ماذا نعرف عن القنابل التي يرجح استخدامها في اغتيال نصر الله؟

أسقطت طائرات من السرب 69 نحو 85 قنبلة خارقة للتحصينات تزن الواحدة منها طنًّا تقريبا على مكان وجود حسن نصر الله ما أدى إلى مصرعه ورفاقه.

ميدل ايست نيوز: أصدر حزب الله اللبناني بيانا نعى فيه أمينه العام حسن نصر الله الذي لقي حتفه مساء الجمعة، إثر غارات إسرائيلية استهدفت مقر القيادة المركزية للحزب في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.

ووفقا لإذاعة الجيش الإسرائيلي، أسقطت طائرات من السرب 69 نحو 85 قنبلة خارقة للتحصينات تزن الواحدة منها طنًّا تقريبا على مكان وجود نصر الله ما أدى إلى مصرعه ورفاقه.

يتفق ذلك مع ما أوردته مصادر صحفية، ومنها شبكة سي إن إن، أوضحت أن نطاق الدمار الذي محا 6 أبراج كاملة في حارة حريك في ضاحية بيروت، وحجم الحفر التي خلفتها الانفجارات، ونطاق اهتزازات المنازل الذي جاوز 20 ميلا، يشير ربما إلى استخدام قنابل يصل وزنها إلى 2000 رطل (907 كيلوغرامات – نحو طن كامل)، وهو ما يتوافق مع طرازات عدد من القنابل أميركية الصنع التي يحتفظ بها الجيش الإسرائيلي في ترسانته والمصممة لضرب الأهداف تحت الأرض مثل قنابل “مارك 84” (Mk 84)، وقنابل “MPR-2000″، وحتى قنابل “BLU-109”.

من جانبها، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن القنابل المستخدمة في الهجوم على الضاحية الجنوبية هي من طراز “مارك 84″، دون أن يصدر أي تأكيد أو نفي رسمي حول الأمر من الجيش الإسرائيلي.

القاتل الغبي

تُعد “مارك 84” هي الأثقل بين سلسلة قنابل “مارك 80” (MK-80) أميركية الصنع التي تضم 4 أنواع من القنابل متعددة الأوزان تتراوح بين 250-2000 رطل. وتُصنَّف جميع أنواع “مارك 80” بأنها “قنابل غبية”، وهو مصطلح يُطلق على القنابل غير الموجهة التي تعتمد على السقوط الحر بفعل الجاذبية الأرضية، بدون محركات توجيه.

وغالبا ما تتمتع هذه القنابل بقدرات تدميرية عالية بسبب احتوائها على حمولة ثقيلة من المتفجرات، فمثلا تحتوي قنابل “مارك 84” على أكثر من 400 كيلوغرام من مادة تريتونال شديدة الانفجار، وهو ما يناهز نصف وزن القنبلة. والتريتونال هو خليط من مادتي “تي إن تي” ومسحوق الألمنيوم بنسبة 4 إلى 1، ويعمل مسحوق الألمنيوم على زيادة كمية الحرارة المنطلقة والحجم التفجيري؛ مما يجعل التريتونال أشد تدميرا من مادة “تي إن تي” بمفردها.

ووفقا لمكتب إدارة الذخيرة في الجيش الأميركي، فإن الأهداف المثالية لمثل هذه القنابل المدمرة تشمل المباني والسكك الحديدية وخطوط الاتصالات، ويمكن استخدامها في سائر العمليات التي تتطلب أقصى قدر من الطاقة التفجيرية.

وكما يظهر من اسمها، تفتقر “القنابل الغبية” للدقة في التوجيه، وهي مصممة أصلا لإحداث دمار هائل النطاق من دون تمييز دقيق أو لتدمير أهداف واسعة في بيئة مكشوفة؛ لذلك يُفترض ألا تُستخدم في المناطق السكانية بسبب أضرارها الهائلة على المدنيين.

فمثلا بإمكان قنابل “مارك 84″ إحداث دمار هائل في دائرة نصف قُطرها 400 متر.

وهناك أكثر من طريقة يمكن لهذه القنابل أن تفتك من خلالها بالبشر، بداية من غلافها الذي يتحطم عند الانفجار إلى شظايا حادة قادرة على تمزيق أجساد الناس والمركبات غير المدرعة على حدٍّ سواء، كما أن الضغط الناتج عن انفجار هذه النوعية من الأسلحة قادر على تمزيق الرئتين وتفجير تجاويف الجيوب الأنفية وقطع الأطراف على بُعد مئات الأمتار من موقع الانفجار، هذا ولم نذكر بعدُ الكم الهائل من الضحايا بسبب تحطم المباني فوق رؤوس ساكنيها.

ونتيجة لذلك، فإن استخدام مثل هذه القنابل في المناطق المكتظة بالسكان يُعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني نظرا لأنها تنتهك بوضوح مبدأ التناسب، الذي يوجب أن تكون الخسائر المدنية متناسبة مع تحقيق هدف عسكري محدد.

وإذا فشلت القوة المعتدية في إثبات أن أعداد الضحايا المدنيين كانت متناسبة و”غير مفرطة بشكل واضح” مقارنة بأي ميزة عسكرية مباشرة، فإن الهجوم يُعد جريمة حرب وفقا لقواعد المحكمة الجنائية الدولية.

إبادة بلا تمييز

جدير بالذكر أن الإدارة الأميركية قامت في وقت سابق من شهر مايو/أيار الماضي بتعليق إرسال شحنة من القنابل الثقيلة من نوع “مارك 80” إلى إسرائيل، بعدما فشلت الأخيرة في “معالجة” مخاوف واشنطن بشأن خططها لاجتياح رفح جنوبي قطاع غزة.

حيث أشار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ جرت في الشهر نفسه، إلى أن منطقة مكتظة بالسكان مثل رفح تتطلب أسلحة أقل قوة وأكثر دقة، نظرا لأن متوسط كثافة سكانها يبلغ 20 ألف نسمة لكل كيلومتر مربع، وأضاف أوستن أن الولايات المتحدة أوقفت شحن هذه القنابل بسبب وجود نية إسرائيلية لشنّ هجوم على رفح من دون خطة مناسبة لحماية مليون مدني لجؤوا إلى هناك.

ومع ذلك، أعادت واشنطن إمداد دولة الاحتلال بهذه القنابل في يونيو/حزيران الماضي، فيما ظل التعليق ساريا على قنابل “مارك 84” الأثقل فقط (والمرجح استخدامها في اغتيال حسن نصر الله).

لكن الولايات المتحدة كانت قد أمدت الاحتلال بكل أنواع مارك على مدار 7 أشهر منذ بدء العدوان على غزة، بما في ذلك “مارك 84″، لذا يُرجح أن إسرائيل لا تزال تحتفظ بمخزونات من القنبلة الأثقل ربما تكون قررت استخدامها في لبنان مؤخرا.

لا يقف الاستخدام الإسرائيلي المحتمل للقنابل “الغبية” على حدود لبنان فقط، فبحسب تقييم استخباري أميركي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن قرابة 50% من ذخائر جو-أرض التي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانت غير موجهة؛ مما تسبب في ارتفاع أعداد القتلى المدنيين، وهو ما ينفي ادعاء إسرائيل حول قصفها أهدافا عسكرية، ويُعد دليلا على تعمدها إلحاق الأذى بالمدنيين.

خاصة إذا علمنا أن الاحتلال يمتلك ذخائر موجهة متطورة تصل دقتها إلى 3 أمتار، لكنه يُفضِّل استخدام الذخائر غير الموجهة رغم هامش الخطأ الواسع الذي تنجم عنه زيادة هائلة في أعداد القتلى.

ومما يؤكد أن الجيش الإسرائيلي يعمد إلى ارتكاب عمليات إبادة بلا تمييز، كما سبق له أن قام بها في غزة على مدار عام أو كما يفعل حاليا في لبنان، هو سجل قنابل “مارك 80” الحافل بالأخطاء ومؤشرات انعدام الدقة.

حيث تشير البيانات إلى أن أغلب القنابل من هذا النوع التي ألقيت فوق فيتنام وكمبوديا من قِبَل الجيش الأميركي بين عامي 1965-1973، هبطت على مسافة 400 قدم من هدفها في أفضل الأحوال، سواء نتيجة خطأ من الطيار أو بسبب الرياح التي دفعتها بعد إسقاطها؛ مما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين، فضلا عن أعداد من الجنود الأميركيين.

القنابل الغبية

وفي واقعة بعينها، فشل الرادار في تحديد المكان الصحيح لإسقاط القنابل خلال موجة طقس سيّئ؛ مما تسبب في سقوط 34 قنبلة من طراز “مارك 82” خطأً فوق قاعدة جوية أميركية في مدينة “دا نانغ” الفيتنامية؛ وهو ما دفع شركة “تكساس إنسترومنتس” إلى تطوير مجموعة من الملحقات عُرفت باسم “بافواي” (Paveway) في ستينيات القرن الماضي، وكان الغرض منها السماح بتوجيه القنبلة ذاتيا من خلال أشعة ليزر تسلطها الطائرات الحربية، بهدف تقليص مسافة الخطأ إلى نحو 10 أقدام.

ومع ذلك لم تُشكِّل القنابل المجهزة بنظام “بافواي” إلا جزءا ضئيلا من الترسانة الأميركية من القنابل أثناء حرب فيتنام، نظرا لتكلفتها العالية.

المحاولة الأخيرة في سياق تحسين نمط التوجيه في قنابل “مارك” جاءت بإضافة ملحق آخر يُعرف بـ”ذخيرة الهجوم المباشر المشترك” (jDAMs). هذا الملحق عبارة عن مجموعة توجيه تعمل عبر نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس”، وتُركَّب في ذيل القنابل ذات السقوط الحر لتحوّلها إلى ذخائر ذكية أكثر دقة، لكن هذه الفئة لا تزال ذات تكلفة مرتفعة، وإن كانت أقل من مثيلاتها الموجهة عن طريق نظام “بافواي”.

وعموما، تتميز قنابل “مارك” بانخفاض تكلفتها بشكل كبير مقارنة بمثيلتها الموجهة، مما يوفر حافزا آخر لاستخدامها من قِبَل جيش الاحتلال، حيث تتراوح تكلفة الأولى بين 3-16 ألف دولار، في حين تصل تكلفة أنواع من الذخيرة الموجهة إلى نحو 250 ألف دولار.

وعلى صعيد مزاياها الأخرى، فإن أغلفتها مصممة أسطوانيا بما يمنحها انسيابية حركية في الهواء، كما أنها مؤهلة لاستقبال زعانف مخروطية في الذيل؛ مما يزيد من استقرارها بعد الإطلاق، وهي تستخدم فتيل اتصال للتفجير عند الاصطدام أو بعده بكسر ضئيل من الثانية إذا كان تأثير الاختراق مطلوبا، كما في حالة استخدامها من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يوظفها أحيانا في تفجير المناطق التي يعتقد أن ثمة أنفاقا أو مبانيَ محصنة أسفلها، نظرا لأن القنبلة تتسبب في حفرة بعمق يصل إلى 11 مترا، وقُطر يصل إلى 15 مترا.

حلفاء الدمار

ويكثف الاحتلال الإسرائيلي ضغوطه على الإدارة الأميركية من أجل استمرار توريد الذخائر الثقيلة، وهو يستخدم في ذلك حجة رئيسية قادمة من العوالم السياسية المظلمة، مفادها أن الولايات المتحدة سبق أن استخدمت هذه القنابل في مناطق فيها كثافة سكانية؛ لذا فلا يوجد ما يمنع من أن تفعل إسرائيل الأمر نفسه.

ومن ذلك ما نشرته مجلة “كومنتاري” الصادرة عن اللجنة اليهودية الأميركية التي أشارت في تقرير لها إلى أن الولايات المتحدة سبق أن استخدمت قنابل “مارك 84” في بيئات حضرية كثيفة أثناء حرب العراق، وذكر التقرير أن القوات الجوية الأميركية أسقطت قنبلتين من الطراز ذاته عام 2016 في منطقة سكنية داخل الموصل، بغرض تدمير قبو يحتوي على مخزون ضخم من النقود امتلكه تنظيم الدولة الإسلامية آنذاك.

يُذكر أن الولايات المتحدة أسقطت أكثر من 12,000 قنبلة “مارك 84” على العراق خلال عملية عاصفة الصحراء عام 1991 ضد مجموعة واسعة من الأهداف، بما في ذلك المدفعية والشاحنات والمخابئ ومواقع صواريخ أرض-جو، إضافة إلى مواقع المدفعية المضادة للطائرات ورادارات الإنذار المبكر ونقاط الإمداد.

أما في حرب فيتنام فألقت أميركا عددا من قنابل “مارك 82” يفوق كل أنواع الأسلحة الأخرى مجتمعة، واستخدمت قنابل “مارك 84” في تدمير المباني الكبيرة والبنية الأساسية والجسور.

وفيما يبدو، تستجيب واشنطن للضغوط الإسرائيلية، وتحاول تبرير استخدام الاحتلال للقنابل الثقيلة في الأحياء المكتظة سكانيا، حيث يقول مسؤولون أميركيون إن واشنطن “تعتقد” أن الجيش الإسرائيلي يُسقط قنابل “مارك” باستخدام تكنيك يُسمّى “القصف الغطسي”، وهو تكنيك يتم خلاله إسقاط القنبلة أثناء غوص الطائرة بشكل حاد نحو الهدف، وهو ما يزيد من دقة القنابل لأنه يقربها من الهدف.

وتستفيد هذه العملية من وجود كيس هوائي في ذيل القنبلة مصنوع من نسيج النايلون المقوى، يعمل على إبطاء سرعة القنبلة عند إطلاقها من ارتفاع منخفض؛ مما يمنح المقاتلة فرصة الهرب بعيدا عن مدى الانفجار.

لا يمكن التأكد بشكل جازم من دقة هذه المزاعم الأميركية، لكن الأعداد الهائلة من القتلى المدنيين في غزة وفي لبنان تلقي بظلال كثيفة من الشكوك حولها.

يعضد هذه الشكوك التحليل الذي أجراه مركز خدمات أبحاث التسليح بتكليف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي يشير إلى أن محاولات تحسين مسار هذه القنابل وإكسابها دقة أكبر لا يمكنها أن تخفف من احتمالات إلحاق الضرر بالمدنيين، وأن المنطقة التي سوف تسقط فيها هذه القنابل سوف تكون أكبر دائما من مساحة نظيراتها المستهدفة بأسلحة ذكية أو موجهة.

أضف إلى ذلك ما خلص إليه تقرير الأمم المتحدة الصادر في يونيو/حزيران الماضي من أن الاحتلال الإسرائيلي قام بسلسلة من الضربات الجوية العشوائية وغير المتناسبة على قطاع غزة فيما بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2023، واستخدم في هجماته قنابل ثقيلة تراوحت أوزانها بين 250-2000 رطل، وتركزت ضرباته على مبانٍ سكنية ومخيمات للاجئين ومدرسة وسوق؛ مما أدى إلى مقتل 218 شخصا على الأقل في 6 ضربات فقط.

يشير التقرير إلى أن جيش الاحتلال انتهك مرارا وتكرارا المبادئ الأساسية لقوانين الحرب. كما يربط بين فشل الاحتلال في تمييز المدنيين من المقاتلين أثناء هجماته، وبين وسائله واختياراته لإدارة أعماله العدائية في غزة، بما في ذلك الاستخدام المكثف للأسلحة المتفجرة ذات التأثيرات واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان.

إضافة إلى ذلك، يرصد التقرير مقولة للمتحدث باسم جيش الاحتلال أفصح خلالها عن اختيار قواته لأسلحة تسبب “أقصى قدر من الضرر في غزة”، وهو ما يتفق مع نظرة وزير دفاع الاحتلال إلى الفلسطينيين الذين وصفهم بألفاظ تسعى لنزع الإنسانية عن أهل غزة، وهو أمر يمكن مده إلى استقامته إلى لبنان.

تفسر هذه الحقائق والتصريحات مجتمعة سرّ إصرار الاحتلال على الحصول على هذه القنابل “الغبية”، وهو أن الدمار الشامل والقتل واسع النطاق هما هدف إسرائيل في المقام الأول. ما يحدث في غزة وفي لبنان هو ببساطة حرب ترهيب وتدمير شاملين، قبل أن يكون عملية عسكرية ذات أهداف محددة؛ لذا فإن الأسلحة المستخدمة فيها مختارة بعناية لإلحاق أكبر قدر ممكن من القتل والدمار.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى