من الصحافة الإيرانية: كيف يسعى المتشددون في إيران لجر البلاد لحرب واسعة النطاق؟
هذه التصريحات لها عواقب على إيران، فهي تزيد من الحواجز أمام طريق الدبلوماسية والسياسة الخارجية الإيرانية وتنذر بجر إيران نحو حرب لا مخرج منها.
ميدل ايست نيوز: “في بلادنا يتم الإدلاء بالتصريحات بغض النظر عن عواقبها، والتي يمكن استخدامها كدليل في المحكمة والمحاكم الدولية. فالمحاكم في أمريكا، التي تدين إيران ظلما، تستند على قدر كبير وجهات نظر وتصريحات لمسؤولين إيرانيين. عندما نتحدث ونتحمس، لا ندرك أن تصريحات مسؤول حكومي هي وثائق معتبرة ويقع على عاتقها المسؤولية”.
ما سبق هي تصريحات لمحمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني في الشؤون الاستراتيجية، وقد نشرت منذ فترة ليست بالبعيدة. بالطبع سبق وأن أثارها العديد من المحللين السياسيين والدوليين في إيران من قبل، وقد تكررت هذه الانتقادات والاحتجاجات مرات عديدة، خاصة في لحظات حساسة مثل مفاوضات الاتفاق النووي وتوقيع الاتفاقيات والأحداث الدولية، وأثارت الكثير من الجدل. في الآونة الأخيرة، عادت تصريحات شبيهة للمشهد مرة أخرى، لكن هذه المرة حول الرد على إسرائيل وصراع إيران المباشر مع إسرائيل والحرب معها.
تعود التصريحات الأخيرة للمرشح الرئاسي سعيد جليلي خلال حملته الانتخابية، حيث هاجم بحزم بعض المنافسين المحليين وقال: “إنهم يخيفون الشعب الإيراني من الحرب!”.
ومن بين الشخصيات الأخرى التي تتفق مع جليلي وغيره من مسؤولي إيران، هاجم بعض أعضاء البرلمان الحكومة بعد اغتيال السيد حسن نصر الله ووصفوها بأنها “غير فعالة وغير مؤثرة”.
وعقب الرد الصاروخي الإيراني على إسرائيل، رغم أنه كان من المتوقع ألا تدق طبول الحرب في الداخل الإيراني مرة أخرى، إلا أننا رأينا ذلك مرة أخرى في الأيام القليلة الماضية من قبل شخصيات بارزة من هذا التيار، ويصادف أنهم تمكنوا من إيصال صوتهم لأعلى الجهات في إيران.
على سبيل المثال، في 3 نوفمبر الجاري، شارك علي رضا زاكاني، محافظ طهران، في مراسم “يوم مقارعة الاستكبار العالمي” الذي أقامته قوات البسيج في جامعة علم وصنعت، وعلق على سؤال أحد الطلاب حول قدرة إيران في مواجهة الأعداء، فقال: رغم أن إسرائيل كان بإمكانها أن تجعل إيران مثل غزة، لكنها لا تملك جرأة فتح جبهة مع إيران. فحربنا مع العدو متعددة الأوجه، وقد خسر هذه المعركة بالفعل. إسرائيل الآن مثل كلب مسعور لا تستطيع ارتكاب أي خطأ.
وواصل زاكاني حديثه في اتجاه استمرار حرب غزة ومناهضة السلام ومعارضة إنهاء الصراع قائلا إن “تكلفة التسوية أعلى من تكلفة المقاومة”، ويكمل: لأكثر من عام والأسلحة الإسرائيلية تفتك بأهل غزة، لكنكم لن تسمعون احتجاجا أو اعتراضا منهم على هذا لأنهم تعلموا من تجربتهم التاريخية أن تكلفة التسوية أعلى من تكلفة المقاومة.
واستمراراً لهذه التصريحات، قال سعيد جليلي، عضو المجلس الأعلى للأمن القومي، خلال مراسم إحياء الذكرى الأربعين لاستشهاد الأمين العام لحزب الله في جامعة فردوسي في مشهد، إن “خفض التصعيد” كانت السبب في معارضته للانتخابات الرئاسية وتصريحات رجال الدولة ومؤيديهم، مبينا إن مفاهيم مثل إنهاء الحرب وخفض التصعيد تجعل العدو يخطئ في حساباته ويطمع في ارتكاب المزيد من الاعتداءات.
وبعبارة أبسط، لا مشكلة بالنسبة لجليلي أن تبدء حرب أكثر شمولاً لإيران مع إسرائيل، ويمكن رؤية وجهة النظر هذه بشكل ملفت أكثر في تصريحات “حجة الله عبد الملكي”، وزير العمل السابق، حيث يقول: تقوم أذربيجان وكردستان العراق وبعض الدول الإسلامية بتزويد إسرائيل بالنفط الخام. عليهم أن يوقفوا ذلك، وإلا فإن من حقنا أن نهاجم أسطول النفط الخام لهذه الدول الإسلامية. لا يعنينا ما إذا كانت فرنسا أو دولة إسلامية، فكلا الهدفين مشروع بالنسبة لنا.
تأتي هذه التصريحات في وقت تبذل فيه الكثير من الجهود لإنهاء الحرب في غزة وقتل المسلمين، ومن المسلم به أن إيران تسعى إلى خفض التوتر في المنطقة بطريقة غير عدوانية، باستثناء التصريحات المغامرة التي ربما أدلى به هؤلاء الأشخاص لإظهار شجاعتهم بين مؤيديهم.
وكما يقول ظريف، هذه التصريحات لها عواقب على البلاد، فهي تزيد من الحواجز أمام طريق الدبلوماسية والسياسة الخارجية الإيرانية وتمنح دعاة الحرب فرصة لتحمل التكاليف المادية والحياتية من أجل إيران ومستقبل الإيرانيين بشتى الطرق.