صراع دولي ومحاذير.. هل تفشل الاتفاقية العراقية الصينية؟

جاء الإعلان الحكومي عن افتتاح عشرات الأبنية المدرسية، ضمن تنفيذ بنود الاتفاقية العراقية الصينية التي وقعها البلدان في أيلول سبتمبر 2019، كمؤشر على سيرها بانسيابية عالية.

ميدل ايست نيوز: جاء الإعلان الحكومي عن افتتاح عشرات الأبنية المدرسية، ضمن تنفيذ بنود الاتفاقية العراقية الصينية التي وقعها البلدان في أيلول سبتمبر 2019، كمؤشر على سيرها بانسيابية عالية، على الرغم من الجدل الذي أثارته خلال السنوات الماضية.

وفيما ترى أطراف حكومية أهمية تنفيذ الاتفاقية القائمة على تبادل النفط بالخدمات والإعمار، ما زال الغموض يلف العديد من بنودها، وطريقة عملها التي تشبوها حالات فساد، لجهة تنفيذها من قبل مقاولين ثانويين، خلافا للهدف المعلن من التعاقد.

وحول هذه الاتفاقية، يقول المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن “الاتفاقية العراقية الصينية مهمة لكلا البلدين، حيث يتم تدريجيا تسليم المباني والمشاريع التي تنجز إلى الحكومة العراقية، كالمدارس وغيرها من المشاريع التي يتم الإعلان عنها”.

وكانت وزارة التربية، قد أعلنت يوم الثلاثاء الماضي، عن افتتاح 53 بناية مدرسية نموذجية ضمن الاتفاقية العراقية الصينية في محافظة المثنى.

وتتضمن الاتفاقية مبادلة عائدات النفط بتنفيذ المشاريع في العراق، عبر فتح حساب ائتماني في أحد البنوك الصينية، لإيداع عائدات النفط البالغة 100 ألف برميل يوميا من أجل صرفها للشركات الصينية التي تنفذ المشاريع ضمن هذا الاتفاق، الذي يمتد بين البلدين لعشرين عاما بالتركيز على بناء المدارس والمستشفيات والطرق وإنشاء محطات الكهرباء ومنظومات الصرف الصحي بعد تحديدها من وزارة التخطيط، بالتنسيق مع مجلس الوزراء.

ويوضح صالح، أن “الحساب الاستثماري للاتفاقية جرى تفعيله عام 2021 لتباشر الشركات الصينية بأعمالها وفقا للبرنامج الموضوع بين البلدين”.

ويؤكد أن “الاتفاقية هي مفتاح التعاون عبر سياسة مفادها النفط والتمويل مقابل الإعمار في العراق، وتتضمن شقين: الأول استخدام عوائد صادرات نفطية إلى الصين، ومقدارها 100 ألف برميل يوميا من إجمالي صادرات العراق النفطية اليومية إلى الصين والتي تزيد على 800 ألف برميل يوميا، إذ توضع عوائد تلك الـ100 ألف برميل في حساب خاص بأغراض الإنفاق على مشاريع عمرانية في العراق من خلال منافسة الشركات الصينية المنفذة والتي من بينها مشروع 600 مدرسة، ومطار الناصرية، وقناة البدعة، وعدد من المشاريع الخدمية المتعلقة بالماء والمجاري في المحافظات”.

أما الشق الثاني، بحسب المستشار الحكومي، فيدخل “في سياق قروض ميسرة تقدمها المصارف الصينية بكفالة الوكالة الصينية لضمان الصادرات والائتمان، تنفق على مشاريع الطاقة الكهربائية وغيرها وعلى وفق معطيات الموازنة الاستثمارية وبدفعات تبلغ 1.8 مليار دولار لكل دفعة بما لا يتعدى الخط الائتماني 10 مليارات دولار طوال عمر الاتفاق البالغ 20 عاما”.

وتم الإعلان عن الاتفاقية للمرة الأولى في حكومة حيدر العبادي، ولكنها وقعت في عهد عادل عبد المهدي، بعد زيارته إلى بكين في أيلول سبتمبر 2019، غير أن أولى خطوات الاتفاقية ترجمت على أرض الواقع في عهد حكومة مصطفى الكاظمي عبر مشروع بناء الـ1000 مدرسة والتي دخلت حيز التنفيذ في عهده.

واتهمت أطراف نيابية داعمة لحكومة عادل عبدالمهدي، حكومة خلفه مصطفى الكاظمي، بالخضوع لإملاءات أمريكية أدت إلى تأخير تطبيق الاتفاقية مع الصين.

من جهته، يقول الأكاديمي والباحث الاقتصادي، خطّاب الضامن، إن “الاتفاقية العراقية الصينية تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، من خلال مبدأ النفط مقابل الإعمار”.

ويبين الضامن، أن “من إيجابيات الاتفاقية مع الصين أنها قدمت نموذجا للتعاون الثنائي الذي يعتمد على المنفعة المتبادلة، حيث تستفيد الصين من النفط العراقي كمصدر أساسي لتمويل المشاريع وسداد تكاليفها، مقابل استفادة العراق من مشاريع البنية التحتية التي تنفذها شركات صينية، كما أثبتت الصين التزامها بدعم المشاريع التنموية طويلة الأجل، على عكس بعض الاتفاقيات مع دول غربية ركزت على التمويل المشروط بتنفيذ التزامات سياسية وأمنية”.

ويضيف أن “ما حققته الاتفاقية يمكن تلخيصه بتعزيز البنى التحتية من خلال البدء بتنفيذ عدد من المشاريع مثل بناء 1000 مدرسة في عموم العراق، والشروع ببناء مطار في الناصرية (محافظة ذي قار)، و90 ألف وحدة سكنية في مدينة الصدر، بالإضافة إلى تحسين شبكة الصرف الصحي في بغداد وبناء مجموعة من المستشفيات”، مبينا أن “ذلك يندرج ضمن تحسين العلاقات الاقتصادية بين العراق والصين، ما أدى إلى زيادة الاستثمارات الصينية في العراق، وخصوصا في مجالات استخراج النفط، حيث تسيطر شركة بترو تشاينا الصينية على حقل غرب القرنة 1 منذ بداية عام 2024، فضلا عن سيطرة شركات وكيانات صينية أخرى على مجموعة حقول نفطية أهمها الأحدب والحلفاية والرميلة وغرب القرنة”.

يذكر أن الصين تواصل منذ سنوات مساعيها الحثيثة للحصول على مشاريع استثمارية كبيرة في العراق، تشمل مجالات الطاقة وإعادة الإعمار وغيرها، فيما تجدر الإشارة إلى فرض الشركات الصينية سيطرتها بشكل كبير على المشاريع النفطية خلال جولتي التراخيص الخامسة والسادسة التي أجريت في العاصمة بغداد خلال شهر أيار مايو الماضي 2024 لتؤكد قدرتها على الاستحواذ الأكبر في هذا القطاع الحيوي الذي يشكل المصدر الأول للمورد المالي العراقي في خزينة البلاد وموازناته السنوية.

المحاذير

وحول السلبيات التي رافقت تنفيذ تلك الاتفاقية، يرى الأكاديمي والباحث الاقتصادي خطاب الضامن، أن “معظم المشاريع تعاني من التنفيذ البطيء، إذ ما زالت الكثير من تلك المشاريع تحت التنفيذ منذ عام 2019، وأبرزها المدارس، بسبب البيروقراطية والتأخير في تمويل مستحقات المقاولين العراقيين”.

ويشير الضامن، إلى أن “النقطة الأهم، هي تعثر عمليات التدريب ونقل التكنولوجيا، فقد تضمنت الاتفاقية بنودا لتدريب الكوادر العراقية ونقل التكنولوجيا لضمان استدامة المشاريع المنفذة، وهذا لم يحدث بسبب الاعتماد على أسلوب التنفيذ غير المباشر (عن طريق مقاولين ثانويين)”.

ويوضح، أن “الاتفاقية لم تصل إلى مستوى الاتفاقيات المشابهة التي عقدتها الصين مع دول أخرى في أفريقيا وآسيا، إذ أن بعض تلك الدول حققت قفزات كبيرة في مجالات تدريب الكوادر الوطنية ونقل التكنولوجيا الحديثة في البناء والتشييد وتشغيل مشاريع البنى التحتية والمشاريع الصناعية المختلفة بفضل الاستثمارات الصينية”.

ويتابع أن “اتفاقية مثل هذه كان ينبغي أن توقع بشروط متوازنة وواضحة وتشمل تنويع القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة، والزراعة، لتجنب الاعتماد الكلي على النفط، كما يجب اشتراط التدريب ونقل والتكنولوجيا عبر إلزام الشركات الصينية بنقل التكنولوجيا والخبرات إلى الكوادر العراقية، فضلا عن التنفيذ المباشر من قبل الشركات الصينية وخلق فرص العمل عبر إلزام الجانب الصيني باستخدام اليد العاملة العراقية في المشاريع لضمان تشغيل العاطلين عن العمل وتخفيض نسب البطالة”.

وفيما يلاحظ الأكاديمي والباحث الاقتصادي، “وجود غموض بتسعير برميل النفط العراقي في الاتفاقية، وفي تكاليف البناء، التي تختلف قياسا بالتكاليف التي تطلبها شركات أخرى غير صينية لتنفيذ نفس أنواع المشاريع التي تضمنتها الاتفاقية، ما يثير شكوكا بالفساد ورفع التكاليف لتغطية عمولات غير شرعية وغيرها”، يحث الحكومة على “ضرورة إدارة مخاطر الاقتراض عبر التأكد من عدم إمكانية وقوع العراق في فخ الديون الصينية، كما حدث مع دول أخرى”.

ويؤشر إلى أن “الاتفاقية سارت وفق التنفيذ غير المباشر للمشاريع التي تم الاتفاق عليها، من خلال توزيع عقود الإنشاءات على شركات ومقاولين ثانويين عراقيين، وتفرغ الشركات الصينية لأعمال الإشراف عن بعد، وخصوصا في مجال المدارس، ما أوجد شبهات فساد، وساهم بانخفاض مستوى الجودة في التنفيذ”، لافتا إلى “انعدام الشفافية والرقابة التي تضمن وجود مؤسسات رقابية مستقلة لمتابعة مراحل تخمين الكلف والتنفيذ لمنع الفساد الإداري والمالي”.

وهذا ما يتعارض مع الهدف المعلن من هذه الاتفاقية كما يحدده المستشار الحكومي، مظهر محمد صالح، والذي يشير بالقول إن “هدف الاتفاق هو تنفيذ المشاريع بالاتفاق بين الجهات الحكومية في البلدين، دون تدخل وسطاء ومستفيدين، وأن الهدف من ذلك هو تجنب التكاليف المتضخمة لتنفيذ المقاولات في العراق والتي أمست ظاهرة شائعة للأسف بعد 2003 كواحدة من أبواب استنزاف الأموال العامة عبر تعاظم تكاليف التنفيذ”.

وتشهد المدارس الحكومية اكتظاظا شديدا أدى إلى جعل الدوام ثنائيا وثلاثيا، نظرا لقلة عدد المدارس، الأمر الذي زاد الحاجة إلى المدارس الخاصة التي يصعب على غير الميسورين دخولها.

يشار الى أنه في 17 تشرين الأول أكتوبر 2023، قرر مجلس الوزراء العراقي زيادة كميات النفط المصدرة ضمن الاتفاقية الإطارية العراقية الصينية لتصبح 150 ألف برميل يوميا، محسوبا على أساس شهري، بدلا عن 100 ألف برميل يوميا.

وأعلن مجلس الأعمال العراقي الصيني خلال حزيران يونيو الماضي، عن أكثر من 200 مشروع ستنفذ مستقبلا ضمن الاتفاقية بين البلدين، وأنها على طاولة مكتب رئيس الوزراء، استعدادا لتنفيذها خلال المرحلة المقبلة، بينما قدّر المبالغ العراقية الموجودة هناك بخمسة مليارات دولار.

صراع دولي

إلى ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي، بلال خليفة، بأن “الاتفاقية فشلت، لأنها توجه بوصلة الاقتصاد العراقي نحو الصين بدلا من الولايات المتحدة، التي تنظر إليه بأهمية بالغة، أو كجزء لا يتجزأ من استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، كما يصفه (الكاتب الأمريكي) مايكل نايتس، لكونه واقعا في قلب الصراع”.

وينبه خليفة، إلى أن “أهم المقومات التي ساعدت أمريكا في زعامة العالم هو دولرة العمليات التجارية وتسعير النفط وغيره من السلع المهمة بالدولار، ولذلك فكل محاولة لزعزعة الدولار عن مكانته تعتبر تهديدا وجوديا للولايات المتحدة، وهذا ما صرح فيه الرئيس المنتخب الأمريكي ترامب”، مشيرا إلى أن “واشنطن توظف هذه النقطة أيضا، من خلال التعامل والتحويلات المالية بالدولار كعقوبة على الدول التي تستهدفها كالصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، بوصفها ورقة ضغط”.

ويوضح خليفة، أن “العالم في حالة غليان، نتيجة التنافس الاقتصادي بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة، والشرق بزعامة الصين، كما أن حرب أوكرانيا وحرب غزة ولبنان، وحتى الصراع الداخلي في السودان وليبيا، هو تجل لذلك التنافس بين المحورين، وما زاد من حدة التنافس أو الصراع هو تجمع بريكس واحتمالية أن تكون له عملة موحدة تمثل بديلا عن عملة الدولار الأمريكي”.

يشار إلى أن حاجة الصين للطاقة وضعها على عرش الدول الأكثر طلبا للنفط حول العالم، حيث استمرت بعقد صفقات تؤمن لها البترول مع كبار المنتجين من قبيل إيران، والسعودية، وأخيرا العراق، الذي شطبت 80 بالمئة من ديونه والبالغة 8.5 مليارات دولار مقابل “تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما”.

ورأى موقع “انترناشيونال بانكر” الأوروبي المتخصص بالشؤون البنكية والمالية، في تقرير له الأسبوع الماضي، أن العراق يسعى للعب دور التوازن الجيوسياسي والاقتصادي الدقيق، في ظل بلوغ التجارة بين البلدين نحو 50 مليار دولار في العام الماضي، بواقع 14.3 مليار دولار كشراء سلع وخدمات، فيما قام بتصدير ما قيمته 35.4 مليار دولار من النفط إلى الصين.

 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى