من الصحافة الإيرانية: ثلاثية العقيدة الدفاعية الإيرانية والوعد الصادق 3

يتضح من تصريحات رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أن إيران لم تكن في حالة من الركود، بل كانت تخطط لمفاجأة كبيرة من شأنها أن تكون نهاية للعبة كرة الطاولة بينها وبين إسرائيل.

ميدل ايست نيوز: لم تبدأ إيران أي حرب في القرون القليلة الماضية. هذه الاستراتيجية العسكرية، التي تتمحور حول الدفاع، كانت دائماً جزءاً من سياسة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن مع اختلاف كبير ومهم. ففي عهد حكومتي القاجار أو الشاه البهلوية، كانت إيران هدفاً لهجمات دول الجوار والقوى العالمية، حيث تم نهب أجزاء كبيرة من الأراضي الخاضعة للسيادة الوطنية، وفي بعض الفترات كانت أجزاء من البلاد محتلة وتحت السيطرة العسكرية الأجنبية. إلا أنها على مدى 45 عاماً مضت، وبالرغم من كونها واحدة من أطول الحروب الكلاسيكية في تاريخ العالم، لم تتخلَّ إيران عن شبر واحد من أراضيها للأجانب، حسب مقال بصحيفة “هم ميهن” الإيرانية.

ضمن ذلك، في إطار العقيدة الدفاعية الإيرانية تجاه التهديدات الحديثة ونماذج الحروب الاستنزافية والحروب غير المباشرة، يتم التأكيد بوضوح على أن عصر “اضرب واهرب” قد انتهى، وأن إيران ليست عدوانية بل دفاعية، تعتمد على قدراتها الذاتية وكفاءتها وفعاليتها في الاستجابة للتهديدات والتصدي للتوترات على أي مستوى وفي أي سياق.

عملية «الوعد الصادق 1» تمت من قبل إيران في وقت كانت الجمهورية الإسلامية تسعى فيه لإظهار عزيمتها وإرادتها في الرد المباشر على سلوك الاعتداء الإسرائيلي وانتهاك سيادتها الإقليمية وفقاً للقواعد الدبلوماسية المعترف بها. كان استخدام الطائرات بدون طيار العسكرية بشكل واسع، نظراً للمسافة بين الهدف والوجهة، ذو طابع دعائي يهدف إلى استعراض القوة، جنباً إلى جنب مع استخدام الجيل الثالث من الصواريخ الإيرانية التي كانت مرصودة بوضوح في سماء المنطقة، تحمل رسالة مفادها أن إيران تتجاوز موقف الصبر الاستراتيجي لتتجه نحو تنفيذ ضربة هجومية، وأنها لن تتحمل تجاوز الخطوط الحمراء والاعتداء على عناصر وحدة أراضيها، ولن تقبل بأن يكون ساحة الصراع في عمق مصالحها الإقليمية.

الكيان الإسرائيلي لم ينصت إلى رسالة إيران أو لم يرغب في سماعها، فبعد تنفيذ عملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران، تحدى مباشرة عمق السيادة الإقليمية لإيران. ومن هنا، تم إدراج عملية «الوعد الصادق 2» في جدول الأعمال. هذه المرة، لم يكن هناك أثر للطائرات بدون طيار الصاخبة أو العمليات التي تستمر بضع ساعات أو استخدام الصواريخ من الجيل الثالث، بل كان على إيران أن تُظهر، وفقاً لعقيدتها الدفاعية واستراتيجية الردع، قدرتها الهجومية وتبرز تفوقها على الخصم وتلحق الضرر بأهم ميزة له في الصراع العسكري.

إسرائيل، التي كانت تسعى إلى تصعيد التحدي مع إيران وإدخالها في صراع مباشر، رأت أن إيران قد نقلت عمق المعركة إلى داخل الأراضي المحتلة دون أن تتعرض هي نفسها لأضرار مباشرة. ومن هذا المنطلق، صممت هجوماً هجومياً ضد أهداف داخل إيران، على أمل تقليص نطاق الصراع والتهديدات داخل عمق أراضيها.

ومع عدم الرد الفوري والسريع من إيران، اعتقد البعض أن الحسابات الإيرانية قد خلصت إلى عدم تقديم رد هجومي على إسرائيل في إطار العقيدة الدفاعية، رغم أن المسؤولين السياسيين الإيرانيين كانوا يتحدثون عن خطة للرد الإيراني. وقد ساهمت الأحاديث عن الهدنة في حرب لبنان في تعزيز هذه الفكرة، مما جعل البعض يعتقد أن الرد القوي من إيران ليس سوى تهديدات لفظية وأن القضية قد أُغلِقت. ومع ذلك، فإن تصريحات أعلى المسؤولين العسكريين الإيرانيين يوم أمس بشأن حتمية الرد الإيراني تشير إلى شيء مختلف.

اللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، أشار إلى الفرق في الأهداف بين عمليتي «الوعد الصادق» السابقتين، وقال: «الرد على إسرائيل تم التخطيط له بما يتجاوز تصورات قادة الكيان. ستضطر تل أبيب بالتأكيد إلى دفع الثمن الباهظ لانتهاك أرض إيران المقدسة».

إذا كانت عملية «الوعد الصادق 1» تهدف إلى إثبات إرادة وعزم إيران في الدفاع عن مصالحها الوطنية و«الوعد الصادق 2» إلى إثبات القدرات العسكرية والهجومية، فإن العملية الجارية «الوعد الصادق 3» تركز على العنصر الأهم وهو المفاجأة، وما يترتب عليه من إعادة فرض الردع في معادلة الصراع؛ وذلك مع الأخذ في الاعتبار الحفاظ على المصالح الإقليمية في إطار العقيدة الدفاعية.

هنا يتضح سبب تأخير إيران واحتفاظها بضبط النفس في الرد المباشر على الاعتداء الإسرائيلي على أراضيها، لتصبح الاستراتيجية والهدف الكامن وراء ذلك واضحين. وفقاً لتصريحات رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، يتضح أن إيران لم تكن في حالة من الركود، بل كانت تخطط لمفاجأة كبيرة من شأنها أن تكون نهاية للعبة كرة الطاولة.

رضا رئيسي
صحفي ومحلل سياسي

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + اثنا عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى