مقاربة ترامب للمنطقة: استهداف وعزل إيران
لدى ترامب مقاربة للمنطقة بحيث تركز على استهداف وعزل إيران بشكل متزايد، إكمالاً لما بدأه في ولايته الأولى.

ميدل ايست نيوز: سيطرت الانتخابات الأميركية على المشهد اللبناني في ظل التعويل على أن تتمكن الإدارة الجديدة من الضغط أكثر على إسرائيل لوقف عدوانها، خصوصاً أن الرئيس دونالد ترامب تعهد بـ”السلام” وإنهاء “المعاناة والدمار في لبنان”، علماً أن تسلمه السلطة لن يحصل قبل يناير/كانون الثاني المقبل، ما يجعل الجبهة أمام أسابيع حاسمة ومفصلية.
ويسود الترقب الآن حيال سيناريوهات المواجهة العسكرية بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما أن ترامب العائد إلى البيت الأبيض طلب من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن ينهي الحرب قبل توليه الرئاسة، ولكن من جهة أخرى عمد نتنياهو، في خطوة لافتة عشية إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، إلى إقالة وزير الأمن يوآف غالانت، ما سيكون له انعكاسات على مسار العدوان على غزة ولبنان، خصوصاً أن كثيرين قرأوا الإقالة في إطار تمسك إسرائيل بالخيار العسكري.
ويأمل الشارع اللبناني أن يؤدي انتخاب ترامب إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، لكنه في الوقت نفسه لا يرفع سقف تفاؤله، نظراً إلى قوة العلاقة الإسرائيلية الأميركية، والدعم الأميركي المطلق لمصالح إسرائيل وأمنها بغضّ النظر عن اسم الرئيس وهويته الحزبية، وقد سارع نتنياهو إلى إظهار ذلك من خلال اعتبار فوز ترامب في تهنئته له “أعظم عودة في التاريخ”.
وقال مصدر نيابي في حزب الله إنّ “ترامب أو كامالا هاريس، وجهان لسياسة واحدة، تنفيذ المصالح والأجندة الإسرائيلية”، مؤكداً أنه “بغضّ النظر عن الرئيس الأميركي ووسطائه، فإن المقاومة ثابتة في مواقفها ولن تتراجع عنها، خصوصاً لناحية وقف العدوان أولاً، ومن ثم قيام مفاوضات غير مباشرة”.
في الإطار، يقول مهند الحاج علي، نائب مديرة المركز لشؤون الأبحاث في مركز مالكوم كير–كارنيغي، إن “مقاربة ترامب في المنطقة معروفة خلال ولايته السابقة، ولا سيما لناحية ضم الأراضي، واليوم إسرائيل تحقق التقدم الميداني قبل تسلم ترامب الذي سيأتي ويعطيها صكوك الاعتراف بالتقدم الميداني الذي تحققه على الأرض”.
ويضيف: “على مستوى قطاع غزة، هم يريدون اقتطاع أقسام منه وتهجير الناس إلى مصر، وتحويل غزة إلى مشروع استثماري ضخم. أنا أرى أنه سيكون ما بين أي اقتطاع قسم وتحويل قسم آخر إلى مبانٍ وغيره من المشاريع، وهذا نوع من العقاب الجماعي الذي يُفرض على الجانب الآخر”.
من جهة ثانية، يلفت الحاج علي إلى أن ترامب لديه مقاربة للمنطقة “بحيث تركز على استهداف وعزل إيران بشكل متزايد، إكمالاً لما بدأه في ولايته الأولى، إذ قضت سياسته بتصفية التهديد الإيراني. واليوم مع فريق عمله مثل وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، الذي ظهر بإحدى حملاته الانتخابية في ولاية بنسلفانيا، يرتفع احتمال استكمال استهداف إيران بضربة للمنشآت النووية، ما يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، إلا إذا كانت ضربة قاضية للنظام، وهذا يبقى مستبعداً بعض الشيء”.
ويضيف الحاج علي: “هذه الحرب ستطول، ونتنياهو سيأخذ وقته فيها لتحقيق أهدافه”، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية كانت في هذه الفترة كلها تدعمه بالسلاح والدفاع الجوي، لكنها في الوقت نفسه هددته أخيراً بالعقوبات ووقف إمدادات السلاح إذا لم يعط مساعدات إنسانية للفلسطينيين. “أما اليوم، فهناك إدارة جديدة ستبقي على الدعم نفسه مع احتمال مشاركتها في الضربات مباشرةً، وأيضاً لا وجود لأي تحفظات على المستوى الإنساني، وبالتالي هناك مقاربة مختلفة، لكنها بالنسبة إلينا في المنطقة مهمة جداً وليست بالبسيطة كما يحاول البعض ترويجه”.
بدوره، يقول الدكتور في التاريخ السياسي والعلاقات الدولية، المحامي زكريا الغول، إن “الولايات المتحدة دائماً كانت لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية، بحيث إنه مع كل دورة انتخابية جديدة لرئيس أميركي يشهد العالم تحولاً في السياسات والاستراتيجيات الأميركية تجاه القضايا الإقليمية والدولية، الأمر الذي له تأثيره في الشرق الأوسط أيضاً، وكذلك لبنان”.
ويضيف الغول: “يجب التنبه إلى أنه في الأحوال العادية لبنان دولةً ليس ضمن سلّم الأولويات الأميركية، والاهتمام يكون مرتبطاً بحسب الظروف والتغيّرات في المنطقة، كما يحصل اليوم، في ظل صراع قائم على حدود إسرائيل يشكل خطراً بالنسبة إليها”.
تبعاً لذلك، يرى الغول أنه “لا يمكن المراهنة على الدور الأميركي، لأن استراتيجية الولايات المتحدة أو مصالحها الكبرى تقوم على النفط في دول الخليج، ودرء الخطر الصيني الروسي وأمن إسرائيل”، مشيراً إلى أن “توجه ترامب ضد إيران لا شك أنه سيكون مختلفاً وأكثر تشدداً. مع الإشارة إلى أن أميركا تسير على استراتيجية الدبلوماسي هنري كيسنجر، بمعنى أنها لا تريد إنهاء النزاعات بالكامل، ما يبقيها الطرف المسيطر على القوى في المنطقة، والمحرك الوحيد لها”، لافتاً إلى أن “هناك قراراً بتحجيم الدور الإيراني بالمنطقة، وترامب سيُكمل هذا الموضوع، فالولايات المتحدة تريد أن تكون إيران ضمن العباءة الأميركية وسحبها من العلاقة بين روسيا والصين”.
ويضيف الغول: “يتمتع ترامب بشخصية حادة، ولديه قوة وإمكانية للضغط على نتنياهو، حتى أكثر من قبل، وبفريق عمله الحالي، الذي يضم العديد من اللبنانيين، الأمر الذي قد يلعب دوراً ما، لكن في الوقت نفسه لا يمكن المراهنة عليه، باعتبار أن من أولويات أميركا أمن إسرائيل ومصالحها”. وفي المقابل، يشير الغول إلى أن “جو بايدن كان من أضعف الرؤساء الأميركيين، ولكن رغم ضعف رأس الهرم، شهدنا دعماً مطلقاً لإسرائيل في حربها ضد عزة ولبنان، فيما كان نتنياهو يطلب المزيد”.
ويشير الغول إلى أن “اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، كان مؤشراً كبيراً على التوجه الأميركي القادم، فالعملية ما كانت لتحصل من دون موافقة أميركية، ورأينا كيف أن إسرائيل عند كل اغتيال، كانت تلعب على الوتر الأميركي بأن المستهدف كان مطلوباً لدى أميركا ونفذ تفجيرات على أراضيها”.