إيران تخسر بوابة الشام الاستراتيجية مع سقوط الأسد
بسقوط نظام بشار الأسد في سورية، تلقت إيران ضربة استراتيجية بخسارتها أحد أكبر حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط وفي "محور المقاومة".
ميدل ايست نيوز: بسقوط نظام بشار الأسد في سورية، تلقت إيران ضربة استراتيجية بخسارتها أحد أكبر حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط وفي “محور المقاومة”، بعد علاقة دامت لأكثر من أربعة عقود منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979.
لذلك، فإن تداعيات سقوط الأسد أكبر من أبعادها الشتى في الداخل السوري، وستكون له ارتدادات وتبعات قوية ومتعددة الجوانب على التجاذبات والاصطفافات وموازين القوة في المنطقة بين إيران وقوى إقليمية ودولية معادية لها، مثل إسرائيل وأميركا، أو منافسة لها مثل السعودية وتركيا، خصوصاً الأخيرة، وهي جارتها الغربية، التي باتت اليوم صاحبة اليد العليا في سورية لقرب المعارضة السورية منها.
بعد سقوط الأسد التزم الجانب الإيراني الصمت لساعات قبل أن تصدر الخارجية الإيرانية بياناً أكدت فيه على مفردات عامة، مثل ضرورة احترام وحدة سورية وسيادتها الوطنية وسلامة أراضيها والتأكيد على حق تقرير المصير للشعب السوري حول مستقبله “من دون تدخل أجنبي مدمر”.
كما دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، مساء أول من أمس الأحد، في اجتماع للحكومة الإيرانية، لضرورة إطلاق الحوار بين مختلف شرائح المجتمع السوري، وإنهاء الاشتباكات المسلحة والعنف بأسرع وقت ممكن. وشدد بزشكيان على أن الشعب السوري “يجب أن يقرر بشأن مستقبل بلاده ونظامها السياسي وحكومته”، فضلاً عن التأكيد على أهمية الحفاظ على الأماكن المقدسة والمقرات الدبلوماسية.
ولفت الرئيس الإيراني أيضاً إلى أن بلاده ستواصل مشاوراتها الدبلوماسية مع الأطراف المعنية والأمم المتحدة، لاستقرار الأوضاع في سورية والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها.
إيران في سورية بعد سقوط الأسد
وبرز أمس الاثنين، ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤول إيراني كبير لم تسمه، قوله إن طهران فتحت قناة مباشرة للتواصل مع فصائل في القيادة الجديدة في سورية. وأضاف المسؤول أن هذا يمثل محاولة “لمنع مسار عدائي” بين البلدين.
وعن تغيير السلطة في دمشق، قال ثلاثة مسؤولين إيرانيين لـ”رويترز” إن الأمر لا يدعو للذعر وإن طهران ستتبع السبل الدبلوماسية للتواصل مع أشخاص، وصفهم أحد المسؤولين بأنهم “داخل الجماعات الحاكمة الجديدة في سورية الذين تقترب آراؤهم من (وجهات نظر) إيران”.
وقال مسؤول إيراني ثان إنّ “القلق الرئيسي بالنسبة لإيران هو ما إذا كان خليفة الأسد سيدفع سورية للدوران بعيداً عن فلك طهران… هذا السيناريو تحرص إيران على تجنبه”.
وقال أحد المسؤولين إن حكام إيران منفتحون على التعامل مع القادة السوريين الجدد. وأضاف “هذا التواصل مفتاح لاستقرار العلاقات وتجنب مزيد من التوترات الإقليمية”.
إلى ذلك، أحدث سقوط الأسد صدى متباينا في الداخل الإيراني، فقد رحبت به أوساط إصلاحية ومعارضة هاجمت الدولة لدعمها الأسد، مع التذكير بالقتلى الإيرانيين في سورية أو ما يعرفون في الأدبيات الإيرانية بـ”حرّاس الحرم” (أي مزارين مقدسين للشيعة هناك)، وحديثها عن أن “دماءهم ذهبت سدى”، ما دفع بعض زوجات هؤلاء “الحراس” القتلى إلى إصدار بيان أكدن فيه أن “دماءهم لم تذهب هدراً لأنهم عملوا لله”، ونددن بـ”أي هجوم على قادة جبهة المقاومة”، وتحدثن عن شن عملية نفسية إسرائيلية وأميركية لـ”إحداث فتن داخلية وإقليمية معقدة”.
وفيما تنتشر مخاوف داخل إيران من احتمال وقوع اضطرابات على خلفية التطورات في سورية، قال رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلامحسين محسني إيجئي، أمس الاثنين، إنه “يمكن أن يسعى العدو إلى خلق اضطرابات ويمكن أن تزداد الشيطنة هذه الأيام، والمتآمرون يقصدون إحداث اضطرابات ومشاكل، من خلال عملية نفسية ونشر الأكاذيب عبر الفضاء الافتراضي ومختلف المنابر”، وفق وكالة فارس الإيرانية المحافظة.
في السياق، يخيم غضب كبير على الوسط المحافظ وكذلك أوساط إصلاحية أيضاً، وسط اتهامات محافظة للحكومة الإصلاحية الإيرانية بالتقصير في دعم الأسد وترك جبهة المقاومة أمام أعدائها. وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، هبت طهران بكل ثقلها والمجموعات المتحالفة معها من عدة جنسيات، للدفاع عن النظام السوري والإبقاء على بشار الأسد حاكماً في سورية، بحجتي الدفاع عن الحرمين الشيعيين (السيدة زينب والسيدة رقية في دمشق) والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، ونجحت مع روسيا في الحفاظ على الحليف المشترك. لكن بعد إطلاق المعارضة السورية عملية “ردع العدوان” منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي غاب الدعم الإيراني للأسد ولم تتدخل طهران في دعمه إلا في تصريحات إعلامية، ما أثار تساؤلات وعلامات استفهام حول السبب الذي عزاه البعض إلى انشغال إيران وحلفائها في المواجهة مع إسرائيل وحالة حزب الله وفقدانه كثير من قادته وقواته في الحرب الأخيرة.
إلا أن القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني، حسين كنعاني مقدم قال إن الأسد خلال الفترة الماضية بعد اقترابه من أنظمة عربية دعته إلى الابتعاد عن إيران مقابل مساعدات وأموال، أصبح “متردداً في تنفيذ التزاماته تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر الذي تسبب له بمشكلات اقتصادية جادة فضلاً عن خسارته الدعم الإيراني”، عازياً أحد أسباب سقوط الأسد إلى ابتعاده عن إيران وسياساتها في المنطقة.
في السياق، كشفت مصادر إيرانية مطلعة لـ”العربي الجديد” عن أن الأسد خلال الأشهر الأخيرة كان يطالب طهران بـ”تقليص القوات الإيرانية على الأراضي السورية”، مشيرة إلى أن هذا التوجه الذي أصبح يتخذه الأسد ومواقفه “الباهتة الغائبة” منذ العدوان على غزة ثم لبنان “شكّلا مصدر قلق لإيران”.
سورية كانت لإيران “أكثر من “رأس مال استراتيجي قيّم”، وفق الخبير الإيراني صلاح الدين خديو، الذي أكد أنها “كانت عموداً رئيسياً لما يوصف بمحور المقاومة وبوابة دخول إيران إلى الشرق الأوسط العربي”.
وأضاف خديو في حديث لـ”العربي الجديد” أن إيران خسرت هذه البوابة ورأس المال هذا بسقوط نظام الحكم في سورية، مشيراً إلى أن “هذا السقوط يشكل لحظة استثنائية في تاريخ المنطقة، حيث ستقلب المعادلات الموجودة وستؤسس لشرق أوسط جديد”.
وأوضح أن سقوط النظام السوري “أكثر من تغيير وتبعاته ستطاول جميع قوى الشرق الأوسط وربما تتجاوزها أيضاً”، لافتاً إلى أن “العاصمة السابقة للخلافة الأموية كانت تقع في مركز الهلال الشيعي، ما اعتبره البعض بفخر إعادة بناء إمبراطوريات إيرانية تاريخية في صورة حديثة”.
وأشار إلى أن إيران استفادت من مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق و”سيطرت بشكل غير رسمي على بغداد، لكن الفتح يبقى غير مكتمل من دون دمشق لتصل إيران ببيروت وجبل عامل (جنوب لبنان)”، وموضحاً أن “هذا هو الشرق الأوسط الذي يراد تغييره”.
من جهته، رأى الخبير الإيراني في الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية، هادي برهاني لـ”العربي الجديد”، إن “سقوط الأسد في سورية إن لم يكن بمثابة كارثة جيوسياسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية فإنه يمثل خسارة كبيرة لها”، مشيراً إلى أنها “حاولت خلال سنوات طويلة الحفاظ على نظام الأسد في سورية، وتحملت تكاليف مالية وبشرية وسياسية هائلة وصرفت مليارات دولارات في سورية وقُتل وأصيب الآلاف من القوات الإيرانية في جبهات الحرب في سورية”.
وأضاف برهاني أن إيران “لم تقم بعمل جاد” أمام موجة الهجمات الأخيرة للفصائل المسلحة المقاتلة في سورية و”حاولت عبر تركيا خفض خلافاتها مع هذه الفصائل”، مشيراً إلى أن “هيئة تحرير الشام وقائدها أبو محمد الجولاني أيضاً قد أبديا ضوءاً أخضر لعلاقات عادية واستراتيجية مع إيران”، في إشارة إلى ما قال الجولاني قبل سقوط الأسد في مقابلته الأخيرة مع قناة “سي إن إن” الأميركية، حيث دعا إيران إلى مراجعة علاقاتها مع سورية وأن تصطف إلى شعبها وترك دعم النظام و”بإمكانها أن تنشئ علاقات استراتيجية بطريقة صحيحة”.
مشكلات محور الممانعة
وتابع برهاني أن “الدعم الإيراني للأسد سيلقي بظلاله على العلاقات بين النظام السوري الجديد وإيران”، مؤكداً أن طهران “قلقة على أمن الشيعة السوريين وعتباتهم المقدسة في دمشق (مقاما السيدة زينب والسيدة رقية) والتواصل مع حزب الله اللبناني”، مستبعدا توجه القادة الجدد في سورية نحو الانتقام من إيران.
وتوقع أن تنتهج “هيئة تحرير الشام” نموذج سياسة “طالبان” بعد سيطرتها على الحكم عام 2021 و”اتباعها سياسة معتدلة وعقلانية، كما أن الدور التركي يشكل عاملاً مساعداً في ذلك”، مضيفا أن القادة الجدد في سورية سيجدون أنفسهم قريباًَ أمام معضلة الاعتداءات الإسرائيلية، من دون أن يستبعد أن تؤسس “هذه المشكلة المشتركة لتعاون بين الحكومة السورية الجديدة وإيران وحزب الله”.
غير أن برهاني توقع ألا يبقى محور المقاومة بشكله السابق المعهود في المنطقة، مشيراً إلى أن أعضاءه من غزة إلى لبنان وسورية واليمن والعراق أصبحوا يواجهون “مشكلات جادة ما أفقد دورها في المحور مثل السابق”، موضحاً أن سورية التي كانت همزة وصل بين إيران ولبنان أصبحت خارج معادلة محور المقاومة بعد سقوط الأسد و”العراق أيضاً يتوقع أن يميل إلى الدول العربية بعد هذا السقوط”.
ولفت برهاني إلى أن التطورات الأخيرة في المنطقة أيضاً “تلحق ضربة صعبة بمؤيدي فكر محور المقاومة في داخل إيران وداعمي الحضور العسكري في المنطقة”، متوقعاً أن تخسر هذه القوى “موقعها السابق داخل إيران مما يعزز التيار المنافس المتمثل اليوم في حكومة الرئيس مسعود بزشكيان، الداعمة للعمل السياسي مع دول المنطقة وحل الخلافات معها وتوسيع التعاون مع الدول العربية وتعزيز التضامن الإسلامي”.
وطُرحت تساؤلات جادة حول مصير محور المقاومة، بعد ما آل إليه الوضع لحزب الله في لبنان إثر الحرب الإسرائيلية وسقوط الأسد، لكن الحكومة الإيرانية باتت تقلل من أهمية الحديث عن انتهاء “محور المقاومة” بسقوط الأسد، مشيرة إلى أنها غير واثقة ما إن كانت سورية ستخرج عن مسار المقاومة.
وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، مساء الأحد، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني: “لست متأكداً إن كانت سورية ستخرج عن طريق المقاومة”، معتبراً أنها كانت قد أدت دوراً “مهماً في دعم المقاومة لكن ليس الأمر أن المقاومة من دون سورية ستتوقف”.
وأضاف أن “المقاومة ليست رهينة الطريق البري، فهل هناك تواصل بري مع اليمن وغزة؟ المقاومة تفتح طريقها وتؤمن سلاحها”، مشدداً على أن حزب الله لديه ما يكفيه من الأسلحة لسنوات، وحذر من اتساع المواجهات في المنطقة بعد سقوط النظام السوري.