بين النظامين الرئاسي والبرلماني. مع ذلك، لم تكن الأجواء ملائمة للحديث عن تغيير النظام في العراق، خصوصاً أنه لم يحل موسم الانتخابات البرلمانية، من أجل الترويج لحزب معين أو تكتل سياسي ما.

وعادة إن مثل هذا المقترح موضوع في خانة “الابتزاز السياسي”، لا سيما أن الأحزاب الكردية رافضة النظام الرئاسي بشكل قاطع، في حين أن الأحزاب السنية معارضة لرئيس شيعي قد يكون مدعوماً من إيران. حتى أن الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة، معارضة هي الأخرى النظام الرئاسي، لأسباب متعلقة بالصلاحيات في إدارة الدولة. بالتالي فإن الإبقاء على النظام العراقي المعمول به حالياً، هو الفكرة الأنسب للأحزاب التي تقاسمت المناصب السيادية والوزارات وما دونها.

لكن للعراقيين وجهة نظر داعمة لفكرة النظام الرئاسي، من أجل منع الاستيلاء على الدولة ومقدراتها من قبل الأحزاب. وفي السياق، أفادت ثلاثة مصادر من الأحزاب الشيعية، بأن “فكرة النظام الرئاسي لا تُطرح للنقاش بين الأحزاب الشيعية بصورة جادة، بل تمثل وجهة نظر لبعض السياسيين، وعادة من يطرحون هذه الفكرة، لا يواصلون المطالبة بها فيما بعد، ويمكن اعتبارها ضمن مفهوم التبرير لفشل الحكومات بعد عام 2003 تجاه خدمة العراقيين”.

وقال أحد هذه المصادر إن “المالكي سعى أكثر من مرة لطرح فكرة تعديل الدستور والاتجاه نحو العمل بالنظام الرئاسي، لكن لم يجر أي نقاش جاد بشأنها، وقد يكون المالكي يفكر بنفسه، فهو يجد نفسه مؤهلاً لأن يكون في موقع قيادة الحكومة من جديد، في حين أن سياسيين يفكرون بالنظام الرئاسي بطريقة التنصل من تحمل مسؤولية الفشل في إدارة الدولة”. وأكد أن “معظم الأحزاب السياسية ومن كل المكونات ترفض فكرة النظام الرئاسي، في حين أن الفصائل المسلحة التي تملك أجنحة سياسية، تجد أن هذا المطلب حالة شاذة قد تؤدي لتدمير فكرة المحاصصة التي تعمل بها الأحزاب”.

وسبق أن طرح متظاهرو العراق، تحديداً خلال فترة الاحتجاجات الشعبية عامي 2019 و2020، فكرة تغيير النظام إلى رئاسي، عبر تعديل الدستور، لكن اختفى هذا المطلب جرّاء آلة العنف التي بطشت بالمحتجين، وحوّلت مطالبهم إلى أكثر واقعية، ضمنها إلغاء مجالس المحافظات وإجراء انتخابات وفق قانون جديد. لكن بقي عدد من الناشطين متمسكين بهذا المطلب، بضمنهم رئيس التيار الوطني العراقي ليث شبر، وهو بلا تأثير حقيقي على القرار السياسي في البلاد.

احتمالات تعديل النظام

من جهته، قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، النائب محمد عنوز، إن “اعتماد النظام الرئاسي يحتاج إلى قناعة سياسية لدى الأحزاب، ولا يبدو أن الوصول إلى هذا القرار سهل، لأن الأحزاب لم تتمكن من حل مشاكل بسيطة، ومنها حسم ملف رئيس البرلمان الذي لا يزال عالقاً منذ أشهر، فكيف تتوصل إلى قناعة بشأن تعديل أو تغيير النظام بالكامل؟”.

وأوضح عنوز أن “منطق القوة والضعف هو الذي يقود الحوار باتجاه النظام الرئاسي، وهناك جهات سياسية تفكر ربما بهذا النظام من أجل حصولها على مزيد من المكاسب، وبكل الأحوال فإن المضي به يحتاج إلى تعديل الدستور”.

من جانبه، أشار الناشط السياسي علي الحجيمي إلى أن “العراقيين وبعد الخذلان الكبير الذي تعرضوا له من الحكومات بعد عام 2003، صاروا يفكرون جدياً بتغيير النظام، لكن في الحقيقة فإن هذا الطموح لا يعدو كونه أحلاماً من الصعب تحقيقها، في ظل وجود سلاح غير محدود يحمي النظام الحالي”.

وبيّن أن “النظام الرئاسي يزيد من قوة الدولة واستقرارها السياسي، لكن الرفض الداخلي من الأحزاب يعيق تحققه، ناهيك عن الرفض الخارجي، إذ إن جميع دول الجوار بالإضافة إلى الكيان الصهيوني لا يريدون للعراق أن يكون دولة قوية”.

بدوره، رأى القانوني العراقي محمد العامري، أن “النظام العراقي الحالي، يعد من أكثر الأنظمة المتقدمة في الحكم، لكن الأحزاب النافذة والعصابات المسلحة أفرغته من قيمته، وجعلت النظام البرلماني يخفق إخفاقاً كبيراً بسبب الفساد المالي”، موضحاً أن “النظام الرئاسي هو الآخر لا يخدم العراقيين كثيراً، بسبب التنوع الثقافي والسياسي والقومي والديني والمذهبي السائد بين شرائح المجتمع، كما أن التجارب الرئاسية في العراق معظمها كانت تتحول إلى دكتاتوريات، وهذا ما يخشاه المراقبون العراقيون”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى