من الصحافة الإيرانية: مكانة إيران الإقليمية ما بعد سقوط عائلة الأسد
كان النظام السوري بقيادة عائلة الأسد طوال سنوات ما بعد انتصار الثورة الإسلامية من أهم حلفاء إيران في العالم العربي لأسباب متعددة من بينها الصراع مع إسرائيل والعداء مع العراق.
ميدل ايست نيوز: خلق السقوط السريع للنظام وانسحاب الجيش السوري أمام هجمات المعارضية الإسلاميين المسلحين، الذي أدى في النهاية إلى سقوط حكم عائلة الأسد الذي دام 54 عامًا في سوريا، العديد من التحليلات والتصريحات المختلفة حول مدى النفوذ الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط بعد حرب غزة وتوازن القوى الجديد في المنطقة.
وكتبت صحيفة شرق في تقرير لها، أن النظام السوري بقيادة عائلة الأسد كان طوال سنوات ما بعد انتصار الثورة الإسلامية، من أهم حلفاء إيران في العالم العربي لأسباب متعددة من بينها الصراع مع إسرائيل والعداء مع العراق.
لكن سقوط النظام السوري بشكل مفاجئ، أدى إلى نشر تحليلات عديدة تدور حول تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، وحتى تعزيز التهديدات الأمنية ضد إيران، وهو ما يبدو غير دقيق. ومن أجل تحليل الوضع الحالي في المنطقة، من الضروري النظر في عملية تشكيل محور حلفاء إيران في المنطقة، مع فحص دور هذا المحور في السنوات الماضية وتحليل الوضع الأمني الحالي في غياب سوريا وعائلة الأسد.
أول نقطة مهمة يجب الالتفات إليها في دراسة “كتلة حلفاء إيران في المنطقة”، التي تُسمى “محور المقاومة”، هي أن تشكيل هذا المحور لم يكن مخططًا له مسبقًا. في الواقع، لم يكن محور المقاومة شيئًا خططت إيران لإنشائه بشكل محدد. فقد تم تصميم إطار استراتيجية الأمن القومي الإيراني بعد حرب الثمانينيات، مع التركيز على الردع وتطوير القدرة الصاروخية والطائرات المسيرة وتعزيز الدفاع الجوي، حيث يعتبر الاعتماد على القدرات المحلية أمرًا ذا أهمية خاصة. لكن الهجوم الأمريكي على العراق وبداية الربيع العربي أديا إلى زيادة العنف السياسي غير القابل للسيطرة، مما أشعل الحروب الأهلية في العراق وسوريا واليمن وليبيا. مما أدخل جميع القوى الإقليمية في هذه الأزمات للاستفادة منها وتوجيهها لصالح مصالحها الوطنية.
ومع استقرار الوضع نسبيًا في سوريا وانتصار الحوثيون في معركة الحديدة، تأكد نجاح إيران في سياساتها الإقليمية بشكل كبير في النصف الثاني من عام 2018. هذا النجاح جاء في الوقت الذي كانت فيه سياسة “الضغط الأقصى” التي اتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد بدأت، وكان لإيران مشاكل جادة مع جيرانها العرب. في هذا السياق، فإن قيادة إيران لمحور المقاومة جعلت الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية أكثر حذرًا في التعامل مع إيران، وأعطت طهران فرصة للاستجابة لهذه الضغوط الشاملة.
وفي هذا السياق، غيّر هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر الوضع الأمني في المنطقة بشكل جذري. فقبل هذا الهجوم، لم تكن إسرائيل قد قامت بأي إجراءات كبيرة ضد حلفاء إيران في المنطقة، حيث كان هدفها أن تظل محايدة إلى حد ما في القضايا العربية على الرغم من انتشار نفوذ إيران على حدودها. كان هدف إسرائيل من عدم التورط مع إيران وحلفائها هو تجنب الانخراط في حرب شاملة، ولكن في اليوم التالي لهجوم 7 أكتوبر، لم يكن لديها سبب لعدم التصعيد ضد إيران وحلفائها.
في هذا الإطار، زادت إسرائيل من هجماتها ضد حزب الله وزادت ضرباتها المحدودة ضد القوات الإيرانية في سوريا. مع ذلك، لم تقم الحكومة السورية بأي رد فعل على هذه الهجمات، لدرجة أن إيران اضطرت إلى التورط مباشرة في مواجهة إسرائيل.
في الختام، يجب القول إن جميع الدول، وخاصة إيران التي تمتلك سياسة خارجية مستقلة وقوة متوسطة، مجبرة على اتباع استراتيجيات متنوعة لتأمين مصالحها. فعلى الرغم من أن تشكيل محور المقاومة بعد الربيع العربي، وصعود بن سلمان وظهور ترامب قد ساهم في تعزيز الأمن القومي الإيراني، إلا أن هذا المحور لم يعد فعالًا في الوضع الراهن مع تحسن العلاقات الإيرانية مع دول المنطقة العربية وبروز آفاق تطوير العلاقات مع هذه الدول بشكل كبير.
نحن على يقين أن اعتداءات الكيان الصهيوني في غزة اليوم قد أثارت موجة من الكراهية ضد هذا الكيان في العالم الإسلامي، خاصة في الدول العربية، وهذا في وقت يثير فيه تصاعد نفوذ الفكر الإخواني مع انتصار هيئة “تحرير الشام” قلق العديد من الحكومات العربية. في هذا السياق، فإن استمرار السياسات التي قد تضر بعلاقات إيران مع دول المنطقة ستؤدي إلى الإضرار بمصالح إيران الوطنية، بالإضافة إلى أن هذه الخلافات والصراعات قد تجلب المزيد من الفقر والحرمان لحلفاء إيران في المنطقة. لذلك، تعتبر هذه المرحلة فرصة ذهبية للدبلوماسيين، فإذا استفادت إيران من نجاحاتها السابقة وظروفها الحالية لتوسيع علاقاتها مع دول المنطقة، فإنها ستكون بالتأكيد الفائزة في هذا التنافس الإقليمي المتوتر.
مرتضى شيباني
صحفي إيراني