من الصحافة الإيرانية: سوريا والمنطقة في مرحلة ما بعد الحرب.. هل يتحقق التوازن في المنطقة؟
لقد تبنت وزارة الخارجية الإيرانية حتى الآن مواقف منطقية وصحيحة بشأن سوريا، حيث أكدت على سيادتها ووحدتها الوطنية وضرورة تشكيل حكومة شاملة تضم جميع أطياف الشعب السوري.

ميدل ايست نيوز: لا شك أن الحكام الجدد في سوريا قد اتخذوا خطوات هامة خلال الشهر الماضي في اتجاه بناء الدولة، وحققوا نجاحات ملحوظة في تعزيز الثقة داخليًا وعلى المستويين الإقليمي والدولي. كما بذلوا جهودًا لإقناع جيرانهم بأنهم ملتزمون بالحفاظ على الاستقرار والأمن داخل البلاد وفي المنطقة.
تكتسب هذه النجاحات أهمية خاصة لأن انهيار حكم عائلة الأسد الذي استمر 54 عامًا قد أدى إلى تغيير في موقع وهوية سوريا الجيوسياسية، مما خلق تحولات كبيرة في موازين القوى والتقديرات الاستراتيجية للعديد من الدول في المنطقة. يعد التحول في سوريا مهمًا أيضًا من حيث أنه قد يؤدي إلى حرمان روسيا من أهم وأقدم حليف لها في الشرق الأوسط وفقدان قواعدها الجوية والبحرية في البحر الأبيض المتوسط وفي جوار إفريقيا وجنوب أوروبا، مما قد تكون له تبعات عالمية.
وبصرف النظر عن طبيعة وتركيب الجماعات التي أسقطت حكومة الأسد، من الواضح أن هذه الفصائل قد عملت بشكل فعال ومنسجم في عملياتها ضد الحكومة السابقة، وحتى بعد الانتصار تمكنت من تبني نهج منظم ومدروس، بحيث يشير العديد من المراقبين إلى قدرة هذه القوى على الحكم والسيطرة على الأوضاع في البلاد بناءً على أدائها قبل وبعد الإطاحة بالنظام السابق. فلا شك أن الإجراءات التي اتخذها القادة الجدد في سوريا للتكيف مع الظروف الداخلية والإقليمية المعقدة والمتغيرة وكسب دعم مجموعة متنوعة من الدول، تعد من دلائل قدرتهم.
كما أن المجتمع الدولي قد أبدى حتى الآن إشارات تدل على إدراكه لأهمية القضية. فالإجراءات السريعة التي اتخذتها العديد من الدول وسعيها لتجنب نشوء وضع مشابه لما حدث في ليبيا واليمن بعد سقوط حكومتي القذافي وعلي عبدالله صالح يعد أمرًا ذا أهمية كبيرة. نظرًا لأهمية موقع سوريا مقارنة بموقع ليبيا واليمن، فإن نشوب حرب أهلية في سوريا قد يترتب عليه آثار واسعة مثل تقسيم سوريا وانتقال الأزمة إلى الدول المجاورة وتوسيع نطاق التدخل الإسرائيلي. في هذا السياق، عُقد مؤتمر العقبة بسرعة، وفي بيانه الصادر في 15 ديسمبر، شدد على مجموعة من التوقعات من المجتمع الدولي تجاه القادة الجدد في سوريا، بما في ذلك التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية غير طائفية تضم جميع القوى السياسية والاجتماعية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، واحترام حقوق النساء والمجتمع المدني، وغير ذلك. وبالنظر إلى الحاجة الملحة لسوريا في مجال الإحياء الاقتصادي وإعادة الإعمار، قد يتمكن المجتمع الدولي من مواصلة دور مؤثر في توجيه التطورات في سوريا.
أضف على ما سلف، تعد زيارة العديد من المسؤولين الأجانب إلى دمشق، وكذلك زيارة وزراء الخارجية والدفاع ومسؤولي المخابرات في الحكومة الانتقالية السورية إلى السعودية وقطر والإمارات والأردن، ذات أهمية كبيرة في هذه الأحداث. إذ يحمل اختيار السعودية كوجهة لأول زيارة خارجية للمسؤولين الدمشقيين دلالتين هامتين: الأولى أن ذلك قد يعكس تركيز هؤلاء المسؤولين على الإحياء الاقتصادي لسوريا، بناءً على الافتراض بأن السعودية والإمارات يمكن أن تساعدا في ذلك؛ والثانية أن تركيا قد تكون غير قادرة على تقديم الدعم اللازم لإعادة الإعمار في سوريا، في حين أن الدول الغربية لن تكون مستعدة لتقديم المساعدة لسوريا الجديدة في المدى القريب. يمكن أن يكون السبب الثاني أيضًا ناتجًا عن سعي المسؤولين في دمشق لطمأنة جميع الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، وخاصة مصر، بشأن عدم انحياز سوريا الجديدة إلى محور الإخوان المسلمين في المنطقة. هذه الدول قلقة من انضمام سوريا إلى محور الإخوان بقيادة تركيا وقطر. قد تعني هذه الزيارات أن الحكام الجدد في سوريا ينوون اتباع سياسات عملية وتجنب الانخراط في الاصطفافات النظرية والإيديولوجية في المنطقة، مع السعي لتطوير علاقاتهم مع جميع دول المنطقة. من جهة أخرى، على الرغم من أن تركيا تبدو حاليًا أكبر المستفيدين من التحولات في سوريا وأثرها الأقوى في البلاد، إلا أنه من المبكر الحكم في هذا الشأن.
تشير سوابق “تحرير الشام” وقادتها إلى أن هذا الفصيل ليس مجرد قوة بالوكالة لتركيا وتحت سيطرتها الكاملة. هذا الأمر والعديد من الملفات الأخرى يرتبطان بشكل وثيق بكيفية سير التحولات في الأشهر القادمة، بما في ذلك كيفية تعامل إيران مع القضايا السورية. لقد تبنت وزارة الخارجية الإيرانية حتى الآن مواقف منطقية وصحيحة بشأن سوريا، حيث أكدت على سيادتها ووحدتها الوطنية وضرورة تشكيل حكومة شاملة تضم جميع أطياف الشعب السوري. ومن المؤكد أن مثل هذا الموقف يساعد في تثبيت الأوضاع وتجنب الصدامات الداخلية في سوريا، وكذلك منع انتشار الفوضى التي تقلق الجميع، كما يسهم في تطبيع العلاقات بين إيران وسوريا.
كوروش أحمدي
ديبلوماسي إيراني سابق
إقرأ أكثر
هل تتجه قطر لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر سوريا عقب التطورات الأخيرة في دمشق؟