من الصحافة الإيرانية: عوائق ومحفزات اتفاق إيران وأمريكا على المستوى الإقليمي

يعتقد العديد من محللي السياسة الخارجية أن 90% من جذور الخلاف بين إيران وأمريكا تعود إلى القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

ميدل ايست نيوز: تكثر التلميحات الخطابية من إيران وأمريكا لبدء المفاوضات بين الجانبين. حيث أشارت حكومة بزشكيان منذ البداية وبشكل ضمني إلى استراتيجيتها تجاه العقوبات، والتي تمثلت في “التفاوض المباشر مع أمريكا”، وفي الأيام الأخيرة تحدثت عن هذه الاستراتيجية بشكل علني. كما أن المرشد الأعلى الإيراني، في يوم المبعث، أظهر توافق نظام الجمهورية الإسلامية مع استراتيجية الحكومة بعد أن استخدم أفعال مثل “الحديث، المعاملة، والحذر”.

من جهة أخرى، اعتبر ترامب أن التفاوض مع إيران حول القضية النووية أفضل من اللجوء إلى الحل العسكري، رغم أن العلامات الحالية من الحكومة الأمريكية تشير إلى أن الاستراتيجية المفضلة للمفاوضات مع إيران ستكون “الدبلوماسية القسرية” إلى أقصى حد ممكن.

ما هو مهم هنا هو المتغيرات التدخلية، التي منها ما يسرع أو يحفز الاتفاق، ومنها ما يعمل كعائق يمنع التوصل إلى اتفاق.

عوائق الاتفاق على المستوى الإقليمي:

  1. الصراع حول القضية الفلسطينية: يعتقد العديد من محللي السياسة الخارجية أن 90% من جذور الخلاف بين إيران وأمريكا تعود إلى القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. وبناءً على ذلك، طالما أن القضية الفلسطينية لا تزال تثير التوترات بشكل ذاتي، فإن أي اتفاق محتمل بين إيران وأمريكا سيتأثر سلبًا بشدة.
  2. التدخلات الإقليمية الأمريكية: تعتبر أمريكا في الوقت الحالي القوة الأجنبية الرئيسية التي تفرض النظام الذي تريده في المنطقة من خلال إسرائيل وحلفائها. في مقابل هذا النظام، تأتي دول مثل إيران التي تعارض النظام الإقليمي الخارجي، وتعتقد أن النظام الإقليمي يجب أن يكون داخليًا ومبنيًا على سياسة الجوار بمشاركة القوى الإقليمية والمشاركة الإيجابية للقوى غير الإقليمية.
  3. التقطبية: التقطبية الإقليمية هي استراتيجية مفيدة لإسرائيل وأمريكا، فهي تسعى إلى خلق انقسام أمني في المنطقة ومعاداة إيران. ما الفائدة التي تجنيها إسرائيل من التقطبية؟ كلما زادت التقطبية في المنطقة بين محور المقاومة والمحور المناهض نحو الكتلة الغربية، كلما تقلصت العداوة تجاه إسرائيل وتبرير جرائمها في المنطقة وتسهيل عملية تطبيع العلاقات مع العرب وتهميش القضية الفلسطينية وشرعنة التدخل الأمريكي في المنطقة وتمرير رواية بأن إيران أصبحت هي القضية الرئيسية في الشرق الأوسط. بالتالي، فإن عملية التقطيب في جوهرها تسبب التوترات وتؤدي إلى تحديات أساسية أمام الاتفاق المحتمل بين إيران وأمريكا.
  4. التطبيع العربي-الإسرائيلي: تعتبر الاتفاقيات الإبراهيمية ظاهريًا تجارية، لكن جوهرها سياسي وأمني بحت، يهدف إلى التقطيب في المنطقة وتهميش القضية الفلسطينية وحصار إيران سياسيًا وأمنيًا وتعزيز النموذج الجديد للتدخل الأمريكي في المنطقة (النفوذ بدلاً من الوجود).

يعتبر ترامب الاتفاقيات الإبراهيمية بمثابة إنجاز بارز في سياسة أمريكا الإقليمية في ولايته الأولى، ويعتبر تقدم هذا الاتفاق جزءًا من أولويات سياسة أمريكا في الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية.

المحفزات

  1. السعي نحو الاستقرار: الاستقرار وعدم الاستقرار في المنطقة يعتمدان على مصالح وتحركات اللاعبين الإقليميين. في الوقت الحالي، تم تحديد مصالح العديد من القوى الإقليمية والدولية في خلق الاستقرار والهدوء في منطقة الشرق الأوسط. لقد وصلت الدول المطلة على الخليج إلى حالة من الاستقرار النسبي بعد اتفاق 10 مارس بين إيران والسعودية، وجميع الدول المحيطة بالخليج أيضا، إذ تسعى إيران والعراق والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان للحفاظ على الاستقرار في الخليج. كما تفضل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا الاستقرار والهدوء في الخليج على عدم الاستقرار. بعد سقوط بشار الأسد (وتغير ميزان القوى في الشرق الأوسط)، تسعى القوى الإقليمية والدولية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة لضمان تثبيت التوازن الجديد للقوى. تركيا وسوريا الجديدة ولبنان والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية والعراق وحتى إسرائيل، تفضل جميعها الاستقرار في المنطقة. ورغم أن سقوط نظام بشار الأسد وحصار حزب الله في لبنان قد غير ميزان القوى ضد محور المقاومة، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترى لأسباب مختلفة أن عدم الاستقرار الجديد في المنطقة يضر بمصالحها، وبالتالي فهي تسعى لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة في الوقت الحالي. لذلك، فإن السعي نحو الاستقرار من قبل اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط يعتبر أحد الاتجاهات التي قد تساعد في التوصل إلى اتفاق محتمل بين إيران وأمريكا.
  2. النموذج الجديد للتدخل الأمريكي: بعد تجربتها في بناء الدولة في العراق، اختارت أمريكا استراتيجية موازنة القوى عن بُعد في الشرق الأوسط لتقليل تكاليف سياستها الخارجية والتركيز على منافسة القوى الجديدة في النظام الدولي مثل الصين وإرساء النظام الدولي الجديد بنموذج الموازنة عن بُعد وتحويل المسؤولية إلى الحلفاء الإقليميين.
  3. أمن الطاقة: يعد أمن الطاقة، بما في ذلك الحفاظ على إنتاج الطاقة وأمن ممرات الطاقة، أحد السياسات الرئيسية لأمريكا في المنطقة. إذ تُفعل أمريكا بسرعة أذرعها الأمنية في حال وجود أي تهديد لأمن الطاقة. ونظرًا لأن زيادة التوتر مع إيران قد تهدد أمن الطاقة في المنطقة، فإن احتواء التحركات السلبية وإزالة تهديدات إيران من خلال اتفاق مؤقت أو دائم يمكن أن يكون دافعًا لأمريكا للتفاوض مع إيران.
  4. ترسيخ التوازن الجديد للقوى: بعد مجموعة الحروب التي تلت 7 أكتوبر، تغير ميزان القوى في المنطقة لصالح تركيا وإسرائيل والسعودية، هذه الدول الثلاث تدعمها الولايات المتحدة وتسعى للحفاظ على التوازن الجديد. فيما تمثل التحركات الأمنية الإيرانية وفصائل محور المقاومة التهديد الأكبر لهذا التوازن الجديد. لذلك، فإن أي اتفاق محتمل بين إيران وأمريكا سيعزز التوازن الجديد للقوى في المنطقة، مما سيكون حافزًا لأمريكا للتوصل إلى اتفاق مع إيران.

محمد حسيني
السفير الإيراني السابق لدى السعودية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى