صاروخ اليمن يفسد على إسرائيل نشوتها

يفسد اليمن بصواريخه ومسيّراته التي يطلقها من بعيد نحو تل أبيب الكبرى ومناطق أخرى في إسرائيل نشوة النصر التي يشعر بها قادتها خصوصا بعد سقوط النظام السوري.

ميدل ايست نيوز: يفسد اليمن بصواريخه ومسيّراته التي يطلقها من بعيد نحو تل أبيب الكبرى ومناطق أخرى في إسرائيل نشوة النصر التي يشعر بها قادتها خصوصا بعد سقوط النظام السوري.

ورغم تباهي نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس بصورتهما فوق جبل الشيخ السوري وإشهار سعيهما لبناء شرق أوسط جديد، فإن الصواريخ -يمنية كانت أو منطلقة من العراق- صارت تنغص عليهما ادعاء النصر الكبير.

وما يزيد الطين بلة في نظر القيادة الإسرائيلية ليس مجرد اضطرار ملايين في تل أبيب الكبرى لدخول الملاجئ وإنما فشل منظومات الدفاع الإسرائيلية المتنوعة في اعتراضها.

كل صاروخ يمني يفلح في الوصول إلى هدفه يعني تعميقا للفشل في اعتراضه من جهة والعجز عن خلق قدرة ردعية لمنع إطلاق مثل هذه الصواريخ رغم الغارات التي تشنها هي وعدد من الدول الغربية.

اعتراف

وهكذا وبعد يومين فقط من تباهي الجيش الإسرائيلي بعملية “المدينة البيضاء” لشل موانئ اليمن وضرب العاصمة صنعاء، جاء رد اليمن بإطلاقات متتالية على مدار يومين.

وخلافا للمرة الأولى قبل 3 أيام التي أعلن فيها الجيش عن اعتراضه الصاروخ اليمني واضطراره لاحقا للاعتراف بالعجز بعد أن دمر رأس الصاروخ مدرسة، أعلن فجر اليوم عن فشل اعتراضاته وسقوط الصاروخ في يافا وإصابة ما لا يقل عن 30 مستوطنا.

وأقر الجيش الإسرائيلي بأنه بعد اكتشاف الصاروخ اليمني جرت عدة محاولات اعتراض فاشلة من منظومة “حيتس”. كما فشلت محاولة اعتراض الصاروخ أيضا بمنظومة القبة الحديدية ما دفع قيادة الجيش لفتح تحقيق في أسباب الفشل.

ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن سكان المنطقة التي سقط فيها الصاروخ قولهم إن الصاروخ سقط قبل أن تطلق صفارات الإنذار.

وفعليا، أدخل الصاروخ اليمني ملايين من سكان غوش دان إلى الملاجئ والغرف “الآمنة” في مناطق واسعة امتدت من تل أبيب، إلى اللد، ورحوفوت، وموديعين مكابيم ريعوت، وريشون لتسيون، وبئر يعقوب، ونيس تسيونا.

كما أدخل إلى الملاجئ أيضا سكان الرملة، وأور يهودا، وحولون، ويهود مونسون، وشوهام، وجيديرا، ويفنه، وكذلك كريات أونو، وسافيون، وبات يام، وبني براك، ورمات غان، وجفعات شموئيل، وبيتاح تكفا وجفعتايم.

تغريدة حوثية

وكمن يرش الملح على الجرح غرّد قيادي من أنصار الله يدعى حزام الأسد باللغة العبرية: “لم تعد هناك فائدة في أنظمة الاعتراض التي تكلف مليارات الدولارات، فشل جميع أنظمة الدفاع الإسرائيلية يعني أن عمق العدو الصهيوني لم يعد آمنا”.

وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية قد أغارت بعشرات الطائرات على اليمن للمرة الثالثة منذ بدء الحرب، وقد استهدفت الغارات موانئ ومنشآت نفطية ومحطات توليد الطاقة.

ولكن نظرة واحدة إلى عدد الغارات الإسرائيلية المحدودة على مدى أكثر من عام من المساندة اليمنية لمظلومية غزة تظهر صعوبة القيام بذلك باستمرار.

فالمسافة التي تقطعها الطائرات الإسرائيلية للوصول تبلغ حوالي 2000 كيلومتر وهي تحتاج إلى جهد كبير لتحقيق ضرر كبير في البنى التحتية اليمنية بشكل يقود إلى ردع اليمنيين.

وربما أنه بسبب طول المسافة ومصاعب أخرى اعتمدت إسرائيل على الضربات التي ينفذها الطيران الأميركي والبريطاني.

وبسبب الفشل الإسرائيلي المتكرر في اعتراض الصواريخ والمسيّرات اليمنية أو ردع الحوثيين عن مواصلة عملياتهم كتب المراسل العسكري لـ”معاريف” آفي أشكنازي أن هذه “الليلة أثبتت أكثر من أي شيء آخر: إسرائيل لا تعرف كيف تواجه اليمن”.

وأوضح أن “علينا أن نقول بصوت عال: إسرائيل غير قادرة على مواجهة تحدي الحوثيين من اليمن. لقد فشلت إسرائيل في مواجهة الحوثيين من اليمن. لقد استيقظت إسرائيل متأخرة جدا في مواجهة التهديد القادم من الشرق”.

وبحسب أشكنازي فإنه “منذ أكثر من عام، ألحق الحوثيون من اليمن أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الإقليمي بشكل عام، وبالاقتصاد الإسرائيلي بشكل خاص. إن إغلاق حرية الملاحة في بحر العرب من قبل الحوثيين هو حدث خاضت إسرائيل من أجله حرب الأيام الستة في الماضي”.

ويضيف “أطلق الحوثيون 201 صاروخ وأكثر من 170 طائرة دون طيار متفجرة على إسرائيل منذ بداية الحرب، وتم اعتراض معظم الصواريخ والطائرات دون طيار من قبل الأميركيين والقوات الجوية والبحرية”.

ويؤكد “لم تكن إسرائيل مستعدة استخباراتيا وسياسيا لمواجهة تهديد الحوثيين من اليمن. ولم تشكل تحالفا إقليميا لمواجهة التهديد الذي يضر اقتصاديا بمصر والأردن وأوروبا”.

وليس أشكنازي وحده من يعتبر غارات إسرائيل على اليمن أقرب إلى العلاقات العامة منها إلى الرد الرادع الذي يخلق ردعا هناك.

فهناك المعلق العسكري في “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي يقر كذلك بأنه رغم تكبيد الغارات الإسرائيلية قبل 3 أيام اليمنيين خسائر كبيرة، فليس فيها ما يردعهم عن مواصلة إطلاق الصواريخ.

الأسوأ

وشدد على أنه “لسوء الحظ، يمكن بالفعل تقدير أن عملية “المدينة البيضاء” التي قام بها سلاح الجو لن تردعهم ولن تضر بقدرتهم ونواياهم في مواصلة إطلاق الصواريخ والطائرات دون طيار باتجاه إسرائيل.

والأسوأ من ذلك، أنه من المتوقع أن يستمر الحوثيون أيضًا في إلحاق الضرر بالشحن التجاري والعسكري العالمي في البحر الأحمر وكذلك استمرار الأضرار الاقتصادية الهائلة التي لحقت بإمدادات الطاقة والتي تسبب فيها الحوثيون لأكثر من عام.

وشدد على وجوب عدم انتظار التوصل إلى اتفاق في غزة وضرورة طلب المساعدة من الأميركيين في ظل الأمل بأن تولي الرئيس ترامب الحكم “يمكن أن يغير النهج الأميركي الشامل”.

ويعتقدون في الجيش الإسرائيلي أنهم أغفلوا اليمن وأن عليهم حاليا بلورة طرق جديدة للمواجهة هناك. فاستمرار اليمن بإطلاق الصواريخ بعد ما كثر الحديث عن انهيار محور المقاومة ينقل اليمن من هامش الصراع إلى مركزه. وإيران في قلب المعادلة اليمنية حيث إنها في نظر إسرائيل المزود والمطور لهذه الصواريخ والمسيّرات.

وثمة أهمية كبرى لملاحظة التحسينات التي أدخلت على الصواريخ الباليستية والتي قادت حتى الآن على فشل صواريخ حيتس في اعتراض 3 صواريخ من اليمن وصاروخ من لبنان.

ومثل هذا الفشل يعني ليس فقط إصابات وضررا معنويا وإنما يعني كذلك خسائر مادية جراء كساد هذه المنظومات والعجز عن بيعها لدول مختلفة. كما أن الفشل يعني اضطرار ملايين الإسرائيليين للهرب نحو الملاجئ والغرف المحمية عند سماع صفارات الإنذار.

لا جدوى

ويحذر معلقون عسكريون في إسرائيل من مغبة مواصلة السكوت عن الخطر الصاروخي اليمني ووجوب توجيه الجهود نحو إزالة هذا الخطر بالاعتماد ليس فقط على سلاح الجو وإنما أيضا على الغواصات والسفن الحربية الإسرائيلية.

وفي نظر البعض فإن قصف خزان وقود أو زوارق في موانئ اليمن يشبه قصف الكثبان الرملية في غزة كما كان يحدث في الماضي. وطبعا هذا يتطلب تغيير إستراتيجية العمل ضد “أنصار الله” عسكريا وسياسيا واستخباريا بما في ذلك اللجوء لاغتيال شخصيات يمنية وازنة في المجالين العسكري والسياسي.

وهكذا كتب العميد احتياط، تسفيكا حايموفيتش في “إسرائيل اليوم” عن الحاجة إلى “استعداد عملياتي مختلف” إزاء اليمن.

وأشار إلى أنه “في الحرب متعددة الساحات التي تخوضها إسرائيل منذ أكثر من 14 شهرا تحطمت الكثير من الحدود، وبينها لأول مرة مواجهة متوازية مع 7 ساحات قتال، مواجهة مباشرة مع إيران وإطلاق نار من المسافة الأبعد نحو إسرائيل (اليمن نحو 2000 كيلو متر)”.

ولفت إلى أنه “في محاولة لإغلاق قسم من ساحات القتال (لبنان)، لاستغلال واقع محلي في ساحة أخرى (سوريا) ومحاولة العمل على إنهاء قتال وإعادة 100 من المحتجزين لدى حماس (غزة) بقينا مع ساحتين بعيدتين: الحوثيين في اليمن والمليشيات الشيعية في العراق”.

وأكد أن “هاتين الساحتين تتحديان إسرائيل بشكل دائم، إذ كل بضعة أيام نشهد إطلاق صاروخ بعيد المدى من اليمن، مثلما حصل قبل بضعة أيام وأمس أيضا. وبشكل متواتر أكثر يتم إطلاق مسيّرات كل بضعة أيام من الشرق ومن الجنوب أيضا”.

واعتبر حايموفيتش أن إيران بعد أن فقدت عدة أوراق في لبنان وغزة وسوريا “يحتمل أن نشهد هذه الأيام تبادلا للأدوار وتبلور مفهوم جديد، بموجبه ستحقق الساحات الأبعد كاليمن والعراق رؤية الطوق الناري الجديد لإيران ضد إسرائيل”.

ولذا طالب بتغيير نظرية القتال لأن الإغارة على مسافة 2000 كيلومتر تختلف جذريا عن غارات على بُعد 100 أو 200 كيلومتر. فمفهوم الوكلاء البعيدين يتطلب ردودا واستعدادا من نوع آخر يفرض تعديل مفهوم الدفاع عن الحدود في مواجهة ساحات بعيدة.

نقص المعلومات

ورغم ذلك تحاول إسرائيل منذ بداية الحرب إشاعة أن الحوثيين يشكلون خطرا ليس فقط عليها وإنما أيضا على مصر والتجارة العالمية. وأنهم بخلاف القوى الأخرى يريدون حاليا أن يثبتوا أنهم لا يزالون يقفون على أرجلهم بانتظار بلورة اتفاق مع غزة.

ولكن معلقا مثل رون بن يشاي يعترف في “يديعوت أحرونوت” بأنه يبدو أنه لا إسرائيل ولا أميركا تمتلكان معلومات استخبارية دقيقة عن اليمن.

ويقول إن “المعلومات الاستخبارية الدقيقة عن مواقع إطلاق وإنتاج الطائرات دون طيار والصواريخ في أيدي الحوثيين شرط أولي وضروري لتدمير القدرات العسكرية للجيش الإرهابي، لكن على ما يبدو أن القيادة المركزية الأميركية، وربما إسرائيل أيضا، ليس لديها ما يكفي من المعلومات الاستخبارية”.

جهد ووقت

ويعترف بأن “جمع المعلومات الاستخبارية على مثل هذه المسافات يتطلب جهدا وطنيا كبيرا، وهو الأمر الذي يبدو أن الأميركيين لا يرغبون في القيام به. ولدى إسرائيل موارد محدودة يمكن تخصيصها لجمع المعلومات الاستخبارية من مثل هذه المسافة”.

ويضيف أن “العنصر الثاني الذي يجعل من الصعب ضرب الحوثيين هو المسافة. كل عملية، حتى لو كانت عملية صغيرة نسبيا مثل العمليات التي نفذتها إسرائيل 3 مرات في اليمن، تحتاج إلى طائرات للتزود بالوقود وطائرات مراقبة وجمع معلومات استخباراتية وتخطيط معقد، والعديد من العناصر الأخرى اللازمة لعملية عن بُعد، خاصة إذا كانت الأهداف متفرقة في وسط اليمن”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى