بين العقوبات والتفاوض.. إلى أين تتجه العلاقات بين إيران وأميركا؟

مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تزايدت التكهنات بشأن سياساته المقبلة تجاه إيران.

ميدل ايست نيوز: مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تزايدت التكهنات بشأن سياساته المقبلة تجاه إيران. فقد شهدت فترة رئاسته الأولى انسحابه من الاتفاق النووي واتباعه سياسة الضغط الأقصى، مما وضع الاقتصاد الإيراني تحت ضغط كبير وتسبب في تراجع حاد في صادرات النفط، وتقلبات في أسعار الصرف، وارتفاع معدلات التضخم، مما ألقى بظلاله الثقيلة على معيشة المواطنين واستقرار الاقتصاد في البلاد.

وبالمرور على تقارير وسائل الإعلام العالمية والتحليلات التي يتناولها عمالقة الصحافة، يمكن أن نطرح سيناريوان بشأن مستقبل العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. الأول “يؤكد على احتمال استمرار سياسة الضغط الأقصى من قبل إدارة ترمب تجاه إيران”، بينما يشير الثاني “إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق بين البلدين، مما قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات المفروضة على إيران”.

تتبنى حكومة إيران الحالية، برئاسة مسعود بزشكيان، نهجًا عمليًا يركز على رفع العقوبات وتهيئة الأرضية لتعزيز التعاون الدولي. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للطرفين أن يتعلما من تجارب الماضي ويتوجها نحو اتفاق بنّاء؟ أم أن السياسات المكلفة ستظل تحدد مسار العلاقات المستقبلية بين البلدين؟

السيناريوهان المحتملان للعلاقات بين إيران وأمريكا

قبل تولي دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة في ولايته الأولى، كانت الفرص المتاحة في الأسواق الإيرانية تجذب اهتمام بعض المستثمرين الأجانب. حيث تمكنت إيران من كسب ثقة العديد من الدول، ما أتاح لها إمكانية الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية من خلال تنفيذ إصلاحات إضافية على شتى الأصعدة، الأمر الذي مثل ضخ دماء جديدة في شرايين اقتصاد البلاد.

في ظل تلك الظروف، تراجع معدل التضخم إلى أرقام أحادية لأول مرة منذ سنوات، واكتسب الاقتصاد الكلي قدرًا من الاستقرار. لكن مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض عقوبات ثقيلة على إيران، تغير المشهد بالكامل بالنسبة للمستثمرين. فقد انسحبت العديد إن لم يكن جميع الشركات التي كانت نشطة في إيران وغادرت البلاد.

مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية لهذا العام 2024، تثار تساؤلات حول كيفية تعامل إدارته مع إيران. وبينما يعتقد بعض المراقبين أن سياسة ترمب تجاه إيران ستبقى كما كانت في ولايته الأولى، مستندة إلى مبدأ “الضغط الأقصى”، يرى آخرون أن الظروف قد تتغير بشكل جذري، مما يفتح المجال أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد بين الطرفين.

الأسبوع الماضي، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران وافقت على الامتناع عن تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من 90٪، وهي خطوة تعكس التزامًا إيرانيًا بتخفيف المخاوف العالمية بشأن احتمال استخدام هذه المواد لتصنيع أسلحة نووية. ومع ذلك، وبعد إدانة إيران من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعلنت طهران أنها ستزيد من عدد أجهزة الطرد المركزي في برنامجها النووي.

وعلى وقع هذا، يرى الخبراء أنه على الرغم من احتمالية أن يتبنى ترمب سياسة “الضغط الأقصى” مرة أخرى تجاه إيران، فإن إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد ليست مستبعدة. فقد تعلمت كل من إيران والولايات المتحدة دروسًا مختلفة من أحداث السنوات الماضية، وقد يكون الاحتمال الأكبر هو تجنب اتباع سياسات باهظة التكلفة للطرفين.

اقتصاد إيران ما بعد الاتفاق النووي

بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، واجهت صادرات النفط الإيراني تحديات كبيرة، حيث تصدرت صادرات النفط قائمة العقوبات الأمريكية. ونظرًا لاعتماد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على النفط، شكلت هذه القيود صدمة كبيرة للاقتصاد الوطني.

ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي في مايو 2015، شهدت صادرات النفط الإيرانية تقلبات كبيرة. ومع ذلك، ارتفع إنتاج النفط في إيران بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، ما ساعدها على تعويض جزء من خسائرها.

تُعد الصين واحدة من أبرز المشترين للنفط الإيراني في الوقت الراهن، ما يوفر لإيران شريان حياة اقتصادي. ومع ذلك، يعتقد البعض أنه في حال عودة استراتيجية “الضغط الأقصى” من قبل الولايات المتحدة، قد تتراجع صادرات النفط الإيراني مرة أخرى، ما يعيد إحياء الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات.

يواجه اقتصاد إيران حاليا تحديات متعددة تؤثر بشكل كبير على استقراره. فمثلا، أدت معدلات التضخم المرتفعة والمزمنة إلى تقليص القدرة الاقتصادية للشعب الإيراني بشكل ملحوظ. كما أن انخفاض قيمة الريال، وعجز موارد الطاقة (الكهرباء – البنزين – الغاز)، والعجز في الميزانية، وارتفاع هجرة العقول والنخب واليد العاملة من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الإيراني. في ظل هذه الظروف، يعتقد العديد من الخبراء أن رفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني هو خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي.

الاستعداد للمفاوضات

خلال المنافسات الانتخابية التي خاضها مسعود بزشكيان الذي فاز في انتخابات الرئاسة لهذا العام، كان يركز على ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية وتطبيع العلاقات الاقتصادية لإيران مع الدول الأخرى. كما أن التعيينات الحكومية وغير المسبوقة في الحكومة الرابعة عشر في الأشهر الماضية تشير إلى رغبة في إبرام اتفاقيات جديدة والابتعاد عن التوترات السياسية.

يقود اليوم عباس عراقجي، وزير الخارجية، فريق السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان. وقد كان له دور بارز في مفاوضات الملف النووي لعام 2015 وفي مفاوضات ما بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي. يمكن أن يشير وجوده في فريق السياسة الخارجية الواقعية في إيران إلى أن الأخيرة مهتمة برفع العقوبات. لكن حاليا من غير الواضح كيف ستكون سياسة إدارة ترمب تجاه إيران. ومع ذلك، يمكن القول إن إيران بحاجة إلى قناة يمكن من خلالها النفاذ إلى النظام المعادي لإيران الذي يدور حول ترمب. ومن هنا، تعد التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط من العوامل التي قد تعمل لصالح إيران.

في ولاية ترمب الأولى، كان بإمكان أمريكا أن تعتمد على تعاون السعودية والإمارات في فرض أقصى ضغوط على إيران. لكن طهران أنهت القطيعة وحسنت علاقاتها مع الرياض في 20 نوفمبر من العام الجاري، حيث وقعّت الدولتان اتفاقًا ثنائيًا في بكين بوساطة عربية.

وعلى ضوء هذا، يظل مستقبل العلاقات بين إيران وأمريكا في حالة من الغموض، الذي لن ينتهي ما لم يختر طريقا بين السياسات المكلفة أو الاتفاقات البناءة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى