هكذا تقرأ الأوساط الإيرانية العسكرية والسياسية تأخر الرد الإسرائيلي
مضى على هجوم طهران الصاروخي أسبوعان كاملان، ومع دخول الرد الإسرائيلي المرتقب أسبوعه الثالث يتساءل الرأي العام الإيراني عن أسباب تأجيله.
ميدل ايست نيوز: على الرغم من تهديدات تل أبيب السابقة بقطع كل يد قد تطال أمنها القومي، وتأكيدها وضع خطط للرد الفوري على أي هجوم إيراني ثان، مضى على هجوم طهران الصاروخي أسبوعان كاملان، ومع دخول الرد الإسرائيلي المرتقب أسبوعه الثالث يتساءل الرأي العام الإيراني عن أسباب تأجيله.
فبعد ذهاب المسؤولين الإسرائيليين بعيدا في تهديداتهم بضرب المنشآت النووية الإيرانية، أظهرت نتائج استطلاع أجرته القناة الإسرائيلية الـ14 المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن 54% من الإسرائيليين يؤيدون استهداف تلك المنشآت، بيد أن الخطة أخفقت إثر معارضة البيت الأبيض.
وفي خضم المشاورات الإسرائيلية المستمرة مع الإدارة الأميركية الديمقراطية، أخرجت تل أبيب -في بادئ الأمر- المنشآت النووية الإيرانية من بنك أهدافها، ثم اضطرت لتضييق نطاق خياراتها بضرب أهداف عسكرية ومنشآت للطاقة، وفي نهاية المطاف توافق على تحديد أهداف عسكرية فقط لعدم توسيع الحرب، لكن الخلافات في “الكابينت” الإسرائيلي تحول دون التصويت على موعد الهجوم حتى الآن.
قراءة عسكرية
يعتقد الخبير العسكري والعقيد المتقاعد في الحرس الثوري محمد رضا محمدي، أن تل أبيب كانت قد اتخذت قرارا بالرد قبيل اغتيال القيادي في حركة حماس إسماعيل هنية، لوضع حد للهجمات الإيرانية عليها، عازيا سبب المماطلة في تنفيذ الرد الإسرائيلي إلى اعتبارات عملياتية وسياسية.
ويوضح محمدي أن “رغبة الكيان الصهيوني باستغلال الفرصة لتدمير البرنامج النووي الإيراني بمساعدة حلفائه الغربيين جوبهت برفض إقليمي ودولي، كما أن تل أبيب وجدت نفسها وحيدة عند الحديث عن عزمها مهاجمة منشآت النفط والطاقة في إيران”، مؤكدا أن بُعد المسافة يجعل إسرائيل تواجه مشكلة حقيقية في تنفيذ أي هجوم داخل الأراضي الإيرانية.
ورأى أن الصواريخ الإيرانية أرسلت رسالة واضحة للجانب الغربي من خلال إلحاقها أضرارا كبيرة في المنظومات الدفاعية الإسرائيلية والأميركية وإصابة أهدافها العسكرية بدقة، مضيفا أن الجهات المعنية في إسرائيل وأميركا تفكر قبل مهاجمة إيران باليوم التالي للهجوم الذي لم يعد مضمون النتائج.
واعتبر المتحدث نفسه أن أحد أسباب تأجيل الرد الإسرائيلي يعود إلى وصول مضادات جوية أميركية وعلى رأسها نظام “ثاد” الأميركي للدفاع الصاروخي، وحاجتها لترميم المنظومات الدفاعية الأخری التي تضررت خلال الهجوم الإيراني الأخير.
كما أكد أن موضوع تزوّد المقاتلات الأميركية بالوقود جوا يشكل تحديا كبيرا أمام الهجوم الإسرائيلي المرتقب، وأن مهاجمة أهداف إيرانية بالصواريخ قد تؤدي إلى نتائج عكسية، نظرا إلى اتساع جغرافيا إيران ونشرها مضادات جوية متعددة الطبقات.
ويشكل امتلاك إيران صواريخ عابرة للقارات عاملا رادعا للولايات المتحدة -التي تمتلك قواعد عسكرية كبرى في المنطقة- أمام الانخراط في حرب ضد إيران، وفق ما يقول محمدي، موضحا أن أي مشاركة عملية أميركية في الهجوم الإسرائيلي تتطلب إبعاد أساطيلها البحرية عن مرمى الأسلحة الإيرانية، وهو أمر مرحب به في إطار إخراج القوات الأميركية من المنطقة.
وتابع القيادي السابق في الحرس الثوري، أنه رغم التعتيم الإعلامي والأمني الإسرائيلي، فإن صور الأقمار الصناعية الإيرانية تظهر دمارا كبيرا في القواعد العسكرية الإسرائيلية، وعلى رأسها قاعدة “نيفاتيم” السرية، جراء القصف الصاروخي الأخير.
وقال إن ذلك “يجعل المحور الصهيوأميركي الذي عجز عن صد الصواريخ الإيرانية يفكر مرات عديدة بالأسلحة النوعية التي لم تكشف عنها طهران بعد، ناهيك عن احتمال تلقيه ردا مفاجئا من فصائل المقاومة، التي أثبتت قدرتها على استهداف العمق الإسرائيلي”.
وكان الأمين السابق للجنة التطوير والتجهيز في الحرس الثوري الجنرال إبراهيم رستمي، قال بأن الرد الإيراني سيكون على مستوى التهديد لمنشآته النووية، مستذكرا أن بلاده أجرت مناورات تحاكي ضرب مفاعل “ديمونا” الإسرائيلي، وكشف أن إيران تمتلك أسلحة أقوى من السلاح النووي وأن ما يعرفه العالم عن قدرات طهران العسكرية إنما “يوازي قمة جبل الثلج”.
قراءة سياسية
يعتقد الباحث السياسي صلاح الدين خديو، أنه لا يمكن التفكير بهجوم إسرائيلي “كبير وقوي” على إيران سوى بحصول تل أبيب على ضوء أخضر من الولايات المتحدة وقرارا بحمايتها في اليوم التالي، مضيفا أن أحد أسباب تأجيل الرد الإسرائيلي يعود إلى عدم ثقة إسرائيل من نجاعة خططها لمنع طهران من مهاجمتها من جديد.
ولا يستبعد خديو أن تكون إسرائيل تتعمد تأجيل الرد عدة مرات، لإرهاق القوات المسلحة الإيرانية الموضوعة على أهبة الاستعداد تحسبا لأي هجوم، مضيفا أن ثمة ضغوطا غربية وإقليمية تمارس على إسرائيل، ليكون ردها مدروسا لا يؤدي إلى توسيع التوتر بالمنطقة، ولا يبرر لإيران القيام برد كبير قد يشعل حربا شاملة.
ولدى إشارته إلى قرب رئاسيات أميركا المقررة في الخامس من الشهر المقبل، يرى الباحث السياسي أن أي تصعيد للتوتر في الشرق الأوسط قد يؤثر بشكل مباشر على نتائج السباق الرئاسي في الولايات المتحدة، وأمن مصالحها في المنطقة، مما يرفع من حساسية الإدارة الديمقراطية حيال الهجوم الإسرائيلي المرتقب ومدى المشاركة فيه، أو التوقف عند الدفاع عن حليفها الإسرائيلي.
ووفق الباحث السياسي، فإن واشنطن نجحت في إخراج بعض الأهداف الإيرانية من الرد الإسرائيلي المرتقب، مقابل تقديمها حزم مساعدات دبلوماسية وعسكرية لتل أبيب، لكنه عبر عن خشيته من مؤامرة دولية ضد بلاده تعمل عليها الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد آخر من حلفائهما الأوروبيين.
ولا يصعب على خديو ملاحظة ملامح تلك المؤامرة في الإعلام الأميركي، “الذي بدأ بنشر تقارير هادفة تسعى لفبركة ملفات خطيرة، لتدويل الملف الإيراني أولا، ثم تشكيل تحالف موسع لمواجهة الجمهورية الإسلامية”، موضحا أن السياسة الإعلامية الغربية حيال إيران تشبه تلك التي سبقت غزو العراق عام 2003.
وخلص إلى أن الخارجية الإيرانية تعمل بكامل طاقاتها لإفشال مثل هذه المخططات وبمساعدة الدبلوماسية البرلمانية، مؤكدا أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يقود حملة سياسية مؤثرة جدا على الصعيد الدولي، لإقناع نظرائه بالضغط على إسرائيل للقبول بوقف إطلاق النار وخفض التوتر في الشرق الأوسط.