الكوميديا الشعبية تحكم قبضتها على السينما الإيرانية وتضع الإنتاجات الاجتماعية على المحك
فضل المسؤولون الثقافيون في حكومات أحمدي نجاد الترويج للكوميديات الشعبية بصفتها أفلام للتيار الرئيسي في السينما الإيرانية، مما دفع الإيرانيين إلى الإقبال على هذه الأعمال المبتذلة.
ميدل ايست نيوز: تظهر نظرة عابرة على موقع “سينما تكت” وهو أشهر موقع متخصص ببيع تذاكر السينما في إيران، أن قاعات السينما في هذا البلد لا تزال تحت هيمنة الأفلام الكوميدية الشعبية. ليس هذا فحسب، بل تقول الإحصائيات إن أكثر الأفلام السينمائية الإيرانية تحقيقاً للإيرادات كانت صاحبة الطابع “الكوميدي الشعبي”، ما يعني أنها الأفلام الوحيدة التي تضمن للراعي تحقيق الأرباح واكتساح دور العرض. الظاهرة هذه ليست وليدة السنوات الماضية، بل مضى عليها ما يقارب عقدين من الزمن، فمن أين بدأت؟
خلال العام الفائت الذي انتهى في شهر مارس وفق التقويم الإيراني، بلغ عدد تذاكر السينما المباعة 28 مليون تذكرة، حيث سيطرت الأفلام الكوميدية على المراكز الستة الأولى في ترتيب الإيرادات في شباك التذاكر داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وتستخدم العديد من الأفلام الكوميدية أسلوب السخرية كوسيلة لانتقاد هيمنة النظام السياسي في إيران على فئة الشباب بأسلوب غير مباشر.
ويحرص المخرجون على الامتثال للقيود التي تفرضها السلطات الإيرانية، ومع ذلك، لا يمنعهم هذا من تقديم نقد ساخر للقيم التي تروّجها الثقافة الرسمية، دون تجاوز الحدود التي قد تعتبر إساءة مباشرة لهذه القيم.
وتتقبل السلطات الإيرانية الأفلام الكوميدية بشكل عام، باعتبارها تساهم في تلبية احتياجات الجمهور، وفق ما يراه بعض الخبراء.
لماذا الكوميديا الشعبية؟
منذ تولي محمود أحمدي نجاد منصب رئاسة الجمهورية وحتى اليوم، أصبحت المساحة أكثر تضييقًا لإنتاج الأفلام الاجتماعية المؤثرة. إذ فضّل المسؤولون الثقافيون في حكومتيه التاسعة والعاشرة الترويج للكوميديات الشعبية باعتبارها التيار الرئيسي في السينما الإيرانية، مما دفع الإيرانيين نحو مشاهدة هذه الأعمال التي اعتُبرت سطحية ومبتذلة.
صحيح أن سياسة محمد حسين صفار هرندي (وزير الثقافة والإرشاد في حكومة أحمدي نجاد) قد باءت بالفشل، ولم تتمكن جهود المسؤولين السينمائيين مثل جواد شمقدري من تفريغ السينما الإيرانية بشكل كامل من الأفلام الاجتماعية المؤثرة، إلا أن هذه السياسات الثقافية تركت آثارها على المدى الطويل، ودفعَت السينما الإيرانية إلى حافة الهاوية.
وعُرف وزير الثقافة والإرشاد الإيراني الأسبق، بتوجهاته التي أثرت بشكل كبير على السينما الإيرانية في فترة توليه المنصب (2005-2009). حيث اتخذ العديد من الإجراءات التي كانت تهدف إلى تقليص مساحة الحرية الفنية في السينما الإيرانية وفرض رقابة مشددة على المحتوى.
وفي محاولة لتوجيه الجمهور نحو نوعية معينة من الأفلام، دافع صفار هرندي عن ترويج الكوميديا الشعبية باعتبارها الشكل السينمائي الرئيس الذي يجب أن يسيطر على السوق. كانت هذه الأفلام تهدف إلى الترفيه فقط، مما قلل من مساحة الإنتاجات السينمائية التي تهتم بالقضايا الاجتماعية والإنسانية.
وبهدف السيطرة على الإنتاج السينمائي، كان هذا المسؤول في حكومة أحمدي نجاد يروج للأفلام التجارية، مثل الأفلام الكوميدية التي تهدف إلى جذب جمهور واسع دون الخوض في مواضيع جادة، الأمر الذي قلل من تأثير السينما الإيرانية على المستوى الفني والثقافي وأدى إلى انحدار مستوى الإنتاجات السينمائية التي كانت تحمل رسائل قوية وهادفه.
وبعد مرور عشرين عامًا وتغيير عدة حكومات، لا تزال الكوميديات الشعبية هي التي تحدد المسار الرئيسي للسينما الإيرانية، حيث إن إيرادات الأفلام الأخرى ضعيفة إلى درجة أنها لا تُقارن إطلاقًا بالكوميديات المعروضة حاليًا.
كذلك، يعد ظهور المنصات الإلكترونية التي جعلت مشاهدة الأفلام والمسلسلات أسهل للجمهور الإيراني أحد الأسباب التي جعلت دور العرض السينمائي تحت سيطرة الكوميديات المبتذلة.
وللجمهور خيارات محدودة بسبب قلة عدد الأفلام الأجنبية المعروضة في دور السينما، إذ تخضع إيران لعقوبات دولية.
وتمكّن من مشاهدة أفلام لمخرجين إيرانيين عُرضت في الخارج ومنها “جدایی نادر از سیمین” (“انفصال نادر وسيمين”) لأصغر فرهادي الحائز جائزة أوسكار، و”متری شیش و نیم” (“المتر بستة ونصف”) لسعيد روستايي.
ولكن لم تتسنَ للجمهور فرصة مشاهدة ثلاثة أفلام أثارت إعجاب النقاد العالميين، هي “برادران ليلا” (“إخوة ليلى”) و”جنك جهاني سوم” (“الحرب العالمية الثالثة”)، و”شب، داخلی، دیوار” (“الليل، الداخلي، الجدار”).
الأجواء الاجتماعية والسياسية
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل هواة السينما في إيران يقبلون على الكوميديات الشعبية مثل “فسيل وتكساس و ديناميت” هو تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد والتعقيدات الاقتصادية التي أدخلت حياة الناس في متاهة من التحديات، لدرجة أن الطبقة الوسطى أعلنت أفولها، وأصبح المجتمع الإيراني مقسومًا فعليًا إلى فئتين: الفقراء والأغنياء.
تؤكد الدراسات السوسيولوجية على أن الطبقة الوسطى الحضرية تُعتبر أكبر مستهلك للسلع الثقافية، وأن أي مجتمع يتمتع بطبقة وسطى قوية سيكون مجتمعًا ثقافيًا متقدمًا. لكن ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في السنوات الأخيرة والتي أدت إلى تدهور الطبقة الوسطى في إيران بشكل حاد، أصبح أفرادها يركزون فقط على تأمين قوتهم اليومي، وتراجعت اهتماماتهم الثقافية والاجتماعية إلى حد كبير.