دوافع استعجال تركيا التطبيع مع الأسد
توالت في الآونة الأخيرة تصريحات مسؤولين أتراك على مستوى رفيع دعت إلى تطبيع العلاقات بشكل كامل مع النظام السوري.
ميدل ايست نيوز: توالت في الآونة الأخيرة تصريحات مسؤولين أتراك على مستوى رفيع دعت إلى تطبيع العلاقات بشكل كامل مع النظام السوري، فيما لم يرد الرئيس بشار الأسد حتى الساعة على طلب نظيره التركي رجب طيب أردوغان لقاءه.
ويبدو أن النظام يعوّل أكثر على التقارب العربي معه، ويعتبر أنه ربما يغنيه عن تطبيع مع الجانب التركي ليس وفق شروطه، خصوصاً أنه يرى حاجة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية لأسباب تتعلق بحسابات سياسية داخلية، لذا يريد من تجاهل الحماس التركي الحصول على مكاسب أكثر من أنقرة.
وفي أحدث التصريحات حول التطبيع مع الأسد في تركيا، قال رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش، أول من أمس الجمعة، إن المشكلات بين أنقرة ودمشق تحتاج إلى حل عاجل، وإقامة حوار وثيق ما بعد التطبيع لمواجهة “الخطر الإسرائيلي” على المنطقة.
كذلك نقلت وكالة نوفوستي الروسية عن مصدر دبلوماسي تركي، الجمعة، أن أنقرة لم تتلق أي رد من دمشق حتى الآن حول اقتراح عقد لقاء بين أردوغان والأسد.
وكان أردوغان قد قال منذ نحو أسبوع إنه مستعد للقاء الأسد، مضيفاً: “ننتظر الردّ المناسب من جانب دمشق”. وصرّح أردوغان في يوليو/ تموز الماضي بأنه كلّف وزير الخارجية هاكان فيدان بتنظيم لقاء مع الأسد قد يعقد في دولة ثالثة.
التطبيع مع الأسد وفق مفاوضات طويلة
بدأ التقارب بين الجانب التركي والنظام السوري أواخر عام 2022، بدفع من الجانب الروسي الذي من الواضح أنه وضع شبه خريطة طريق من أجل التطبيع مع الأسد بعد سنوات من العداء.
وعقدت لقاءات عسكرية وأمنية وسياسية على مستويات رفيعة بين الطرفين في العاصمة الروسية موسكو. وكان من المتوقع مبادلة النظام السوري الأتراك ذات الاندفاعة بسبب حاجته إلى إعادة تعويمه وتأهيله إقليمياً، بيد أنه وضع شروطاً قبل الجلوس على طاولة تفاوض طويل، منها الانسحاب التركي من الشمال السوري والتخلي عن فصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة. ولاحقاً تخلّى النظام عن شرط الانسحاب الفوري للبدء في المفاوضات، مطالباً بإقرار تركي بالانسحاب من كل الشمال السوري.
في هذا الصدد، قالت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية لدى النظام، بثينة شعبان، في محاضرة لها الخميس الماضي، في العاصمة العمانية مسقط، إنه “عندما لا يريد الأتراك الإقرار بمبدأ الانسحاب من أراضينا فإننا لن نجلس على الطاولة”، وفق صحيفة الوطن التابعة للنظام.
واعتبرت شعبان أن الأتراك استخدموا مسألة التقارب مع سورية إعلامياً لمصلحتهم، مضيفة أن “تركيا اليوم تحتل أجزاء من أرضنا وهو جزء عزيز وغالٍ وغني من الشمال الغربي السوري، وهم يقومون بعملية تتريك خطيرة ولئيمة”.
كذلك قالت إن أردوغان تحدث عن رغبته بالتقارب مع سورية قبيل الانتخابات الرئاسية التركية لأهداف انتخابية، مضيفة أنه “لا يوجد أي شيء يريدون (الأتراك) تقديمه، هم يريدون أن يحافظوا على ما يقومون به على الأرض وأن يحتلوا أرضنا ويعيثوا فيها فساداً وأن يضربوا الأكراد (في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية)، وأن نكون نحن معهم أصدقاء، وهذا لا يستقيم”.
الأسد لا يبادل الاندفاع التركي
تعليقاً على موضوع التطبيع مع الأسد واندفاع الجانب التركي المتكرر تجاه النظام السوري، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن أنقرة “تعتبر اللقاء بين أردوغان والأسد إنجازاً سياسياً يمكن البناء عليه في الداخل التركي”، مضيفاً أن “حزب العدالة والتنمية يريد سحب ورقة الملف السوري من يد أحزاب المعارضة”.
ولفت إلى أن “بشار الأسد يدرك أنه لن يترتب شيء على التطبيع مع هذا الحزب، لأنه غير قادر على تقديم شيء له، سواء بملف اللاجئين السوريين في تركيا أو محاربة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سورية”.
وباعتقاد القربي هناك عامل مهم في عدم اكتراث الأسد بالتجاوب مع تركيا “وهو أن الجانب الإيراني غير متحمس لتقارب النظام السوري مع الجانب التركي”، موضحاً أنه “يبدو أن هناك ضغطاً من طهران على الأسد لتأجيل هذا التقارب قدر المستطاع”.
وكانت أنقرة قد فشلت في الشهر الماضي في فتح معبر أبو الزندين الذي يربط الشمال السوري بمناطق النظام لتهيئة الأجواء للبدء مع مفاوضات التطبيع مع الأسد. وعودة العلاقات محركها الأساسي ملفان شائكان هما: ملايين السوريين اللاجئين في تركيا والذين باتوا عبئاً عليها، ومحاولات “قسد” فرض إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية.
وأخفقت تطمينات أنقرة المتكررة في تبديد مخاوف المعارضة السورية، خصوصاً في شقها العسكري في الشمال من هذا التقارب الذي تخشى من أنه سيكون على حسابها.
وبيّن المحلل السياسي التركي هشام جوناي، لـ”العربي الجديد”، أن نقاشاً يجري داخل الأوساط الصحافية والأكاديمية حول هذا الحماس من الرئيس أردوغان من أجل التطبيع مع الأسد. وأضاف أن “هذا الاندفاع يثير علامات استفهام كثيرة، موضحاً أنه صحيح هناك “بعض الأسباب المتعلقة بالمخاوف من قيام دولة كردية في شرقي نهر الفرات وما إلى ذلك، ولكن كل ذلك لا يفسر هذا الحماس من أردوغان الذي كان هو من أشعل فتيل هذا العداء مع الأسد”.
وأشار إلى “أنه (أردوغان) كان متسرعاً منذ البداية ووصف الأسد بأشنع الصفات”، مضيفاً أنه “لم يكن أحد يتوقع في عام 2011 أن يصل الخطاب التركي تجاه الأسد إلى حد المطالبة بإسقاطه، واليوم الاندفاع نفسه يتكرر من أجل استعادة العلاقة معه”.
وقال جوناي إن “أنقرة تريد اليوم أن يكون النظام على حدودها الجنوبية بدل كيان كردي ربما يمتد إلى الداخل التركي”، موضحاً أن “أردوغان في فترة حكمه الأخيرة يريد إنجاز مصالحة مع الأسد لإعادة جزء من اللاجئين السوريين”. وتابع: “ليس لدي تفسير غير ذلك لهذا الاندفاع تجاه نظام الأسد”.
وتتخذ أنقرة شريطاً حدودياً بعمق أكثر من 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، يمتدّ من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي غرباً، إلى مدينة جرابلس على نهر الفرات شرقاً، منطقة نفوذ كامل لها. وفي شرق النهر، لديها منطقة نفوذ على طول 100 كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً تضم تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين شمال غربي الحسكة.