إيران ومجلس التعاون: صراع النفوذ في الشرق الأوسط بين العقوبات والمنافسة
رغم خضوع إيران للعقوبات الأمريكية إلا أنها تتنافس منذ عقود مع دول مجلس التعاون على توسيع نفوذها في الشرق الأوسط.
ميدل ايست نيوز: رغم خضوع إيران للعقوبات الأمريكية إلا أنها تتنافس منذ عقود مع دول مجلس التعاون على توسيع نفوذها في الشرق الأوسط. إذ تمكن الممولون والأطراف التجارية الإيرانية من إنشاء شبكة اقتصادية معقدة أساسها في الدول الصديقة، مما سمح لطهران بالالتفاف على الدول الغربية التي كانت تسعى لتقييد هذه الشبكة وفرض العقوبات عليها.
تدعي بعض التقارير التي أوردتها وسائل إعلام عالمية كبيرة مثل مجلة “الإيكونوميست” أن هذه الشبكة كانت تشمل بيع الأسلحة إلى روسيا والحصول على عائدات بيع النفط إلى الهند والصين. وظلت الأوضاع كما هي دون اضطراب حتى السابع من أكتوبر 2023، أي قبل الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل والرد الإسرائيلي على ذلك ما تسبب بدخول المنطقة في دوامة من الفوضى والدمار والأحداث. لكن اليوم، يبدو أنه نتيجة للتطورات التي حدثت بعد السابع من أكتوبر، من المحتمل أن تكون السعودية والإمارات وتركيا هي الفائزة في الميدان الحالي، حيث تسعى هذه الدول لاستعادة التجارة والنفوذ المفقود.
واعتمدت إيران للالتفاف على العقوبات على العديد من سلاسل الإمداد التي كانت تستخدمها لنقل الأموال والسلع إلى الخارج، والتي كانت تتم عبر حلفاء إيران (بشكل قانوني) وكذلك الدول الوسيطة.
ومن هنا، كانت مختلف الدول المهمة في المنطقة، بما في ذلك الدول العربية في الخليج وتركيا، تتمتع دائماً بمجال اقتصادي أوسع وأكثر حرية للنشاط، مما يمكنها من الحصول على خيارات أكثر لمرور السلع والشحنات، حتى في حالة حدوث اضطرابات ناتجة عن الحرب أو أي خلل في هذه الممرات. لكن التجارة والمصارف والمساعدات الإيرانية، التي تعتبر العمود الفقري لتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، أصبحت أكثر عرضة للتهديد لأنها تضطر للعمل بشكل غير علني لتجنب العقوبات الدولية.
على سبيل المثال، في مجال التجارة، كانت مدينة حمص في وسط سوريا مركزاً تجارياً لتجارة السلع الإيرانية التي تخضع للقيود الأمريكية. إذ يزعم مسؤول أمريكي أن الشركات الإيرانية كانت تستطيع نقل كميات كبيرة من السلع عبر سوريا، حيث كانت سوريا تمثل لإيران طريقاً لنقل المنتجات الكيميائية والأجزاء الميكانيكية. وكان المشترون الرئيسيون لهذه المنتجات دولاً مثل روسيا وبيلاروسيا وحتى بشار الأسد نفسه. لكن اليوم، يجب على إيران البحث عن عملاء جدد وطرق وصول إليهم.
لكن وفقا لما ورد في التقرير المطول لتلك المجلة، فإن فقدان رجال الأعمال والتجار والمستثمرين في دمشق وبيروت يشكل أيضاً مشكلة كبيرة. مع خضوع البلاد للعقوبات الأمريكية، فإن نصف إيرادات إيران من تصدير النفط يتم تأمينها خلال عام عادي. ويتم تحويل المدفوعات عبر سلسلة من البنوك المرتبطة ووكالات الصرافة الصغيرة المسجلة كحلفاء دوليين. من بين هذه الطرق كان استخدام داعمي حزب الله خارج لبنان، الذين كانوا يستقبلون أموال النفط الإيراني من دول مختلفة، من تركيا إلى السنغال، وبعد خصم حصتهم، يرسلون المبلغ النهائي إلى الجانب الإيراني. لكن الهجمات التي شنها إسرائيل على لبنان أثرت على هذه المسألة. هذه القضايا قد تخلق مشاكل لبقية شركاء إيران في الشرق الأوسط. ومع ضعف حماس وحزب الله وخروج بشار الأسد من السلطة، فإن اليمنيين فقط هم الذين لم يتأثروا بالفوضى.
وتسعى إيران في الوقت الراهن لإنشاء قنوات اتصال جديدة لتعزيز الجماعات التي تدعمها، وذلك بعد إغلاق القنوات التي كانت في الماضي تمر عبر سوريا. يتطلب استبدال هذا المسار نقل الموارد، لكن هذا الحجم الكبير يحد من حجم الشحنات ويجعلها صغيرة ومحدودة لتلك التي لا يمكن تتبعها وتحتاج إلى وقت أطول للوصول إلى وجهتها. لكن اليوم، ما هو أكثر حاجة هو الموارد المالية. وفقاً لأحد المسؤولين الأتراك، على الرغم من أن الوضع المالي لحماس في إسطنبول يبدو مستقرًا، فإن نقل الأموال نقدًا إلى غزة هو أمر في غاية الصعوبة.
قراءة صغيرة للمشهد الحالي والمرور على بعض المعطيات المستجدة يعطي لنا نظرة واضحة ولمحة لما تخطط له دول مجلس التعاون وتركيا في سوريا والذي ينعكس في استعادة الهيمنة المفقودة.
وبما أن الولايات المتحدة، لاسيما أمريكا الجديدة برئاسة ترامب، أظهرت رغبة أقل في الاستثمار في الشرق الأوسط، أصبحت دول مجلس التعاون أكبر ممول خارجي للدول الفقيرة في المنطقة. في عامي 2021-2022، قدمت قطر والسعودية والإمارات حوالي 34 مليار دولار إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مقارنة بـ 17 مليار دولار في عامي 2019-2020. حتى أن منح هذه القروض ساعد في تسهيل الوضع الاقتصادي لدول كانت إيران قد لعبت دورًا في تمويلها ومساعدتها، مثل الكويت. لكن طهران تشتكي من أن حتى الكويت، التي كانت دائمًا تربطها علاقات ودية مع إيران والغرب، أصبحت مؤخراً أقل ميلاً للتجارة مع طهران.
وتجري الإمارات والسعودية اليوم مفاوضات مع الولايات المتحدة لتقديم جزء من تكلفة إعادة إعمار غزة مقابل تشكيل دولة فلسطينية مستقلة.
أما في سوريا، تأمل تركيا في لعب دور في صياغة السياسات الحكومية الجديدة من خلال دعمها لهيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى التي يرأسها أحمد الشرع. ويرى بعض المسؤولين الغربيين في أن دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإعادة بناء وإدارة سوريا قد يكون خيارًا أفضل مقارنة بإيران وروسيا.
إقرأ أكثر
من الصحافة الإيرانية: «الشرق الأوسط» والتوازن غير المستقر في العالم السياسي