داعش في العراق.. تحديات ما بعد 2024
تحركات داعشية في مناطق عراقية، لاسيما سلسلة جبال حمرين الواقعة شرقي البلاد وبعض المناطق الصحراوية غربها، حيث يسعى داعش إلى استغلالها ملاذات آمنة، أملاً بإعادة تنظيم صفوفه.
ميدل ايست نيوز: تحركات داعشية في مناطق عراقية، لاسيما سلسلة جبال حمرين الواقعة شرقي البلاد وبعض المناطق الصحراوية غربها، حيث يسعى داعش إلى استغلالها ملاذات آمنة، أملاً بإعادة تنظيم صفوفه.
تبدو تلك أبرز ما تشهده الساحة الأمنية والسياسية في العراق الآن، وتجسد تصاعداً في وتيرة التحديات، ومن بينها تحركات خلايا تنظيم داعش في بعض المناطق،
تشكل هذه التحركات تهديداً خطيراً لاستقرار البلاد، الأمر الذي دفع القوات الأمنية إلى اعتماد استراتيجيات مغايرة لمقارعة التنظيم، يأتي أحد أركانها بتنفيذ عمليات استباقية تعتمد على معلومات استخبارية دقيقة، لإحباط مخططات داعش وضمان حماية المدنيين من جرائمه.
ويقول المتحدث الرسمي باسم جهاز مكافحة الإرهاب، صباح النعمان، في تصريح خاص لموقع “الحرة”، إن الجهاز يعمل وفق رؤية أمنية خاصة، تهدف إلى تكثيف العمليات العسكرية النوعية لمكافحة تواجد خلايا تنظيم داعش ونشاطاتها في مختلف المناطق على رأسها المناطق النائية وذات الجغرافيا والتضاريس الصعبة، حيث نفذ الجهاز خلال عام 2024 نحو 341 عملية أمنية، أسفرت عن مقتل واعتقال 147 عنصراً من داعش.
وأوضح النعمان، أن العمليات العسكرية تأخذ جوانب عدة بضمنها عمليات خاصة لجهاز مكافحة الإرهاب، وقسم من تلك العمليات كانت مشتركة بناءً على معلومات من الأجهزة الاستخبارية كجهاز المخابرات الوطني وجهاز الأمن الوطني، فضلاً عن عمليات أخرى جاءت بتخطيط من قيادة العمليات المشتركة.
كما أضاف أن جزءاً أخر من تلك العمليات الأمنية جرى بتنسيق عالي المستوى مع الأجهزة الأمنية في إقليم كردستان، بما في ذلك عمليات عسكرية مشتركة في أغلب مناطق الاهتمام المشترك، وعمليات أخرى تتعلق بتسليم متهمين في الإقليم مطلوبين لجهاز مكافحة الإرهاب.
ويؤكد النعمان أن حصيلة العمليات العسكرية في عام 2024، أسفرت عن مقتل نحو 63 عنصراً من داعش من مستويات قيادية مختلفة وصلت إلى الصفين الأول والثاني من قادة التنظيم، بما في ذلك مقتل ما يُسمى بـ”والي العراق” ومساعديه في جبال حمرين، كذلك مقتل 21 مسلحاً من التنظيم في عملية نوعية للجهاز وكان من بين القتلى، ما يعرف بـ”والي الأنبار” و “والي الجنوب”، إضافة إلى المسؤول عن الملف الكيميائي ومسؤول عمليات التنظيم خارج العراق ” أبي علي التونسي”.
وفيما يخص عمليات إلقاء القبض على عناصر تنظيم داعش، فقد تمكن جهاز مكافحة الإرهاب في عام 2024، من اعتقال 84 عنصراً من التنظيم بينهم قادة كبار، وفق المادة “4 إرهاب” في عمليات نوعية مختلفة، فضلاً عن تدمير أكثر من 260 مقراً ومضافةً لداعش في مناطق عديدة، أهمها في عمق صحراء الأنبار، وفقاً لقول النعمان.
ويشير إلى أن تحقيق هذه النتائج كان جزءٌ منها يعتمد على قادة البيانات التي تحّصل عليها جهاز مكافحة الإرهاب خلال عملياته الاستباقية، والتي تخضع لتحديث دائم من قبل استخبارات الجهاز، فضلاً عن التنسيق مع الأجهزة الاستخبارية العراقية، بالإضافة إلى التعاون المعلوماتي مع أجهزة مكافحة الإرهاب الإقليمية والدولية بناءً على مذكرات تفاهم موقعة.
ولفت النعمان، إلى أن عمل جهاز مكافحة الإرهاب يعتمد على تقنيات حديثة وجوانب فنية بالغة الأهمية أدخلت في عمل الجهاز، سيما هذا العام لتطوير العمل الاستخباري فمهمة الجهاز وفقاً لقانونه، هي كجهاز أمني استخباري، كما يحرص رئيس الجهاز على تطوير القدرات الفنية والبشرية واللوجستية لاستخبارات الجهاز لضمان أداء مهامه على أكمل وجه.
مفاتيح بقاء داعش.. تأثير السياسة وضعف المؤسسة الأمنية
الخبير العسكري عبد الرزاق الجبوري، يفصل ما وراء عدم القضاء على تنظيم داعش في العراق بشكل نهائي حتى الآن، برغم النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الأمن العراقية، حيث أرجع السبب إلى جانبيّن أحدهما سياسي والأخر أمني.
فيما يتعلق بالشق السياسي، يتجسد بتقاطع المصالح والمكاسب بين الدول الإقليمية والدول العظمى، ومسألة تقاسم النفوذ إلى جانب الأهداف الجيوسياسية لكل من تلك الدول، هذا يعزز من بقاء داعش ويحول دون إنهائه بالكامل، خاصة وأنه يُعتبر أداة أو بندقية مأجورة، قد تحتاج بعض الدول لاستخدامها في ظرف ما، لتنفيذ مخططات محددة ربما لإرباك الوضع الأمني في جغرافية معينة أو للضغط على دول أخرى منها العراق.
أما ما يخص الجانب العسكري، يقول الجبوري، إن هناك مشاكل عدة في عملية بناء الجيش العراقي الحالي والأجهزة الأمنية والاستخبارية تتعلق بالمهنية الأمنية، وذلك لأن الجانب السياسي الذي يتحكم في بناء القوات المسلحة يتأثر ويخضع للضغوط الدولية والاقليمية التي لا تسمح ببناء جيش يمتلك قدرات عالية تمكّنه من القضاء على داعش بصورة نهائية حسب قوله.
ورغم أن تنظيم داعش في العراق يشكل تحدياً أمنياً، يرى الجبوري أن خطر التنظيم حالياً جزئي وتحت السيطرة، ومع ذلك إذا ما تفاقمت الأوضاع شرقي سوريا في ظل سيناريوهات معينة، سيما في سجون قوات سوريا الديمقراطية التي تحتجز معتقلين من داعش، فقد يتم نقلهم إلى صحراء العراق في أحد هذه السيناريوهات، هذا سيشكل تهديداً خطيراً، ويدفع إلى تحفيز خلايا التنظيم النائمة في العراق التي ستسعى إلى الانتقام.
ويؤكد الجبوري أن العراق لا يزال دولة نامية ويحتاج بصورة ملحة إلى الدعم الدولي على عدة مستويات، منها تدريب قواته المسلحة وتسليحها، فضلاً عن حاجته للدعم في ظل التطورات السياسية والأمنية المتسارعة في المنطقة، التي تستدعي وجود حليف خارجي قوي مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وأبرز التحديات التي تواجه القوات المسلحة العراقية، وفقاً للخبير العسكري، تشمل التدخلات السياسية في المؤسسة الأمنية، والفساد الذي يؤدي إلى انقسام الولاءات داخل المؤسسة العسكرية وهذا يُعد خطر حقيقي ينعكس بالسلب على مهنية هذه المؤسسة.
كما يعاني النظام الأمني من غياب التوازن الوطني والمركزية في إدارته، ما يؤثر على قوة القرار السياسي، فضلاً عن تحدي أخر يتعلق بتبعية مؤسسات أمنية أخرى، مثل هيئة الحشد الشعبي التي تتبع القائد العام للقوات المسلحة شكلياً فقط، لكنها تتلقى أوامر من جهات خارجية، مما يعطل استقرار العراق ويعوق جهود مكافحة داعش.
داعش.. التحديات الأمنية والفكرية المستمرة
أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية في مجلس النواب العراقي، أحمد الموسوي، عن تحالف الفتح، في تصريح لموقع “الحرة” أن تنظيم داعش انتهى من الجانب العسكري لكن لا تزال خلاياه تتواجد في مناطق محددة، اختارتها ملاذات آمنة ومنطلقاً لتحركاتها، هذه المناطق إلى جانب ضعف محاربة الفكر المتطرف تُعدّان من أبرز التحديات في ملف داعش.
مضيفاً أن مخرجات جهود القوات الأمنية العراقية المستمرة عبر عمليات استباقية ونوعية برفقة الاستقرار السياسي الذي يشهده العراق، لا شك أثمرت عن انحسار كبير لهجمات تنظيم داعش، وحجمت خطر التنظيم بعد أن استطاعت اختراق منظومته الأمنية والاستخبارية.
ومع ذلك، يرى الموسوي أن الفاعل العسكري لا يحقق مكافحة متكاملة للإرهاب، سيما أن القوات الأمنية ومنذ سنوات تقاتل داعش وحققت نتائج، لكن التنظيم لم ينته، بل أن الحاجة باتت ملحة لمكافحة الفكر المتطرف بجدية، وتحقيق العدالة الاجتماعية وإنهاء المظالم، لانتفاء المبررات بخلق بيئة حاضنة للتنظيم مجدداً، حتى تتكامل المساعي في هذا الجانب، ودون ذلك لن يتحقق إنهاء ملف داعش.
ومن جانب أخر، يعتقد الموسوي أن العراق لا يمكن لوحده أن يقضي على تنظيم داعش الذي من الممكن أن يظهر في أي دولة حسب الأجندات والدعم المالي المقدم له، لذا فإن لم يتم محاربته دولياً وإقليمياً وبشكل جدي من الحكومات كافة، لا يمكن السيطرة عليه وسيبقى خطره قائماً.
وفي ضوء التطورات الأخيرة في المنطقة، يرى الموسوي أن الوضع الحالي في سوريا قد يمنح جرعة معنوية لتنظيم داعش في العراق، ورغم أن بغداد تمتلك نقاط قوة تمكنها من مواجهة أي تهديد، إلا أن الخطر يبقى قائماً من الفصائل التي سيطرت على سوريا، خصوصاً أنها تضم تنظيمات متطرفة تتماهى مع داعش في العراق على حد قوله.
ويدعو الموسوي، الحكومة العراقية إلى ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر في التعامل مع الحكومة السورية المقبلة، التي ربما تولد من رحم تلك الفصائل المسلحة والتنظيمات المتطرفة حسب وصفه.
خيوط الإرهاب وتحديات الأمن
يؤكد الخبير في الشؤون الأمنية، صفاء الأعسم في حديث لموقع “الحرة” أن تنظيم داعش لا يزال يتواجد في العراق وبأعداد تتراوح ما بين 3 آلاف عنصر إلى خمسة آلاف عنصر غالبيتهم عراقيون بنسبة تتجاوز 90 بالمئة، فيما يتراوح عدد الأجانب منهم الذين يحملون جنسيات عربية وأجنبية بين 300 – 400 عنصر حسب قوله.
ويبيّن الأعسم، أن عناصر داعش تعمل بشكل خيطي على شكل مجموعات منفردة، ويتركز تواجدها في المناطق الصحراوية سيما في منطقة الجزيرة شمال وغرب محافظة الأنبار والمناطق المحصورة ما بين محافظة نينوى والأنبار وصلاح الدين إضافة إلى تواجدها بين الوديان والكهوف في جبال حمرين التي تربط 4 محافظات، وأيضاً جبال مكحول جنوب شرقي نينوى.
وبرغم أن خطر داعش لا يزال حاضراً في الساحة العراقية بيد أنه لا يشكل تهديداً كبيراً يمكّنه من تنفيذ عمليات نوعية كما في السابق، فيما يحذر الأعسم من الخطر الداهم القريب من العراق الممثل بوجود عناصر وقادة من داعش في 6 معتقلات لقوات سوريا الديمقراطية إضافة إلى وجود ما يقرب من 10 آلاف عائلة من أسر عناصر التنظيم الذين يحملون مشاعر عدائية تجاه المجتمعات.
ومن أكبر المخاطر التي تهدد العراق حسب قراءة الأعسم، توظيف عناصر داعش على يد أجهزة مخابراتية من دول الجوار لتنفيذ مخططات في الداخل العراقي، أو كسر سجون داعش لدى قوات سوريا الديمقراطية وتحرير عناصر وقادته وهذا سيهدد الأمن القومي العراقي.
فيما تشير التوقعات إلى حصول مصالحة بين تنظيم داعش وفصائل هيئة تحرير الشام وبالتالي ستكون له قوة رسمية تجاور العراق تحت مسميات أخرى، خاصة وأن الهيئة تضم بين فصائلها تنظيمات متطرفة وحتى قائدها ” ابي محمد الجولاني” كان واحداً من كبار قادة داعش وله حكم قضائي داخل العراق حسب قول الأعسم.
وفيما يخص قدرات قوات الأمن العراقية، أشار الخبير الأمني، إلى أن العراق قادر على محاربة داعش بفاعلية وردع هجماته وإجهاض مخططاته، خاصة وأن أجهزته الأمنية بمختلف صنوفها اكتسبت خبرة كبيرة في قتال التنظيم وتفكيك خلاياه وباتت تعتمد استراتيجيات عسكرية متطورة في مقارعة داعش.
وبرغم ذلك، فإن بغداد ماتزال بحاجة إلى الدعم الدولي لاسيما التحالف الذي تقوده واشنطن في ظل التطورات الخطيرة في المنطقة، خاصة وأن العراق ضعيف من ناحية التسليح والدفاع الجوي، فضلاً عن حاجته إلى الجهد التقني الدولي والتنسيق المعلوماتي وعمليات الاستطلاع التي لا ينبغي له التخلي عنها حالياً.
وختاماً، أكد الأعسم أن القوات العراقية حققت نتائج ميدانية ملموسة، حيث تمكنت من قتل واعتقال قادة الصف الأول من تنظيم داعش ودمرت هيكليته، ومع ذلك فإن أنهاء ملف التنظيم بشكل نهائي في العراق يرتبط بالوضع الاقليمي والدولي المتعلق بالدعم المالي المقدم للتنظيم.