زيادة الضغط الأميركي على إيران… مؤشرات مبكرة

بعد أربع سنوات من إدارة جو بايدن التي اتخذت موقفا أكثر ليونة تجاه طهران من سابقتها، تشير تصريحات الرئيس الجمهوري المنتخب وتعييناته الوزارية إلى العودة للسياسة المتشددة تجاه إيران.

ميدل ايست نيوز: ينذر انتخاب دونالد ترمب بتغيير جذري في السياسة الأميركية تجاه إيران. فبعد أربع سنوات من إدارة جو بايدن التي اتخذت موقفا أكثر ليونة تجاه طهران من سابقتها، تشير تصريحات الرئيس الجمهوري المنتخب وتعييناته الوزارية إلى العودة للسياسة المتشددة تجاه إيران.

ضغوط في الأفق

حتى قبل إعلان نتائج الانتخابات وفوز ترمب، كانت هناك إشارات واضحة على أن إيران ستكون واحدة من شواغل السياسة الخارجية لإدارته. فخلال حملته الانتخابية، لم يخف دعمه الصريح لإسرائيل في ضرباتها ضد وكلاء إيران في الشرق الأوسط. وفي أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، قال ترمب في خطاب له: “إن على إسرائيل ضرب النووي الإيراني أولا، ثم الاهتمام بالبقية لاحقا”.

ويتناقض هذا بشدة مع خطاب الرئيس الأسبق باراك أوباما في حملته الانتخابية بشأن إيران في الفترة التي سبقت ولايته الأولى، حيث أوضح أن أولويته في الشرق الأوسط هي التوسط في اتفاق نووي مع إيران.

ونذكر بالطبع كيف سحب ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي خلال ولايته الرئاسية الأولى، ثم كيف حاولت إدارة بايدن إلغاء هذا القرار دون أن تحقق نجاحا ملموسا. وبدلا من ذلك، ووفقا لموقع إخباري إيراني حكومي، “إيران أونلاين”، ارتفع التخصيب النووي الإيراني من 3.67 في المئة بداية ولاية إدارة بايدن، إلى 60 في المئة اليوم. ولن يتساهل ترمب في السماح لإيران بمواصلة سعيها للوصول إلى تخصيب اليورانيوم بدرجة تمكنها من إنتاج الأسلحة النووية.

وشابت الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية أنباء عن إحباط مؤامرة إيرانية لاغتيال ترمب، فقد أعلنت وزارة العدل الأميركية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني عن توجيه الاتهام لثلاثة أشخاص بتورطهم في مؤامرة قالت الوزارة إنها بأمر من “الحرس الثوري” الإيراني. وفيما نفت إيران مسؤوليتها عن المؤامرة، نشر ترمب في سبتمبر/أيلول على موقع “إكس”، أن “هناك تهديدات كبيرة على حياتي من قبل إيران… سبق أن قامت إيران بتحركات لم تنجح، لكنهم سيحاولون مرة أخرى”. وبديهي أن الرئيس المنتخب لن يقبل أن يقضي وقته في منصبه قلقا من محاولة إيرانية جديدة لاغتياله.

تشكيلة من الصقور المعادين لإيران

ولعل اختيار ترمب لكثير من الصقور المعادين لإيران لشغل مناصب سياسية وأمنية ودفاعية رئيسة في إدارته القادمة يشير إلى أن واشنطن تتجه كما يبدو نحو زيادة الضغط على طهران.

لقد اختار ترمب ماركو روبيو وزيرا للخارجية. وكان روبيو داعما علنيا لتوجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، ولحملة إسرائيل ضد “حزب الله” في لبنان. وبعد هجمات إيران الصاروخية على إسرائيل في أكتوبر، نشر تغريدة على موقع “إكس” قال فيها: “على إسرائيل أن ترد على إيران بالطريقة التي سترد بها الولايات المتحدة إذا ما أطلقت دولة ما 180 صاروخا علينا. وعليهم أن يفعلوا في لبنان ما كنا سنطالب قادتنا بفعله لو كان الإرهابيون يطلقون صواريخ مضادة للدبابات علينا من بلد مجاور، ويجبرون 60 ألف أميركي على إخلاء منازلهم ومزارعهم لمدة عام تقريبا”.

تكهنات حول تعيين “ماركو روبيو” وزيرا للخارجية الأمريكية.. كيف ستكون سياسته تجاه إيران؟

وبالمثل، نشر مايك والتز، الذي اختاره ترمب مستشارا للأمن القومي، منشورا يدعم فيه توجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في أكتوبر، وكتب على موقع “إكس”: “من الجدير ملاحظة ما لم يُستهدف (حتى الآن) في إيران: 1. جزيرة خارك، التي يتم من خلالها تصدير 80 في المئة من النفط الإيراني (لكن استهدافها قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات مباشرة). 2. منشآت نطنز النووية، التي تبعد 200 ميل عن طهران، والتي صرح بايدن علنا بأنه لا يدعم استهدافها. ربما تكون هذه الفرصة الأخيرة والأفضل لإسرائيل لإضعاف البرنامج النووي الإيراني وقطع مصادر تمويله”.

وفي تصريحات أخرى، ذكر والتز أن ضعف إدارة بايدن هو ما شجع إيران على حبك مؤامرة لاغتيال ترمب. وتتردد تصريحات والتز في تعليقات جون راتكليف، الذي اختاره ترمب ليكون مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، حيث ألقى راتكليف في ظهور له على قناة “فوكس نيوز” في أبريل/نيسان باللوم على إدارة بايدن في سلسلة من الأخطاء الفادحة التي قال إنها شجعت إيران.

كما تحدث بيتر هيغسيث، الذي اختاره ترمب لتولي منصب وزير الدفاع، عن أهمية الهجوم العسكري على إيران. وكان هيغسيث، في ظهور له على قناة “فوكس نيوز” في عام 2020، قد ساوى بين النظام الإيراني وتنظيم “داعش”، قائلا: “إن كليهما يصدر الإرهاب”، وأضاف أن الهجمات العسكرية على إيران ستعيدها إلى طاولة المفاوضات، لكن في موقف أضعف بكثير.

وعلق قائلا: “أي وقت أفضل من الآن لنقول: لقد بدأنا العد التنازلي، أمامكم أسبوع، أمامكم فترة زمنية محددة قبل أن نبدأ في تدمير منشآت إنتاج الطاقة لديكم. سنقضي على البنية التحتية الرئيسة، سنقضي على مواقع صواريخكم، سنقضي على مشاريع التطوير النووي، سنقضي على قدرات الموانئ”.

المسار المتوقع

يجمع ترمب وروبيو ووالتز وراتكليف وهيغسيث على ضرورة زيادة الضغط على إيران، ما يشير إلى أن هذا سيكون مسار العمل المحتمل على الأرجح. ومع ذلك، ليس من الواضح بعد الشكل الدقيق الذي سيتخذه هذا الضغط. تتراوح تصريحات هؤلاء بين دعم العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران والدعوة إلى تدخل أميركي مباشر محتمل، بينما لا يزال ترمب نفسه حذرا بشأن جر الولايات المتحدة إلى صراع آخر في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، كشفت معركة إسرائيل مع وكلاء طهران وهجماتها على الأراضي الإيرانية عن نقاط ضعف لدى كل من إيران ووكلائها، مما سيسهل صياغة استراتيجية مدروسة تقودها الولايات المتحدة تجاه إيران ووكلائها.

من المرجح أيضا أن تدفع الولايات المتحدة حلفاءها الأوروبيين نحو تفعيل “آلية سناباك” في قرارات الأمم المتحدة، مما يعني إعادة فرض العقوبات التي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي. ومن المتوقع أن تعمل السفيرة الأميركية الجديدة لدى الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك، الداعمة لسياسة الضغط الأقصى، على حشد الدعم الأوروبي لهذا النهج، وتعني إعادة فرض العقوبات وإعادة الاتفاق النووي إلى نقطة الصفر، مما يستدعي استرجاع جميع العقوبات التي كان الاتفاق النووي قد ألغى العمل بها. ورغم أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد عارضت حتى الآن “آلية سناباك”، فإن هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 قد يشجع أوروبا على تغيير موقفها.

ومن التطورات المحتملة الأخرى إقناع الدول الأوروبية بتصنيف “الحرس الثوري” الإيراني كمنظمة إرهابية. على سبيل المثال، بينما رفضت المملكة المتحدة في السابق اتخاذ هذه الخطوة للحفاظ على قنوات دبلوماسية، فقد تعيد النظر في هذا الموقف بقيادة وزير خارجيتها الجديد، ديفيد لامي، الذي أعرب مؤخرا عن دعمه لهذا الإجراء.

لطالما دافع والتز عن ضرورة تعزيز التنسيق الأوروبي مع الولايات المتحدة بشأن إيران. وفي أعقاب اغتيال اللواء قاسم سليماني عام 2020، أشاد بإجراءات ترمب وحث الحلفاء الأوروبيين على الانضمام إلى الجهود الأميركية للضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات.

وبالتالي، فإن المسار المحتمل في المستقبل سيكون نسخة أكثر تصعيدا من سياسة الضغط الأقصى التي اتبعتها إدارة ترمب الأولى، لكن هذه المرة بدعم من تحالف دولي أوسع وفريق أميركي معزز من صانعي السياسات المستعدين لتنفيذها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
المجلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 + عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى