من الصحافة الإيرانية: إيران ولغز روسيا.. ما هو الحل؟

بالنظر إلى تطورات النظام الدولي بعد الحرب في أوكرانيا، والمواجهة واسعة النطاق بين روسيا والغرب، فضلا عن سياسة التطلع إلى شرق إيران، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل روسيا حليف استراتيجي لإيران؟

ميدل ايست نيوز: جرت في السنوات الأخيرة مناقشات مستفيضة حول طبيعة العلاقات المتوسعة بين إيران وروسيا. أشار عدة باحثون إلى التعاون الواسع بين البلدين خلال الأزمة السورية (2015) للحفاظ على حكومة بشار الأسد، وإلى الخطاب المشترك في مواجهة أحادية الولايات المتحدة في النظام الدولي، والتعاون العسكري المكثف، خاصة بعد حرب أوكرانيا، والمساعي لمواجهة العقوبات الغربية من خلال عضوية إيران في المنظمات الاقتصادية مثل شنغهاي، وبريكس، والتجمع الاقتصادي الأوراسي، وتحديد طبيعة العلاقات بين البلدين في إطار التحالف الاستراتيجي.

على الضفة الأخرى، يرى باحثون آخرون أنه على الرغم من توسع التعاون بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلا أن مصالح إيران وروسيا لا تزال تتعارض مع بعضها البعض في مجال الطاقة والخلافات في منطقة جنوب القوقاز وفي المنافسات الإقليمية في الشرق الأوسط. وبالنظر إلى تطورات النظام الدولي بعد الحرب في أوكرانيا، والمواجهة واسعة النطاق بين روسيا والغرب، فضلا عن سياسة التطلع إلى شرق إيران، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل روسيا حليف استراتيجي لإيران؟ وإلى أي مدى يمكن لإيران أن تعول على دعم روسيا في مواجهة الأزمات الإقليمية وفي مواجهة أميركا وحلفائها؟

للإجابة على هذا السؤال، ينبغي النظر في نقطتين. الأولى، تعتمد متطلبات استراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية على تعظيم المصالح الوطنية. فإيران نظرًا لموقعها الجيوسياسي الخاص، تعرضت عدة مرات لهجوم من قبل القوى العظمى عبر التاريخ، وقد اشتد هذا الوضع خلال الفترة الانتقالية للنظام الدولي. والآن وقد اختفى النظام القديم ولم يتشكل النظام الجديد بعد؛ فإن مفهوم التحالف الاستراتيجي بين أطراف النظام الدولي لا يوجد إلا في حالات نادرة، ويتم تعريف التحالف والائتلاف في الغالب على أساس كل حالة على حدة وعلى أساس المصالح الوطنية للجهات الفاعلة. وفي مثل هذا الهيكل، وبالنظر إلى موقع إيران الخاص، فإن وضع استراتيجية توازن إيجابي واستخدام قدرات التعاون على أساس المصالح المتبادلة مع الغرب والشرق يوفر في الوقت نفسه المصالح الوطنية لإيران. وبعبارة أخرى، يمكن لإيران أن تحصل على أقصى قدر من الفوائد من التعاون مع القوى الشرقية الكبرى مثل روسيا والصين عندما تكون لديها علاقة متوازنة مع الغرب إلى جانب القوى الشرقية. وفي ظل غياب العلاقات الطبيعية مع الغرب، فإن سياسة التطلع إلى الشرق لا يمكن أن تكون إلا من باب الاستعجال، ولكن من أجل تعظيم الفوائد وتحقيق التنمية، تحتاج إيران إلى تنويع مواردها وإزالة العقبات مثل العقوبات النقدية والمصرفية والاستثمارات الأجنبية.

النقطة الثانية، الفهم الصحيح للاستراتيجية الكبرى للسياسة الخارجية الروسية في المنطقة والنظام الدولي. في العقدين الماضيين، وتحت قيادة فلاديمير بوتين، سعت روسيا إلى إعادة تعريف وتعزيز مكانتها باعتبارها “قوة عظمى” في النظام الدولي الحالي ومواجهة الأحادية التي تنتهجها الولايات المتحدة. يبدو أن النهج العدواني للسياسة الخارجية الروسية في جورجيا وسوريا وأوكرانيا ولعب دور نشط في الأزمات الإقليمية والدولية متجذر أيضًا في هذه السياسة. ويمثل الغزو الضخم لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 ذروة المواجهة بين روسيا والغرب، وكان أيضًا نقطة تحول في علاقات روسيا مع إيران.

بعد حرب أوكرانيا ومواجهة روسيا المباشرة مع الغرب، زادت أهمية التعاون العسكري والاقتصادي مع إيران، وبسبب الخطاب المشترك لمواجهة النظام الليبرالي الغربي، أصبحت الدولتان أقرب إلى بعضهما البعض من ذي قبل. وبطبيعة الحال، لا ينبغي أن ننسى أن روسيا لم ترحب قط بتطبيع العلاقات بين إيران والغرب وكانت دائما تؤيد الحفاظ على الوضع الراهن وخاصة في المفاوضات النووية. وفي الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن الحرب في أوكرانيا أصبحت قضية هوية لكلا الجانبين، وأن النصر في هذه الحرب مهم للغاية بالنسبة لروسيا حتى أنه طغى على مجالات أخرى من السياسة الخارجية للبلاد.

وبالنظر إلى النقاط المذكورة أعلاه، يمكن القول أنه في النظام الدولي الحالي وبسبب الطبيعة الفضفاضة للتحالفات بين الجهات الفاعلة، فإن مفهوم الشراكة الاستراتيجية بين الدول قد تلاشى إلى حد كبير. وبشكل أساسي، يتم تعريف التعاون بين الجهات الفاعلة على أساس المصالح المتبادلة وعلى أساس كل حالة على حدة. ومن ناحية أخرى، فإن نتيجة الحرب في أوكرانيا والمواجهة بين روسيا والغرب سوف تحدد إلى حد كبير مستقبل النظام الدولي. ومن ناحية أخرى، بعد الأحداث الأوكرانية، أصبحت بيئة النظام الدولي أمنية وعسكرية للغاية. وبالنظر إلى التعاون العسكري بين إيران وروسيا والمسألة النووية، فإن هذه القضية يمكن أن تضع إيران في وضع معقد. في هذا الإطار، ونظرًا لموقعها الجيوسياسي الخاص وتجاربها التاريخية، لا يمكن لإيران أن تكون حليفًا استراتيجيًا للقوى الغربية أو الشرقية، بل يجب أن تتعاون بنشاط مع كلا المجموعتين على أساس المصالح المتبادلة.

إن الأولوية الأهم للسياسة الخارجية الإيرانية هي الخروج من الأجندة الأمنية للنظام الدولي، وبالتالي إزالة العقوبات والعقبات الاقتصادية والسياسية لإقامة علاقات متوازنة مع مختلف الجهات الفاعلة. إن استخدام قدرة التعاون الوثيق مع روسيا والصين في المجالين العسكري والاقتصادي (عضوية شنغهاي، البريكس، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي) يعتمد على إزالة العوائق والقيود الأمنية والاقتصادية، وهو ما يتطلب تطبيع العلاقات مع الغرب. وأخيراً، إن تنويع الموارد وخيارات التعاون سيزيد من القدرة التفاوضية واستغلال الإمكانات الاقتصادية والجغرافية الهائلة التي تتمتع بها إيران، خاصة في مجال الطاقة والممرات في المنطقة. وبالتالي، فإن استراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية بالتعاون مع القوى العظمى في النظام الدولي ليست أمراً ملحاً ولكنها مستمدة من المصالح الوطنية.

 

آرمينا آرم

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى