لماذا يلتزم أحمدي نجاد الصمت أمام الأحداث في غزة ولبنان؟
من الممكن أن يكون للبُرجوازية الصغيرة تأثير مباشر على شخصية الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد والصمت العلني الذي انتهجه في ظل الأحداث الأخيرة في غزة والمنطقة.
ميدل ايست نيوز: بعد مرور أكثر من عام على 7 أكتوبر وبدء الإبادة الجماعية بحق أهل غزة والغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية والاجتياح البري لجنوب لبنان، توالت التنديدات والإدانات من كل حدب وصوب، لكن ليس من الجميع، إذ ثمة سياسيون وشخصيات لطالما كان لها أسبقية في تصدر المنابر والتعليق على هذه الأحداث، وأهمها محمود أحمدي نجاد، رئيس إيران السابق، والذي يعيش غيابا شبه تاما عن المشهد منذ اندلاع الحرب في المنطقة.
لم يدلِ أحمدي نجاد بأي تعليق على أهم أزمة تتعرض لها المنطقة خلال العقود القليلة الماضية. أزمة تطال إيران اليوم بشكل كامل مع اغتيال إسماعيل هنية في طهران والسيد حسن نصر الله في بيروت، وعمليات ما أسمتها طهران بـ “الوعد الصادق” الانتقامية على إسرائيل، والذي صاحبها رد إسرائيلي جوي يوم السبت 26 أكتوبر على أهداف عسكرية في خوزستان وإيلام وطهران.
لا شك أن من يعود بالتاريخ قليلا ويلقي نظرة على خطابات أحمدي نجاد الشهيرة حول إسرائيل خلال فترة رئاسته سيبدو له غريبا الصمت الذي ينتهجه هذا السياسي الكبير اليوم. لطالما دعا الرئيس الإيراني السابق إلى تدمير إسرائيل، بل وعقد مؤتمرا لإنكار المحرقة بحق اليهود وشكك في ذلك الحدث تاريخيا. فلماذا يصمت السياسي الذي كان في يوم من الأيام العدو الأول “للكيان الصهيوني” عن جرائم إسرائيل اليوم؟
دأب الكثير من الإيرانيون للتعليق على صمت أحمدي نجاد تجاه الأحداث الأخيرة، فهناك من اعتبره شخصية خبيثة ومعادية لإيران وذلك لأنه قام بتأجيج التوترات بين إيران وإسرائيل إلى أعلى المستويات بتصريحاته المناهضة لإسرائيل، والآن بعد أن تورطت إيران في الحرب استسلم ونأى بنفسه، وهناك آخرون اعتبروه جاسوسا!
لنضع تلك التحليلات التي تتسم بالشك جانبا، فبعضها يعود للإيراني الإصلاحي وبعضها للأصولي، ولنلقِ نظرة على صمت أحمدي نجاد على مستوى أعمق وأكثر اجتماعية. عرف أحمدي نجاد بأنه سياسي ذكي ومخلص لقاعدته الجماهيرية الاجتماعية. فهو يتخذ نفس الموقف الذي تتخذه القاعدة الموالية له وتريده منه. لكن ما هي قاعدته الاجتماعية وما هو موقفها من إسرائيل الذي دفع أحمدي نجاد إلى هذا الصمت؟ الإجابة هي البُرجوازية الصغيرة.
قد لا تكون الإجابة مألوفة بالنسبة إليكم، أو في حال سمعتم بها، فربما قرأتم هذه المرادفة في دهاليز النظرية الماركسية. لكن كونوا على يقين أن هذه الطبقة مفيدة جدا لفهم المجتمع الإيراني الحالي وتطوراته، لأن مواقف هذه الطبقة هي من أكثر المعالم تأثيراً في مستقبل إيران وشعبها.
البرجوازية الصغيرة وفقا لتعريف كتاب “رأس المال” هي طبقة اجتماعية تتكون من أفراد ينتمون إلى الطبقة الوسطى الدنيا، ويملكون عادةً مشروعات صغيرة أو يعملون في مهن أو وظائف تدر عليهم دخلا محدودا، مثل الحرفيين، وأصحاب المتاجر، وصغار الموظفين. تتميز هذه الطبقة بامتلاكها قدرا معينًا من رأس المال، لكنها ليست غنية كفاية للانضمام إلى البرجوازية الكبيرة، ولا تعتمد بشكل كبير على العمالة المأجورة لتحقيق أرباحها، كما تفعل الطبقات الرأسمالية.
نشأ هذا المصطلح خلال القرن التاسع عشر مع تطور النظرية الماركسية التي اهتمت بتحليل الطبقات الاجتماعية، حيث يعتبر ماركس أن البرجوازية الصغيرة تمثل طبقة وسطى عالقة بين البروليتاريا (الطبقة العاملة) والبرجوازية الكبرى (طبقة رأس المال الكبير)، وغالبا ما تخشى هذه الطبقة من الفقر وتطمح للارتقاء الاجتماعي، مما يؤثر على “مواقفها السياسية والاقتصادية”.
وعلى ضوء هذه الخلفية، من الممكن أن يكون للبرجوازية الصغيرة تأثير مباشر على شخصية الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، والمعروف بتصريحاته الصريحة والجرأة في مواقفه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الإقليمية مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والصمت العلني الذي انتهجه في ظل الأحداث الأخيرة في غزة والمنطقة، لا سيما وأن البرجوازية الصغيرة في إيران، المكونة من الحرفيين وأصحاب المتاجر وأصحاب المشاريع الصغيرة، تمثل قاعدة شعبية تتسم بمواقف اقتصادية محافظة، وتعيش قلقًا مستمرًا بشأن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
البحث عن الدعم الشعبي
إذا كان أحمدي نجاد يسعى لاستمالة دعم البرجوازية الصغيرة كجزء من قاعدته الشعبية، فقد يكون حذرًا في التطرق لقضايا خارجية قد لا تكون من أولويات هذه الطبقة. فالبرجوازية الصغيرة كما ذكرنا بالأعلى تميل غالبًا للتركيز على القضايا الاقتصادية المحلية التي تمس حياتها مباشرة، مثل التضخم والبطالة، أكثر من اهتمامها بالقضايا الإقليمية.
الخشية من التوترات الداخلية
البرجوازية الصغيرة في إيران عادةً ما تكون متخوفة من أي تصعيد في التوترات الإقليمية لأنه قد ينعكس سلبًا على الاقتصاد المحلي، وبالتالي على معيشتها. لذلك، قد يكون أحمدي نجاد مترددًا في اتخاذ موقف قد يُفسر على أنه دعم مباشر لأي طرف في صراع إقليمي، حتى لا يخسر دعم هذه الفئة أو يزيد من قلقها.
تجنب الانتقاد للسياسة الرسمية
الشريحة الإيرانية التي تنتمي بشكل مباشر وغير مباشر للبرجوازية الصغيرة تعتمد بشكل كبير على الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهم حساسون تجاه أي مواقف سياسية قد تُظهر أحمدي نجاد كمعارض مباشر للسياسات الرسمية. لذا، قد يكون صمته الأخير، لا سيما مع استبعاده منذ أشهر من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، مدفوعًا بالحفاظ على صورة متوازنة تجذب هذه الطبقة التي تسعى للاستقرار، دون الدخول في صدام مع النخبة الحاكمة.
التركيز على القضايا المحلية
أحمدي نجاد لطالما ركّز على القضايا الداخلية، وكان قريبًا من قضايا الفئات المتوسطة والصغيرة اقتصاديًا. قد يكون ذلك دافعًا له للتركيز على الداخل، حيث أن البرجوازية الصغيرة تعاني من ضغوط الحياة اليومية، ويهتم أفرادها بمعالجة قضاياهم المحلية أكثر من القضايا الإقليمية.
قد لا تكون البرجوازية الصغيرة والقاعدة الاجتماعية الموالية سببًا مباشرًا لصمت أحمدي نجاد تجاه من كان يستميت للدفاع عنهم فيما مضى، لكنها أيضا قد تؤثر بشكل غير مباشر، نظرًا لحساسيتها تجاه القضايا الخارجية وتركيزها على القضايا الاقتصادية الداخلية، وهو ما قد يدفعه لتجنب اتخاذ مواقف علنية قد تزيد من قلقها.