هل ما زالت إيران تمتلك أدوات نفوذ في سوريا تمنحها فرصة للتفاوض مع أمريكا؟
قد تضطر الولايات المتحدة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران مع أجل المساهمة في استقرار سوريا وتجنب التوترات الإقليمية.
ميدل ايست نيوز: “قد تضطر الولايات المتحدة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران مع أجل المساهمة في استقرار سوريا وتجنب التوترات الإقليمية”. ما سلف هي نتيجة وصلت لها المجلة الأمريكية فورين أفيرز في تقرير نشرته عقب فرار الأسد إلى موسكو وسقوط نظامه بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على اندلاع الثورة في سوريا. سقوطٌ وصف بالمفاجئ وغير المتوقع والذي أدى إلى تحطيم تصور إمكانية الحفاظ على الوضع الراهن والاستمرار بنظام مستقر بشكل ظاهري.
على الرغم من أن نظام الأسد اعتمد خلال معظم العقد الماضي على دعم شامل من إيران وروسيا للحفاظ على بقائه، فإن ما بدأ في عام 2011 كثورة شعبية ضد النظام الحاكم تطور إلى حرب أهلية مدمرة انتهت بمأزق غير متوازن بين الأطراف المتنازعة.
خلال هذه الفترة، ورغم التحديات المستمرة، بدا موقف الأسد غير قابل للزعزعة. إلا أنه وبعد أيام قليلة من بدء العمليات العسكرية من قبل قوات المعارضة والتي أطلق عليها “ردع العدوان”، انهار النظام بشكل كامل وأدى إلى خسارة إيران لنفوذها بعد سنوات من التواجد الميداني وإنفاق الموارد المالية والبشرية في سوريا.
كانت طهران الحليف الأكثر صلابة للأسد خلال الحرب، حيث أنفقت موارد ودعمت بقوة لضمان بقائه في السلطة. لكن عند انهيار الجيش السوري، كانت إيران غائبة بشكل لافت عن المشهد. خلق هذا الانسحاب الاستراتيجي فرصة للولايات المتحدة لتقليل احتمالات استئناف الصراع في سوريا والمساعدة في وضع أسس لاستقرار يتماشى مع مصالحها.
يمكن لواشنطن، من خلال استمرار دعمها لقوات سوريا الديمقراطية وتشجيع الحوار بين الجهات الفاعلة الرئيسية في سوريا وحث إسرائيل على وقف عملياتها العسكرية أن تسهم في تشكيل المشهد السياسي لسوريا وتحقيق السلام والأمن طويل الأمد. مع ذلك، من المحتمل أن يتطلب تحقيق الاستقرار الإقليمي إشراك إيران في المفاوضات حول مستقبل سوريا، فإذا لم تتمكن واشنطن وطهران من التفاعل معًا، ستظل سوريا تعاني من عواقب هذه الأحداث.
يمكن القول إن خسارة إيران لحليفها في سوريا لن تكون في صالحها في منافستها مع تركيا، التي أثرت دعمها للمعارضة السورية على توازن القوى الإقليمي. فخلال حكم الأسد، منح الوجود الإيراني في سوريا طهران فرصة لموازنة طموحات تركيا الإقليمية. لكن منذ سقوط النظام السوري، أصبحت تركيا، الداعمة الرئيسية للمعارضة السورية والتي باتت تعرف اليوم بالإدارة الجديدة للحكومة السورية، القوة الأجنبية المهيمنة بدلاً من إيران وروسيا.
وتشعر إيران بقلق متزايد من أن تركيا، التي عززت موقفها في سوريا، قد تسعى إلى توسيع نفوذها في العراق ولبنان والقوقاز الجنوبي. في العراق ولبنان مثلا، قد تعزز تركيا دعمها للجماعات السنية ضد الجماعات الشيعية الموالية لإيران. أما في القوقاز الجنوبي، يشكل ضغط تركيا لإنشاء الممر الشهير “زنغزور” تهديدًا لوصول إيران البري إلى أرمينيا، التي تُعتبر شريكًا استراتيجيًا وحيويًا للحفاظ على القاعدة الإقليمية والتجارة الإيرانية. فالممرات الموجودة في القوقاز تعزل إيران من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية. ورغم التحديات التي تواجهها طهران، يبدو أنها تعمل على تعديل استراتيجيتها من خلال إجراء إصلاحات تكتيكية للحفاظ على موقعها ونفوذها في سوريا والمنطقة.
خيارات إيران البديلة
أظهرت إيران استعدادها للتعاون مع الجماعات الكردية، التي كانت فاعلًا رئيسيًا خلال الحرب في سوريا رغم أنها لم تتحدَّ بشكل مباشر مع نظام الأسد. هذه الجماعات لعبت دورًا بارزًا في مكافحة الفصائل المتطرفة والسيطرة على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا.
في الأيام التي سبقت سقوط نظام الأسد، انسحبت القوات المدعومة من إيران من مواقع استراتيجية في شرق سوريا، وخاصة في محافظة دير الزور قرب الحدود العراقية، وتركت هذه المناطق لقوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية في أفرادها وقياداتها. هذه الخطوة عكست محاولات إيران لتقديم نفسها كشريك محتمل للأكراد السوريين، خاصة في ظل مخاوفهم من تراجع الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يتوقع البعض أن يُقلص ترامب التدخل الأمريكي في سوريا ويركز على تحسين العلاقات مع تركيا التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطية منظمة إرهابية.
كما قد تفكر إيران في إمكانية التعاون مع هيئة تحرير الشام (الإدارة الجديدة للحكومة السورية) واستغلال المشاعر المعادية لإسرائيل والداعمة للفلسطينيين بين صفوف هذه الجماعة. رغم أن قادة هيئة تحرير الشام أعربوا عن ترددهم في مواجهة إسرائيل، لكن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية وتوغلها الأخير قد تدفع الإدارة السورية الجديدة لإعادة النظر في موقفها. في هذا السياق، قد تسعى طهران للتواصل مع القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع للحصول على امتيازات استراتيجية، مثل استعادة وصول حزب الله اللبناني إلى الأراضي السورية لتأمين الإمدادات العسكرية وبناء علاقات جديدة مع الأقليات الشيعية والعلوية في غرب سوريا التي تخشى التمييز والقمع تحت حكم جماعة ذات ماضي متطرف.
ومن هنا، ومن خلال هذه التحالفات، قد تتمكن لإيران من تشكيل شبكة من القوات الموالية والوكلاء للحفاظ على نفوذها في سوريا، حتى في غياب نظام حاكم متعاون. كما قد تذهب إيران إلى حد تنظيم ممن تبقى من جنود نظام الأسد المخلوع الذين فروا إلى العراق قبل سقوط الحكومة ضمن إطار قوة ثورية محتملة لتعزيز وجودها في سوريا.
ضرورة التفاوض مع إيران
يشير سقوط الأسد وتراجع دور إيران في سوريا إلى فرص وتحديات ضخمة تتطلب دورًا نشطًا من الولايات المتحدة، وفق وصف المجلة الأمريكية فورين أفيرز. أولًا، دعم الأكراد السوريين بشكل مستمر أمر بالغ الأهمية. إذ كانت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد شريكًا أساسيًا في الحرب ضد داعش وعامل استقرار في شمال شرق سوريا. لكن الصراعات الأخيرة مع الجماعات المدعومة من تركيا أجبرت القوات على وقف عملياتها ضد داعش. لذلك، يتعين على الولايات المتحدة تقديم دعم مستمر، بما في ذلك الدعم المالي والسياسي والدبلوماسي، لتعزيز موقف الأكراد ضد هذه التهديدات ومنع إيران من استغلال أي فراغ في السلطة.
علاوة على ذلك، قد تجبر واشنطن على الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها في الأراضي السورية ومنع المزيد من التوغل البري. فأي احتلال طويل الأمد للأراضي السورية من قبل إسرائيل قد يؤدي إلى زيادة الكراهية بين السوريين ويفتح المجال لإيران للعب دور في تعزيز الأجندات المناهضة لإسرائيل داخل سوريا.
ووفقا للتحليلات قد تذهب الولايات المتحدة للعمل مع حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا لتعزيز الحوار السياسي الشامل بين جميع الأطراف السورية. فمن شأن فراغ السلطة الناتج عن سقوط الأسد أن يزيد من خطر المنافسة بين الفصائل المختلفة، وكذلك بين الأقليات العرقية والدينية العديدة في البلاد. كما يمكن لدعم الحوار الشامل أن يساعد في إنشاء حكومة تضم جميع الأطراف، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وضمان حقوق الأقليات، مع تقليل استغلال الجهات الفاعلة الخارجية لهذه الأقليات. إذن، مهما كان ضمان أمن سوريا أمرا ضروريا، فإن الجهود الدبلوماسية لمنع حدوث مزيد من عدم الاستقرار تُعدّ ضرورية أيضًا.
قد يدفع إحساس إيران بالتهديد من حملة الضغط الأقصى التي ستقودها إدارة ترامب عقب سقوط نظام الأسد إلى تكثيف أنشطتها، مثل تعزيز الفصائل الحليفة في العراق واليمن أو تقوية قنواتها في سوريا. لذلك، من المرجح أن تعرض الولايات المتحدة على إيران الانخراط في مفاوضات إقليمية حول مستقبل سوريا، مع أخذ المخاوف الأمنية الإيرانية في الاعتبار، وفي الوقت نفسه، استخدام نفوذها لتخفيف التوترات في جبهات أخرى. هذا النهج يمكن أن يحد من النفوذ الإيراني في سوريا والشرق الأوسط ويرضي الساسة في البيت الأبيض، وربما يمهد الطريق لمحادثات دبلوماسية أوسع بين واشنطن وطهران.