عن القهوة وكيف تشق طريقها بين الإيرانيين.. هل شعبية الشاي في خطر؟
لطالما كان الشاي رمزًا للضيافة والثقافة الإيرانية، يتزعم طاولاتهم، يقود تجمعاتهم اليومية ويحتل مكانة خاصة في حياتهم. لكن هل توشك هذه المكانة على الأفول؟
ميدل ايست نيوز: لطالما كان الشاي رمزًا للضيافة والثقافة الإيرانية، يتزعم طاولاتهم ويقود تجمعاتهم اليومية ويحتل مكانة خاصة في حياتهم. في البيوت، الأسواق أو حتى في العمل، يبقى الشاي المشروب الأول بلا منازع. لكن خلال السنوات الأخيرة، بدأ مشروب آخر يشق طريقه نحو القلوب والأكواب وينافس شعبية الشاي بين الإيرانيين وتاريخ هذا المشروب العتيق على موائدهم: القهوة.
دخلت القهوة إيران خلال الحقبة الصفوية، ولفترة وجيزة أصبحت جزءًا من الثقافة المحلية. لكن مع تحول البلاد إلى استيراد الشاي بأسعار زهيدة من الهند خلال الفترة القاجارية، تراجعت شعبية القهوة. ومع ذلك، فإن العقدين الأخيرين شهدا تحولًا ملحوظًا، حيث أصبحت القهوة رمزًا للحداثة والتجديد بين الإيرانيين، خاصة الشباب أو ما يسمى جيل Z.
يقول حسام ربيعي، وهو رئيس جمعية القهوة في إيران، إن تغييرا طرأ على الذوق الإيراني في العقدين الماضيين، حيث زادت واردات الإيرانيين من القهوة بنسبة 70% خلال الأشهر السبعة الماضية، مبينا أن تجار إيران استوردوا 30 ألف طن من القهوة خلال الفترة المذكورة.
ووفقا لربيعي، في الوقت الذي تزداد فيه شعبية القهوة بين الإيرانيين وعدم اكتفاء البلاد ذاتيا من هذا المنتج، تمتلئ السعات الفارغة في السوق المحلية بالمنتجات المهربة.
تقول تقارير الجمارك الإيرانية إن واردات القهوة في عام 2019 لم تتجاوز 8 آلاف طن، وبمقارنتها مع إحصاءات قيمة الواردات للعام الماضي 2023 والتي بلغت 148 مليون دولار فهي تمثل نموا بنسبة 75%.
ومع افتتاح عدد كبير من المقاهي الحديثة في المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان ومشهد، أصبحت القهوة أكثر من مجرد مشروب. باتت المقاهي أماكن للتجمعات الشبابية، والعمل، وحتى اللقاءات الثقافية. هذه الأماكن لم تعد تقدم فقط القهوة التقليدية، بل مجموعة متنوعة من الخيارات مثل الإسبريسو، والكابتشينو، واللاتيه، التي جذبت أذواقًا جديدة وغير مألوفة لدى الإيرانيين.
يعلق علي زعفري، نائب رئيس اتحاد مقاهي طهران، على هذه النقطة ويقول إن “عدد المقاهي في طهران العام الماضي ارتفع من ثلاثة آلاف إلى ستة آلاف مقارنة بفترة تفشي كورونا”.
ويبدو أن العولمة لعبت دورا أساسيا في تعزيز ثقافة القهوة في إيران. من خلال الأفلام، والمسلسلات، ووسائل التواصل الاجتماعي، اكتشف الإيرانيون جاذبية القهوة كجزء من نمط حياة عالمي. الجيل الجديد، الذي يبحث دائمًا عن التغيير، وجد في القهوة خيارًا يتماشى مع رؤيتهم العصرية، بعيدًا عن التقاليد التي يمثلها الشاي، مشروب الأجداد والقدماء.
وفي العام الماضي نشر موقع “ديوار” الإيراني المتخصص ببيع الأشياء المستعملة تقريرا أظهر أنه من بين 13 مليون عملية بحث جرت خلال ستة أشهر وترتبط بالقهوة والشاي كانت حصة القهوة 42% والشاي 58%.
وتعود جذور كلمة القهوة إلى اللغات الإثيوبية، ويعود أصل استخدام النبتة الخاصة لتحضير هذا المشروب إلى إثيوبيا واليمن. منذ عدة قرون، وقبل أن يتعرف الأوروبيون على القهوة، كان هذا المشروب شائعًا في الشرق الأوسط وأيضًا في إيران.
وعلى الرغم من أن الإحصائيات تشير إلى تزايد شعبية القهوة في إيران، إلا أن كمية الاستهلاك بين الإيرانيين لا تزال بعيدة مقارنة بدول أخرى في العالم. يقول موقع “World Population Review” إن استهلاك الفرد من القهوة في إيران عام 2020 بلغ 300 غرام. في حين يبلغ نصيب الفرد في الدول الإسكندنافية حوالي 12 كجم، وتركيا 1.9 كجم، والولايات المتحدة 4.7 كجم.
ومع زيادة استهلاك القهوة في إيران، زاد معها عدد الشركات العاملة في صناعة القهوة. ورفعت هذه الشركات، التي تعمل بشكل عام في مجال تجارة أو تعبئة أو تصنيع القهوة المستوردة، رفعت من “الطلب على استيراد المواد الأولية” المتعلقة بهذا المنتج.
ويواجه إنتاج القهوة في إيران تحديات في نقص الخبرة التقنية ومحدودية الأراضي المناسبة ومنافسة المنتجات المستوردة ذات الجودة العالية والأسعار التنافسية.
ووفقا لإحصاءات الجمارك الإيرانية، كانت الإمارات وفيتنام والهند وإندونيسيا وأوغندا من بين الدول الخمس الكبرى التي صدرت القهوة لإيران خلال عام 2023، بحيث تعود 95% من قيمة القهوة المستوردة إلى هذه الدول.
وبلغت قيمة سوق القهوة في التجارة العالمية عام 2022 نحو 45.5 مليار دولار، وكانت البرازيل وكولومبيا وفيتنام من أكبر مصدري القهوة في العالم، أما أكبر المستوردين فكانت أمريكا وألمانيا وبلجيكا. وبلغت حصة القهوة في التجارة العالمية في عام 2022 ما نسبته 19 في المائة من التجارة العالمية.