ماذا يريد ترامب من إيران؟

لقد ابتهج مؤيدو المواجهة مع النظام الإيراني عندما تبين لهم أن مرشحي ترامب لمناصب الأمن القومي الرئيسة يتبنون مواقف متشددة تجاه إيران.

ميدل ايست نيوز: أسابيع فقط تفصل دونالد ترامب عن البيت الأبيض، وعيون العالم تتفحص كل قرار يتخذه عن كثب وبدقة. ومعروف عن ترامب أنه لا يمكن التنبؤ بسلوكه، ولا سيما في سياسته حيال الشرق الأوسط. لذا يدقق المراقبون في الشخصيات التي يرشحها، ويتابعون التصريحات التي يدلي بها فريقه الآخذ في التشكل، كي يكوِّنوا تصورا عن اتجاه رياحه السياسية.

لقد ابتهج مؤيدو المواجهة مع النظام الإيراني عندما تبين لهم أن مرشحي ترامب لمناصب الأمن القومي الرئيسة يتبنون مواقف متشددة تجاه إيران. وظهرت بهجتهم على نحو خاص بعد أن تبدد قلقهم من أن يمضي ترامب في الاتجاه المعاكس لهم، عندما قطع علاقاته مع مايك بومبيو ونيكي هيلي.

ووصف ماركو روبيو، المرشح الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الخارجية، إيران بأنها نظام “إرهابي”، ودعا إسرائيل إلى مهاجمتها، وانتقد إدارة بايدن على نهجها الدبلوماسي تجاه الجمهورية الإسلامية. ويتبنى مايك والتز، مستشار ترامب القادم للأمن القومي، التوجه نفسه، وهو مؤيد قوي لإسرائيل. وقد رحبت به معظم العناوين الرئيسة بوصفه “صقرا معاديا لإيران”. أما مرشح ترامب لمنصب السفير لدى إسرائيل فهو حاكم أركنساس السابق والقس المعمداني مايك هاكابي، المؤيد القوي لليمين الإسرائيلي انطلاقا من معتقداته المسيحية الصهيونية.

غير أن أخبارا أخرى آتية من معسكر ترامب كانت أكثر إحباطا للصقور المعادين لإيران. فمدير الاستخبارات الوطنية المقترح هي النائبة الديمقراطية السابقة تولسي غابارد، التي لها تاريخ من التودد للرئيس السوري بشار الأسد، الزعيم العربي الأثير عند إيران. ودعمت القصف الروسي في سوريا دعما للأسد. وعندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، وفرض سياسة الضغط الأقصى على طهران، هاجمته غابارد بشدة. كما انتقدت قراره باغتيال الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني.

من الصحافة الإيرانية: طهران وفرصة جديدة للمفاوضات مع ترامب

والأمر الأكثر إزعاجا لهؤلاء الصقور هي الأخبار عن عقد اجتماع أول بين فريق ترامب والنظام الإيراني بعد أقل من أسبوع على الانتخابات. فبحسب مسؤولين إيرانيين تحدثوا لصحيفة “نيويورك تايمز”، التقى إيلون ماسك مع السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني. ووفق الإيرانيين، فإن ماسك هو من طلب الاجتماع. وأكدت شبكة “سي بي إس” الاجتماع من مصادرها الخاصة، مضيفة أن الاجتماع عقد في المقر الرسمي للسفير إيرواني في نيويورك.

ولكن هل يعني ذلك أن فريق ترامب يرسل إشارات متناقضة لما ستكون عليه سياسته من إيران؟ لقد نغص هذا الانطباع حياة من يأملون في تصنيف ترامب ووضعه في خانة بسيطة، فهو إما “مناهض للحرب” سيعقد السلام مع إيران أو هو رئيس مؤيد لإسرائيل سيجعل حياة النظام الإيراني جحيما. وكما هو متوقع، سيعمل كل معسكر على تضخيم الأخبار التي تصب في صالح روايته الخاصة، بينما يبخس من قيمة الأخبار التي لا تؤيدها. ويمكننا أن نتوقع المزيد من هذه اللعبة في الأشهر والسنوات القادمة.

في الواقع، لا يقبل موقف ترامب من إيران أن يصنف في أي من الخانتين التبسيطيتين. وعلى عكس ما يأمله الكثير من معارضي النظام الإيراني المؤيدين لترامب، ما من سبب يذكر للاعتقاد بأنه يرغب في الإطاحة بالنظام. فقد فشلت هذه المعارضة الإيرانية، الغارقة في الاقتتال الداخلي، في تقديم بديل متماسك وجاد للنظام. وقد أكد ترامب أكثر من مرة سواء خلال ولايته الأولى (2021-2017) أو في حملته الرئاسية الأخيرة، أن لا مصلحة له في تغيير النظام في إيران. وأوضح أنه مستعد للتحدث مع طهران دون شروط مسبقة، وأن إيران يمكن أن تزدهر في ظل قيادتها الحالية.

وأخيرا، عندما سأله المذيع باتريك بيت ديفيد، الأميركي من أصل إيراني، عن إمكانية إطاحته بالنظام، سارع الرئيس الجمهوري إلى رفض مثل هذه التصورات، قائلا: “لا يمكننا أن نتورط في كل ذلك… فنحن لا نكاد نقدر حتى على إدارة بلدنا، يا باتريك”. ومن الواضح أن ترامب يفضل التوصل إلى اتفاق مع إيران، قد يصوره كصانع للسلام ويساعد في تخفيف التوترات في المنطقة.

كان النظام الإيراني خائفا من عودة ترامب منذ أشهر، لكن هذا يعني أيضا أنهم أعدوا خططا طارئة للتعامل مع ذلك. ووفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، تلقت الولايات المتحدة حتى قبل انتخاب ترامب، رسالة سرية من طهران تؤكد أن الإيرانيين لم يكونوا يخططون لقتل الرئيس السابق، ولو أن كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين هددوا ترامب علنا بالاغتيال من قبل. وقد أصدر المدعون الأميركيون لائحتي اتهام لإيران بالتآمر ضد ترامب.

إيران وعودة ترامب: تحديات السياسة الخارجية والخيارات المتاحة

ما إن انتهت الانتخابات، حتى جاء أحد ردود الفعل الإيرانية الأولى على لسان نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، جواد ظريف، الذي كاد يحتفل بفوز ترامب بوصفه علامة على “رفض الناخبين الأميركيين لعام مخزٍ من التواطؤ الأميركي مع الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة ومع المذابح في لبنان”. وطلب من ترامب “الوقوف ضد الحرب كما تعهد” والمساعدة في “إنهاء الحروب ومنع نشوب حروب جديدة”. وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران تحترم خيار الناخبين الأميركيين.

ويدعو الكثير من الخبراء في طهران إلى أن تسعى إيران للتوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة، حتى إن هادي برهاني، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة طهران، دعا إلى إجراء محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، من دون الاعتماد على الوساطة القطرية أو العمانية كما جرت العادة، “ومن دون شروط مسبقة، وفي أقرب وقت ممكن ودون إضاعة الوقت”. ولكن حتى لو كان ترامب وطهران مهتمين بالتوصل إلى اتفاق، فما من طريق سهل للوصول إلى ذلك.

سيكون على ترامب مواجهة الكثير من العقبات. أولها أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو عازمة أكثر من أي وقت مضى على مواجهة إيران. وقد أصدر نتنياهو، بتشجيع من انتخاب ترامب، رسالة جديدة مصورة بالفيديو إلى الشعب الإيراني، دعاه فيها إلى الإطاحة بالنظام. وقد ذهب بيبي في هذه الرسالة ربما إلى أبعد مما ذهب إليه في أي وقت مضى، حتى إنه كرر شعار المتظاهرين الإيرانيين في 2022-2023 (المرأة، الحياة، الحرية) باللغة الفارسية.

لقد تبادلت إيران وإسرائيل الضربات المباشرة عام 2024، بعد سنوات من حروب الظل بينهما. وبينما تفكر إيران في موعد ردها على الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على أراضيها في 26 أكتوبر/تشرين الأول وكيف، فمن المرجح أن تفكر مرتين في أي هجمات مماثلة مع وجود ترامب في منصبه. إلا أن إيران وإسرائيل اخترقتا حاجز عدم إطلاق النار مباشرة بينهما.

ويدعو البعض في إسرائيل اليوم إلى شن هجمات أوسع نطاقا على إيران، أملا في أن تؤدي في النهاية إلى إنهاء النظام الذي أزعج الدولة اليهودية عقودا من الزمان. وستحتاج أي صفقة بين الولايات المتحدة وإيران إلى ضمان نوع من الموافقة الإسرائيلية. فهل سيتمكن ترامب من انتزاع تنازلات من إيران تخص إسرائيل لتحقيق ذلك؟ أم إن هذا سيؤدي إلى صراع داخل معسكر ترامب؟

القضية الثانية هي التفاصيل الفنية التي لا تعد ولا تحصى التي تتخلل العلاقات الأميركية الإيرانية. فإيران تواجه الآن لائحة طويلة من العقوبات المتعلقة بدعمها للفصائل في المنطقة، وببرنامجها النووي، وبدعمها لحرب روسيا ضد أوكرانيا. والملف النووي وحده هو واحد من أكثر النزاعات تعقيدا وتشعبا في العالم. فهو لا يقتصر على الدبلوماسيين فحسب، بل يشمل المصرفيين والفيزيائيين أيضا. إلا أن اتفاقا يمكن أن يرفع بشكل ملموس عبء العقوبات على إيران، مع التراجع عن برنامجها النووي بما يكفي لتلبية متطلبات ضبط الأسلحة، يتطلب الوصول إليه نوعا من العمل المكثف والطويل الأجل، كالذي شهدناه في الفترة التي سبقت اتفاق إيران عام 2015.

ومن المعروف عن ترامب حبه للحظات الكبيرة المبهرة، كما رأينا ذلك في قممه التي تصدرت عناوين الصحف مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والتي فشلت في تحقيق أي نتائج عملية. ولا شيء يمنع من حدوث فشل آخر مماثل هنا. سيكون على ترامب إبداء جرعة غير معهودة من الصبر والحنكة الدبلوماسية في التفاوض للتوصل لعقد صفقة معقدة مع إيران. كما سيختبر مهارات الأعضاء الآخرين في فريقه. فقد كان روبيو ووالتز، بوصفهما مشرعين، يوجهان خطابات نارية ويهاجمان إيران وغيرها من خصوم أميركا. والواقع أن ممارسة الدبلوماسية التي قد تحقق النتائج المرجوة تشكل مهمة مختلفة تماما.

ولكن قبل أن يلجأ ترامب إلى أي دبلوماسية، فمن المرجح أن يستمتع بترهيب إيران. فشعاره الثابت “السلام من خلال القوة”، هو ما يناسب غرائزه وأسلوبه.

وعلى المنوال نفسه، من المرجح أن يبدأ بعودة سياسات الضغط القصوى على إيران. ورغم أن إيران تشعر بالفعل وكأنها الدولة الأكثر خضوعا للعقوبات في العالم، فإن تشدد ترامب في فرض العقوبات النفطية بقوة أكبر قد يوجه ضربة قوية لإيران. وفي دولة تنظم حاليا عمليات قطع الكهرباء المجدولة كل يوم، فإن خسارة كبيرة للعملة الصعبة ستكون ضربة قاسية.

وطهران المهووسة بالحصول على “الاحترام” من واشنطن، ستحاول جاهدة أن لا تبدو مهانة وهي مضطرة للعودة إلى التفاوض مع ترامب، الرجل الذي قتل رمز النظام الأكثر تقديرا، قاسم سليماني. وبالفعل، يستعد الخبراء لتقديم التبريرات. فيشير البعض إلى أن المبعوثين الإيرانيين التقوا صدام حسين في العراق في أوائل التسعينات، أي بعد بضع سنوات فقط من الحرب المدمرة التي دارت رحاها بين عامي 1980 و1988 والتي لقي فيها عشرات الآلاف من الإيرانيين حتفهم.

وبما أن إيران تجد محور مقاومتها قد أضعفته الحملات الإسرائيلية المستمرة، وتجد اقتصادها في حالة يرثى لها بسبب العزلة، وسكانها مضطربين ساخطين، فهي في حالة من اليأس يغدو مرجحا أن تقدم التنازلات اللازمة لإبرام صفقة مع ترامب. وقد تشتمل الصفقة لا على اتفاق نووي فقط، بل أيضا الامتناع عن ضرب إسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، أقله في الوقت الحالي.

وقد يكون لصفقة كهذه فائدة إضافية، تتمثل في الحصول على موافقة حلفاء الولايات المتحدة العرب في المنطقة، ودول مجلس التعاون الخليجي، التي طبعت علاقاتها مع إيران في السنوات القليلة الماضية.

ففي سعي هذه الدول إلى التركيز على التنمية الاقتصادية، فإن لها مصلحة راسخة في تجنب اندلاع حريق أوسع نطاقا في المنطقة، لذا من المرجح أن ترحب بمثل هذه الصفقة. وهذا الوضع يتناقض على نحو ملحوظ مع صفقة أوباما عام 2015، التي استقبلتها المنطقة ببرود وحذر، ولكنها تتناقض أيضا مع ولاية ترامب الأولى، عندما لم تملك الرياض وحلفاؤها العرب علاقات دبلوماسية مع طهران.

كما ستساعد المحادثات المقبلة بين إيران والولايات المتحدة في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، نظرا لأن إيران تمر بمرحلة من التقلبات الدقيقة والحساسة.

كما أن المتشددين الذين يروجون للنسخة الأكثر صرامة من رؤيته الثورية، في حالة من التدهور السياسي نسبيا. وباستثناء المرشد الأعلى، يحتل الكثير من مناصب السلطة في البلاد الآن، أشخاص من ذوي الميول المعتدلة مثل الرئيس بزشكيان. حتى علي لاريجاني، الذي بدا منبوذا ومُنع من الترشح للرئاسة مرتين، في عامي 2021 و2024، اختاره المرشد الأعلى للسفر إلى سوريا ولبنان، حاملا رسائل إلى الأسد ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري.

من المرجح أن ترحب هذه الشخصيات باتفاق مع أميركا، وتخفيف السياسة الخارجية الإيرانية المغامرة بأهدافها المستحيلة المتمثلة في تدمير إسرائيل ومواجهة أميركا في كل مكان.

وإذا تمكن أمثال بزشكيان ولاريجاني من مساعدة طهران في التوصل إلى اتفاق تاريخي مع ترامب، يمنح إيران مساحة تنفس دبلوماسية واقتصادية، فمن المرجح أن يعززوا قبضتهم على السلطة خلال أزمة الخلافة القادمة، وأن يساعدوا في ظهور إيران جديدة، الغسق الأخير لثورة 1979. بعبارة أخرى، قد يكون الاتفاق مع ترامب مفتاحا لمستقبل إيران، وبالتالي مفتاحا لمستقبل المنطقة.

ولكن لأن المخاطر عالية للغاية، فإن الطريق إلى صفقة كهذه سيكون طويلا، ووعرا، ومتعرجا، صعودا وهبوطا.

 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
المجلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر + تسعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى