لماذا تعتبر إيران الحرب ضد إسرائيل “فخا” يجب تجنبه؟

إستراتيجية إيران تقوم على التأثير من دون الانخراط المباشر، خصوصا أن من شأن التصعيد أن يصب في مصلحة إسرائيل وينعكس على الانتخابات الأميركية.

ميدل ايست نيوز: هل إيران مستعدة للدخول في صراع عسكري جديد بعد مضي 34 عاما على آخر حرب خاضتها مع العراق؟ لعلّ ما سبق هو أكثر الأسئلة المطروحة خلال الأشهر الماضية، لا سيما مع اشتداد وتيرة الحرب في المنطقة والتصريحات الإيرانية المختلفة التي تلوح أحيانا لاستعدادها لمواجهة محتملة مع إسرائيل وإلى سعيها لإحلال الأمن والسلام في أحيان أخرى.

بعد مرور 34 عاماً على انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، لا تزال ذكرى ذلك الصراع الدموي الطويل حية في عقول الشعب الإيراني. لقد تركت حرب استمرت ثماني سنوات أثراً عميقاً على المجتمع والسياسة في إيران، ولا تزال تجربتها المريرة تُعرف بأنها واحدة من أكثر الأحداث الحاسمة في تاريخ إيران المعاصر. تلعب هذه التجربة التاريخية دورًا رئيسيًا في تشكيل مواقف الرأي العام وصانعي السياسات تجاه الدخول في أي صراع عسكري جديد، خاصة ضد قوى مثل إسرائيل.

وفي ظل وصول التوترات بين إيران وإسرائيل إلى ذروتها في الأشهر الأخيرة وتزايد التهديدات العسكرية والسياسية من الجانبين، خاصة بعد تهديد أكبر قوة تابعة لإيران في الشرق الأوسط “حزب الله” والاغتيالات الغير مسبوقة والغارات المكثفة على لبنان، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت إيران مستعدة للدخول في حرب جديدة بالنظر إلى تجاربها السابقة؟ يعتقد بعض الخبراء أن القوة العسكرية الإيرانية تحسنت للغاية على مدى السنوات التي أعقبت الحرب الإيرانية العراقية، لكن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية قد تمنع الشعب والحكومة من قبول حرب جديدة.

عواقب الحرب

في الواقع، كان للحرب الإيرانية العراقية تأثير عميق على كل إيراني. بحيث لا تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا. تقول المعطيات إن حالة الأمن الغذائي في البلاد أثناء تلك الفترة كانت سيئة للغاية وذلك بسبب تقنين الطعام وقلة المحاصيل وانهيار القطاع الزراعي حينها. لا يزال من الممكن رؤية الدمار الذي خلفته الحرب في المناطق الجنوبية من البلاد، وخاصة في خوزستان، فأثار الحرب رغم ما مضى عليها من زمن لم تفارق الذاكرة الجمعية للإيرانيين.

شئنا أم أبينا، تترك الحروب جروحا عميقة في النفس البشرية وتجعلهم يناهضون ضد أي قرار أو خطوة قد تدفع المحيط الذي يعيشون فيه إلى الانخراط مجددا في أي حرب، وهذا بالضبط ما يحصل في إيران بعد ما عاناه شعبها من تبعات حرب بلادهم مع نظام صدام حسين.

ومع تصاعد التوترات الأخيرة بين إيران وإسرائيل، تزايدت التكهنات حول احتمالية دخول فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في صراع جديد. يعتقد العديد من المحللين أن إسرائيل لن تكون الوحيدة المشاركة في حال نشوب هذه الحرب، بل أيضًا الولايات المتحدة وربما حلفاء تل أبيب الآخرون.

ويحذر العديد من المراقبون من أن دخول الولايات المتحدة خط المعركة، يعني تدميرا كبيرا للبنية التحتية الحيوية لإيران، بما في ذلك المصافي والمستشفيات ومحطات الطاقة، وهي مسألة يدركها الشعب الإيراني والحكومة والقيادة في هذا البلد، وهو ما حال دون انخداع طهران بالفخاخ الإسرائيلية، من الهجوم على السفارة في دمشق إلى اغتيال هنية وغيرها، والتي حاولت جرها مرارا إلى حرب لا يحمد عقباها.

وبينما تتعرض طهران لأشد العقوبات الاقتصادية في تاريخنا المعاصر وتواجه أزمات مالية على مختلف أسواقها، فإن المجتمع الإيراني والرأي العام في البلاد يشعران بالقلق إزاء الضغط المزدوج الناجم عن الحرب، والذي يظهر في تقلبات أسعار الصرف والبورصة وارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الاقتصادي في فرص العمل والاستثمارات الأجنبية والسياحة.

ورغم أن إيران حققت تقدماً عسكرياً وتكنولوجياً كبيراً في السنوات التي تلت الحرب مع العراق وأصبحت واحدة من القوى الإقليمية المهمة، إلا أن الذاكرة الجمعية لتلك الحرب الطويلة والمدمرة لا تزال تؤثر على العقلية العامة والسياسات العسكرية. هذه التجربة المريرة قد تجعل صناع القرار ينظرون بحذر أكبر إلى الخيارات العسكرية، خاصة عندما يواجهون قوة مثل إسرائيل تتمتع بدعم دولي وتكنولوجيا متقدمة.

ويقول الخبراء الإيرانيون في الشؤون السياسية إنه يتعين على صناع القرار السياسي والعسكري في إيران أن يوازنوا بين المطالب الوطنية، والضرورات الأمنية، والضغوط الخارجية، وأن يختاروا مساراً يخدم مصالح البلاد على المدى الطويل، ربما من خلال الدبلوماسية وتهدئة التصعيد بدلاً من المواجهة العسكرية.

ويرى علي واعظ من “مجموعة الأزمات الدولية” في حديث لقناة “الجزيرة” أن إستراتيجية إيران تقوم على التأثير من دون الانخراط المباشر، خصوصا أن من شأن التصعيد أن يصب في مصلحة إسرائيل وينعكس على الانتخابات الأميركية.

وقال واعظ إن “إيران لا ترغب في القيام بما تسعى إليه عدوتها اللدودة (إسرائيل)”، مشيرا إلى أن أولويات طهران تتمثّل بضمان تخفيف العقوبات والاستقرار اقتصاديا إلى حد ما.

واتّهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من نيويورك التي يزورها للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إسرائيل بالسعي إلى الحرب بينما حافظت إيران على ضبط النفس.

وأشار إلى أن إيران امتنعت عن الرد على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز الماضي، خشية تسبب ذلك في إخراج الجهود الأميركية الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة عن مسارها.

وفي وقت سابق هذا العام، وفي ذروة التوتر مع إسرائيل، أطلقت إيران مئات الصواريخ والمسيّرات بعد ضربة دمشق، لكن تم اعتراض معظمها، وفق ما أعلنت تل أبيب.

ويفيد محللون بأن إيران تستعرض قوتها في ظل الحرب بين حماس وإسرائيل في غزة، من دون دفع الولايات المتحدة إلى الرد.

وقال واعظ إن من شأن أي تصعيد إيراني أن يقوي شوكة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويساعد حتى على إعادة ترامب إلى السلطة. وأفاد بأن ذلك “سيضر كثيرا بالمصالح الإيرانية”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى