من الصحافة الإيرانية: إلى أين يتجه أردوغان؟
اندلاع شرارة الحرب في سوريا ليست مسألة يمكن لروسيا وإيران أن يتجاهلاه ببساطة، فلا يمكن لإيران أن تسمح بسقوط حكومة بشار الأسد لأنها تعتبر ذلك تهديدًا لعلاقاتها مع حزب الله ومحور المقاومة.

ميدل ايست نيوز: بعد من مرور أكثر من عام على التجاوزات والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق سكان غزة ولبنان، أوقفت إسرائيل أخيرا تحت الضغوطات السياسية والقانونية آلية القتل واتفق طرفا النزاع – حزب الله وإسرائيل – على وقف إطلاق النار. مع ذلك، لم تتشكل بعد بارقة أمل في تحقيق السلام والهدوء في المنطقة لتظهر فجأة مرة أخرى صور لجماعات مسلحة في الشرق الأوسط على شاشات الإعلام العالمية، نعم، مرة أخرى في سوريا!
ووفقًا للتقارير واللقطات المنتشرة حتى وقت كتابة هذه المادة، فقد تم الاستيلاء على محافظتي حلب وإدلب ومدينة خان طومان من قبل الجماعات المسلحة المعادية للحكومة السورية، وتدور الاشتباكات بين الجيش السوري المدعوم من روسيا وهذه الجماعات في تلك المناطق.
بالتدقيق في خريطة سوريا والموقع الجغرافي لمحافظتي إدلب وحلب اللتين تقعان على الحدود مع تركيا، وكذلك من خلال التدقيق في اللقطات التي نشرتها الجماعات المسلحة والتي تظهر فيها بعض الأسلحة المصنوعة في تركيا أو أعلام تركيا، بالإضافة إلى التصريحات المتعددة الأوجه لوزارة الخارجية التركية بشأن الأحداث في جارتها سوريا، والتحذيرات الصريحة من الكرملين للحكومة التركية بشأن الاشتباكات في سوريا، يمكن الادعاء بأن حكومة أردوغان تقف وراء هذه التحركات العسكرية في سوريا.
احتلال محافظتي إدلب وحلب لمدة شهرين، قبل كل شيء، هو استعراض لقوة أردوغان في المنطقة، حيث أن الخطوة الأولى تأمن الحدود الجنوبية لتركيا من اعتداءات القوات الكردية، وهو ما لم يتمكن أردوغان من تحقيقه من خلال المفاوضات مع الأسد. في الخطوة التالية، يعمد أردوغان إلى قطع الاتصال اللوجستي بين إيران ومحور المقاومة، وخلق صراعات داخلية وضغط على حكومة الأسد المقربة من طهران، لإرسال إشارات إيجابية لإسرائيل من أجل استئناف العلاقات وتطبيعها مع الحكومة الإسرائيلية بعد نتنياهو.
توقع أردوغان بشكل دقيق أنه في حال استمرار وقف إطلاق النار، فإن نهاية الصراع ستتزامن مع نهاية نتنياهو وبدء ولاية ترامب، الذي كان قد تبنّى خلال حملاته الانتخابية شعار تجنب الحرب، ومن خلال خبرته السابقة، يظهر ميلاً للعمل دون تحميل الولايات المتحدة تكلفة مباشرة، بل من خلال تفويض الأدوار للآخرين لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، من أفضل من تركيا للقيام بهذا الدور في الشرق الأوسط، والتي تعتبر صديقة لإسرائيل، ولها علاقات متوازنة مع إيران وروسيا والدول العربية، وتستطيع أن تؤدي دور “شرطي” المنطقة لصالح الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت أن تكون قوة إقليمية تلعب دورًا محوريًا في المنطقة.
وأمام روسيا التي اعتبرت سوريا جزءًا من مناطق نفوذها بعد مرحلة ما بعد داعش، نجدها الآن، بالتزامن مع الحرب في أوكرانيا، تواصل دعم الجيش السوري وتقاتل الجماعات المسلحة هناك. في نفس الوقت، يدرك الكرملين نوايا أنقرة، لذلك أصبح أكثر تشددًا في تهديد تركيا بشكل مباشر، في محاولة ربما لوضع حاجز أمام طموحات أردوغان في المنطقة.
اندلاع شرارة الحرب في سوريا ليست مسألة يمكن لروسيا وإيران أن يتجاهلاها ببساطة، فلا يمكن لإيران أن تسمح بسقوط حكومة بشار الأسد لأنها تعتبر ذلك تهديدًا لعلاقاتها مع حزب الله ومحور المقاومة، بينما ترى روسيا في ذلك تهديدًا لتوسيع نفوذ الغرب والولايات المتحدة في المنطقة. لذا، يبقى السؤال حول مصير طموحات أردوغان في المنطقة. فهل كما توقع الأخير بأن ترامب سيسند هذا الدور إليه، أم أن ترامب يسعى لنهج آخر؟ نهج قد يشمل السعي لتحقيق السلام في أوكرانيا، والتفاوض مع موسكو، ووضع الصين في حالة اقتصادية صعب، وربما حتى التفاوض مع إيران.
علي أصغر بصيري جم
خبير كبير في العلاقات الدولية