العراق يواجه الصعاب لدعم اقتصاده

رغم مرور أكثر من عقدين على سقوط نظام صدام حسين، لا يزال العراق يحاول تلمس طريقه نحو دعم الاقتصاد وتطويره، وسط محاولات لتنويعه بعيداً عن النفط.

ميدل ايست نيوز: رغم مرور أكثر من عقدين على سقوط نظام صدام حسين، لا يزال العراق يحاول تلمس طريقه نحو دعم الاقتصاد وتطويره، وسط محاولات لتنويعه بعيداً عن النفط.

ولكن البلاد أمام العديد من التحديات، إذ لا يزال الاقتصاد معتمداً على النفط، كما تشهد أزمة في تأمين التيار الكهربائي خصوصاً في فصل الصيف، ما جعلها رهينة إمدادات الغاز الإيراني المتقلبة، بالإضافة إلى ضعف العملة المحلية، وظهور سوق موازية لأسعار الصرف.

بالإضافة إلى ذلك، تشهد المنطقة عموماً توترات وتغييرات سياسية تسبب قلقاً في العراق. تبدأ هذه التوترات بسياسة الضغط القصوى الأميركية على إيران بقيادة دونالد ترمب، ولا تنتهي بسقوط نظام بشار الأسد، وتسلم إدارة جديدة زمام السلطة في سوريا.

وضع الاقتصاد العراقي كان موضوع حلقة خاصة على قناة “الشرق” ناقش فيها مسؤولون حكوميون وخبراء أبرز التحديات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وسبل حلها.

العمود الفقري للاقتصاد

في حالة العراق، يمكن القول إن النفط هو العمود الفقري للاقتصاد، إذ تمثل إيراداته ما يقرب من 90% من العائدات الحكومية. وصدرت البلاد خلال العام الماضي أكثر من مليار و200 مليون برميل، لتكون بذلك ثاني أكبر مصدّر للخام في “منظمة الدول المصدرة للنفط” (أوبك).

إيرادات النفط تضمن دفع رواتب أكثر من 4 ملايين موظف حكومي، وهي كتلة نقدية تُقدر بنحو 47 مليار دولار سنوياً، في حين أن “الموازنة التشغيلية” والتي تتضمن رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية، تشكل ما يقارب 65% من إجمالي الموازنة العامة، وفق تصريحات سابقة للمستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء العراقي مظهر صالح. هذا الواقع يعني أن أي انخفاض ملحوظ في أسعار النفط، سيؤدي إلى صعوبات في تأمين هذه الأموال.

أسعار النفط متقلبة، ولكن يمكن توقع حركتها بنطاق معقول، ما يمنح الحكومة بعض المرونة. إلا أن هناك تحديات من نوع آخر، تعصف بهذا القطاع الحيوي.

يرى عاصم جهاد، المتحدث السابق باسم وزارة النفط العراقية، أن المعضلة الكبرى تتمثل في تنظيم العلاقة مع إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي، بعدما توقفت صادرات النفط من الإقليم لسنتين، بسبب خلاف مع الحكومة الاتحادية على الإيرادات.

كان إقليم كردستان يبرم عقوداً مع شركات، من دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية، بحيث يعطي الإقليم نسبة من النفط لهذه الشركات لتصديره، بينما كانت الحكومة الاتحادية تبرم عقود خدمات لتطوير الحقول النفطية فقط.

وأقرّ البرلمان العراقي هذا الأسبوع خطة لزيادة المدفوعات لشركات النفط العاملة في الإقليم بنحو 16 دولاراً للبرميل مقابل إنتاجه ونقله، وهو ما سمح باستئناف الصادرات.

الغاز الإيراني المتقلب

يحظى العراق بعلاقات سياسية واقتصادية جيدة مع إيران. رغم ذلك، فإن إمدادات الغاز القادمة من طهران غير مستقرة، وتواجه انقطاعات كثيرة، ما يترك البلاد في حالة ضياع بشأن كيفية تأمين إمدادات بديلة لتشغيل محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز.

في نهاية نوفمبر الماضي توقفت إمدادات الغاز الطبيعي الإيرانية بالكامل لـ”أغراض الصيانة” لمدة 15 يوماً، مما تسبب بفقدان منظومة الكهرباء المحلية لنحو 5500 ميغاواط. وتم تمديد ذلك ولم تعد الإمدادات حتى الآن، في وقت لا تزال طهران تُزود تركيا بالغاز.

يشير جهاد في مقابلة مع “الشرق”، إلى أن العراق “أمام أزمة كبيرة جداً إثر تراجع إيران عن ضخ الغاز بالمعدلات المنصوص عليها في الاتفاقات بين البلدين وهو ما يؤشر إلى صيف صعب”.

ظهرت هذه المخاوف في يناير الماضي، إذ طلب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في زيارة له إلى إيران، تسهيل إجراءات ‏نقل الغاز من تركمانستان إلى بلاده عبر الأراضي الإيرانية، كما بحث موضوع الغاز الإيراني. وقدم الوفد العراقي الذي رافق السوداني “عرضاً ‏مفصلاً للمسؤولين الإيرانيين حول كميات الغاز المقرر تجهيزها للعراق والعقود الموقعة بين ‏البلدين”. وحصلت بغداد على “وعود بالالتزام ببنود العقد المبرم بين البلدين خلال الفترة المقبلة”.

الدينار بين سعرين

حالة الدينار العراقي تُعد إحدى تجليات الواقع الاقتصادي الذي تعيش فيه البلاد، فعلى الرغم من المحاولات المتكررة للبنك المركزي العراقي لردم الفجوة في سعر الصرف بين السوقين الرسمية والموازية، إلا أنه لم ينجح في ذلك.

حدد المركزي العراقي سعر الدولار لبيعه للبنوك عند 1310 دنانير، على أن تبيعه للعملاء بنحو 1320 ديناراً. ولكن الدولار في السوق الموازية يصل إلى 1500 دينار.

محمود داغر، الخبير الاقتصادي ومدير عمليات البنك المركزي العراقي سابقاً، أكد في مقابلة مع “الشرق”، أن البنك المركزي حاول خلال الأعوام الماضية، “ضم عدد كبير من التجار والمستوردين إلى القنوات الرسمية، لتمكينهم من الحصول على الدولار الاستيرادي بالسعر الرسمي”.

ولكنه لفت إلى أن “حجم العمولات والإضافات خفضت قيمة الدينار وزادت من فجوة سعر الصرف في السوق الموازية”، داعياً إلى ضرورة “دراسة أسباب ارتفاع تكلفة الدولار الذي يصل إلى المستوردين”.

داغر أشار إلى أن العراق يواجه مشكلة تتمثل في أن جزءاً من تجارته مع دول خاضعة لعقوبات، كما لديه شركات فرض عليها عقوبات. وغالباً ما تكون هذه عمليات التجارة مع هذه الكيانات، “خارج المصارف والمنافذ الرسمية”.

واعتبر أن هذا الواقع يزيد من صعوبة محاربة السوق الموازية، “والتي مع الأسف، أصبحت معياراً لتسعير السلع والخدمات في السوق، بالتالي بات رقم 1500 دينار للدولار، السعر المرجعي الذي تُقاس به أسعار السلع التي لا تقوم الحكومة بدعمها للإبقاء على أسعارها عند مستوى معين، دعماً للشرائح الهشة”.

كان المركزي يمارس رقابة استباقية مباشرة على التحويلات الدولارية في البلاد منذ 2023 من خلال منصة مخصصة لذلك، لكنه ألغى هذه العملية بداية العام الجاري، وحصر التحويلات الدولارية بـ10 مصارف من أصل 80 مصرفاً.

يوضح المسؤول السابق في البنك المركزي العراقي أن “الفجوة بين السعر الرسمي، الذي يقوم على ربط العملة بالدولار في إطار نظام صرف ثابت، والقيمة السوقية للعملة، تصل أحياناً إلى 200 نقطة، وهي تتجاوز نسبة 15%، وأيضاً ما هو مسموح به في نظام الربط، والذي يجب أن يتراوح بين 1 و2%”.

جذب الاستثمارات الأجنبية

أحد أبرز مظاهر إصلاح أي اقتصاد يتمثل في قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية. لكن هذا المسعى يواجه تحديات في العراق، في مقدمتها الملف الأمني.

رغم ذلك، قررت البلاد أن تمضي قُدماً في خطة طموحة لجذب استثمارات أجنبية بربع تريليون دولار خلال عامي 2025 و2026. وتشمل حزمة الفرص الاستثمارية مشاريع في مجالات الطاقة المتجددة والمدن الصناعية والزراعية والتعليم والترفيه والسياحة.

يرى محمد النجار، مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاستثمارية، ورئيس “صندوق العراق للتنمية”، أن “فكرة الاستثمار جديدة على البلاد، بعدما كانت في السابق تعول على إيراداتها لقيادة العملية الاقتصادية”، وأشار إلى أن هذا الوضع “تغير اليوم، حيث تم فتح مجالات كبيرة للاستثمار الخاص، وباتت تجذب رؤوس أموال في مجالات عدة، منها صناعة الأدوية، والتطوير العقاري، والنفط والغاز، والصناعة، والزراعة”.

تأسست الهيئة الوطنية للاستثمار عام 2006، ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية 2022، لم يتجاوز حجم الاستثمارات المتدفقة إلى العراق 35 مليار دولار. ولكن بعد تنفيذ إصلاحات إدارية وفنية ووضع ضوابط تسهّل عملية الاستثمار، “ارتفع حجم الإجازات الاستثمارية الممنوحة إلى 69 مليار دولار حتى يونيو الماضي”، وفق تصريحات سابقة لرئيس الهيئة حيدر مكية لـ”الشرق”.

كما تستهدف الحكومة الانتهاء من تنفيذ 1104 مشاريع متأخرة من أصل 1612 مشروعاً كان من المقرر تنفيذها خلال العامين الماضيين بحسب إحصائية وزارة التخطيط، وتسعى لتحقيق ذلك من خلال الاستعانة بالقطاع الخاص المحلي والأجنبي.

القطاع غير النفطي

تتوقع وزارة التخطيط أن يُسجل الاقتصاد نمواً بين 3.5% و4% في العام الحالي، مدفوعاً بتحسن إنتاج النفط، والنشاط في القطاعات غير النفطية.

ولكن عبدالرحمن المشهداني، أستاذ التمويل الدولي في الجامعة العراقية، أشار إلى وجود تحديات أمام تحقيق هذه المستهدفات، منها أن “المحرك الأساسي لمعدلات النمو هو النفط بالدرجة الأولى”، موضحاً أن أي مشكلة في التصدير، “ستنعكس سلباً على تحقيق نمو اقتصادي كبير”.

في إطار مساعيه لتنويع الاقتصاد عبر الاعتماد على القطاعات غير النفطية، يخطط العراق حالياً لتنفيذ 21 مشروعاً سياحياً، لمواكبة اختيار “المنظمة العربية للسياحة” بغداد كعاصمة للسياحة العربية لعام 2025.

المشهداني اعتبر أن القطاعات غير النفطية يمكنها المساهمة في رفع النمو، لكنها “تحتاج إلى تحقيق نمو بأكثر من 10% لسنوات، لكي ترفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي”.

شهد العراق خلال العام الماضي فقزة في نمو القطاع غير النفطي، إذ قدر مركز “المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية” في العراق، الإيرادات غير النفطية خلال عام 2024 بنحو 14 تريليون دينار عراقي، بارتفاع عن 4.7 تريليون دينار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

رئيس الوزراء العراقي أكد أيضاً هذا النمو، إذ أشار في تصريحات سابقة إلى أن الإيرادات غير النفطية وصلت إلى 14% من إجمالي الإيرادات العامة، بعد أن كانت 7% عام 2023.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الشرق - بلومبيرغ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة − تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى