من الصحافة الإيرانية: ولاية ترامب الثانية وفصول المواجهة النووية بين إيران والولايات المتحدة

مضى أكثر من عقدين من الزمن على تصدر الملف النووي الإيراني للعناوين الساخنة والهامة في الساحة السياسية الدولية.

ميدل ايست نيوز: مضى أكثر من عقدين من الزمن على تصدر الملف النووي الإيراني للعناوين الساخنة والهامة في الساحة السياسية الدولية. في هذا السياق، شهدنا تقلبات عدة في فترات زمنية مختلفة تركزت حول معادلة الملف النووي الإيراني وشهدنا توقيع اتفاقيات مختلفة وظهور بيئة تهدئة للتوترات، لكننا أيضًا شهدنا تراجع الأطراف المختلفة عن التزاماتها وتصاعد التوترات مرة أخرى.

وجاء في مقال نشره موقع فرارو، آخر تلك الاتفاقات كان اتفاق “البرنامج النووي الإيراني” الذي تم التوصل إليه في عام 2015، بعد عامين من المفاوضات المكثفة. في ذلك الوقت، وبعد ثلاث سنوات فقط من توقيع الاتفاق، انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك (إدارة ترامب الأولى)، على الرغم من تأكيدات متعددة من وكالة الطاقة الذرية الدولية وحتى من قبل هذه الإدارة نفسها بأن إيران كانت تلتزم بتعهداتها، انسحبت من الاتفاق النووي بشكل أحادي، وأطلقت سلسلة من العقوبات ضد إيران في إطار حملة الضغط الأقصى. هذا الأمر دفع إيران إلى تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي بشكل كبير حتى وصل الأمر إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، بالإضافة إلى تحقيق تقدم في المجالات النووية الأخرى، مثل إنتاج اليورانيوم المعدني.

في الوقت الراهن، وبعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يطرح العديدون السؤال مجددًا: ما هو مصير المعادلة النووية الإيرانية؟ وما هي السيناريوهات المحتملة في إطار التفاعل النووي بين طهران وواشنطن؟ كل من إيران والمسؤولين الكبار في إدارة ترامب تحدثوا عن استعدادهم للحوار والتوصل إلى اتفاق. وهنا، يبدو أن الجولة الجديدة من التفاعل النووي بين إيران وإدارة ترامب تشير إلى ثلاث سيناريوهات رئيسية بناءً على التجارب التاريخية.

الأول: إحياء حملة الضغط الأقصى مع التركيز على التصورات الخاصة للتيار الترامبي

يعتقد كل من ترامب وأتباعه في السلطة في الوقت الحالي أن لديهم تصورا واحدا بشأن الملف النووي الإيراني: أنه مع التطورات التي شهدها ترامب العام الماضي في منطقة غرب آسيا، وكذلك استمرار التحديات الاقتصادية في إيران، فإن طهران لم يعد لديها أوراق ضغط قوية للتلاعب بها. لذلك، يعتقدون أنه من خلال زيادة الضغوط على إيران، يمكنهم الوصول إلى “صفقة جيدة”، على حد تعبيرهم

مارك روبيو، وزير الخارجية المعين من قبل ترامب، قال بصراحة إن تفعيل آلية “الضغط الأقصى” يمكن أن يكون في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. كما أكد ترامب نفسه في الساعات الأولى من توليه منصب الرئاسة أنه “لا يمكن لأي شخص يتعامل تجارياً مع إيران أن يكون صديقًا أو شريكًا للولايات المتحدة”. هناك العديد من المسؤولين البارزين في فريق الأمن القومي والسياسة الخارجية لإدارة ترامب الذين يتبنون آراء حادة وعدائية ضد إيران وقدراتها. لذلك، سيكون من بين السياسات الرئيسية لترامب وأتباعه رفع الضغوط الاقتصادية والأمنية بهدف تحقيق مكاسب ميدانية في التعامل مع إيران.

مدى تأثير هذه الضغوط سيعتمد على الأسس الوطنية الإيرانية والظروف الإقليمية وطبعاً على التوازنات الكبرى في النظام الدولي. فكل من هذه العوامل يخلق بيئة خاصة لطهران، ويمكن لإيران أن تستفيد من هذه العوامل لمواجهة الأجندة الجديدة لإدارة ترامب في الملف النووي. لكن ما هو واضح هو أن ترامب يسعى من خلال هذا السيناريو إلى “صفقة جيدة” مع إيران. أي ذات الهدف الذي كان يسعى إليه في ولايته الأولى، والذي كان يعني التوصل إلى اتفاق يظهر أنه تمكن من وقف التقدم النووي الإيراني وتقييد طهران.

الثاني: إحياء دبلوماسية سرية

بعض خبراء العلاقات الدولية يعتقدون أن الدبلوماسية السرية لا تزال تحظى بمصداقية كبيرة في إطار المعادلات الدولية. خاصة في الملف النووي الإيراني، يجب أن نعترف بأن هذا الطرح ليس بلا مصداقية. السبب واضح: إسرائيل حساسة للغاية تجاه أي نوع من التفاعل النووي بين إيران والغرب، لذلك يمكن أن تسهم الدبلوماسية السرية في تسريع حل بعض المشكلات. ولا شك أن إيران والولايات المتحدة كانتا قد اتبعتا دبلوماسية سرية سابقاً في إطار الملف النووي الإيراني.

بعض المراقبين يرون أن زيارة محمد جواد ظريف الأخيرة إلى دافوس في سويسرا للمشاركة في منتدى الاقتصاد العالمي كانت في هذا السياق. يجب أن نلتفت إلى أنه بعيدًا عن إسرائيل، هناك متشددون في إيران وأمريكا الذين ليس لديهم رؤى واقعية بشأن الملف النووي الإيراني ومصالح بلادهم، قد يصبحون مشكلة وعائقًا أمام أي تفاعل نووي بين إيران وأمريكا.

حتى لو أخذنا هذا السيناريو بعين الاعتبار، فإنه لا يمكن إنكار أن ترامب يهدف إلى الحصول على اليد العليا في مواجهة إيران، والسعي وراء “اتفاق جيد” مع طهران. في الوقت نفسه، تواجه إيران تجربة الاتفاق النووي السابقة، وهي ليست في وارد تكرار الأحداث السلبية السابقة.

الثالث: التفاوض كاستراتيجية

في النهاية، يمكن القول إن الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة بزشكيان، بالنظر إلى عودة ترامب وأتباعه إلى الساحة السياسية الأمريكية، تؤكد على عنصر المفاوضات النووية. السبب الرئيسي لهذا الاتجاه هو أنها تهدف إلى تقليل فرص استفادة معارضيها من ذريعة تشديد الضغوط على طهران. لا يتوقف ترامب عند الملف النووي الإيراني فحسب، بل بعد فوزه في انتخابات 2024 الرئاسية في الولايات المتحدة، رأينا كيف عبرت مجموعة متنوعة من الدول، بما في ذلك حلفاء أمريكا، عن قلقها من سياسات ترامب الاقتصادية والسياسية والأمنية.

من هنا، أظهرت التجارب الأخيرة لإيران أن التفاوض بالنسبة للحكومة الأمريكية وبشكل خاص لترامب، يعد أداة لضرب أسس الأمن والقوة الوطنية لإيران، وليس حلاً للمشكلة الأساسية. لذلك، لا يمكن استبعاد أن إيران، مع التأكيد على مفهوم “التفاوض بشرف” مع أمريكا، قد تحاول إدارة الوضع في إطار ملفها النووي، وفي نفس الوقت منع التصعيد في الضغوط الأمريكية على إيران واقتصادها، وكذلك منع تشكيل إجماع دولي ضدها.

السيناريو الأكثر احتمالًا

الإجابة على هذا السؤال معقدة، ومع ذلك، قد يكون من الممكن القول إن مزيجًا من السيناريوهات الثلاثة المذكورة قد يقدم صورة أكثر واقعية بشأن شكل التفاعلات النووية المستقبلية بين إيران وأمريكا. في الواقع، من المتوقع أن تزداد الضغوط السياسية والاقتصادية ضد إيران، خاصة في ملفها النووي، من قبل إدارة ترامب الثانية. في الوقت ذاته، ستحاول إيران استخدام آليات مختلفة مثل تعزيز قوتها الوطنية وتفعيل الدبلوماسية السرية والعلنية، لاحتواء ترامب وأتباعه، والسعي في الوقت نفسه للحصول على اتفاق مناسب.

ما هو واضح أن جدار عدم الثقة بين إيران وأمريكا عالٍ، وقد ازداد ارتفاعه في السنوات الأخيرة. من هنا، يبدو أن السيناريوهات المتعلقة بالفشل في التوصل إلى اتفاق دائم وقوي هي الأكثر احتمالًا مقارنة بتلك التي تتوقع نجاحه، وهذا يتماشى مع الحقائق الإقليمية والدولية ومع طبيعة تصورات النخب السياسية في إيران وأمريكا.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى