مشهد جيوسياسي جديد: إيران والدول العربية ودور الاتحاد الأوروبي
إن تحسن العلاقات بين إيران والدول العربية في ظل الأزمات المعقدة في الشرق الأوسط يمثل تطوراً كبيراً من شأنه أن يدفع المنطقة نحو مزيد من التعاون وخفض التوترات.

ميدل ايست نيوز: إن تحسن العلاقات بين إيران والدول العربية في ظل الأزمات المعقدة في الشرق الأوسط يمثل تطوراً كبيراً من شأنه أن يدفع المنطقة نحو مزيد من التعاون وخفض التوترات. ويمثل هذا التحول، الذي يستند إلى حد كبير إلى الواقعية السياسية والمصالح المشتركة، خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار في الأمد المتوسط بين إيران والعالم العربي، الذي كان متورطاً في السابق في التنافسات الإيديولوجية والتوترات الأمنية.
وقد أدركت هذه الدول الآن أن التعاون في القضايا الاقتصادية والأمنية وقضايا تخفيف التهديدات المشتركة يمكن أن يكون مفيداً للطرفين. وفي هذا السياق، يستطيع الاتحاد الأوروبي، بخبرته الواسعة في العمليات الدبلوماسية، أن يستفيد من مكانته كوسيط وميسر. والأمر الأكثر أهمية هو أن ما هو حاسم حالياً في الشرق الأوسط ليس فقط تصرفات البلدان الإقليمية نفسها، بل وأيضاً المشاركة الذكية من جانب أوروبا في تحويل هذا الاتجاه إلى تعاون مستدام، والذي بدأ في سوريا بعد سقوط الأسد.
على مدى القرن الماضي، اتسمت العلاقات بين إيران والدول العربية في الخليج بتوترات كبيرة بسبب الاختلافات الإيديولوجية والتنافسات الإقليمية. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، تحولت من المواجهة إلى التعاون في السعي لتحقيق المصالح المشتركة. ينبع هذا التغيير في السياسات، وخاصة فيما يتعلق بالأمن الإقليمي والأزمات الإنسانية، من اعتراف الجانبين بالحقائق الإقليمية الجديدة. لقد خلص الطرفان إلى أن استمرار الأزمات والحروب الإقليمية لا يفيد إلا الجماعات الإسلامية المتطرفة. وعلى الرغم من أن هذه التغييرات تدريجية وتدريجية، إلا أنها قد تحل في نهاية المطاف محل العداوات التاريخية. ومن الجدير بالذكر أنه في الخليج الفارسي، تجد الدول العربية وإيران طرقًا للتعاون في مجال الأمن البحري ومكافحة الإرهاب وأمن الطاقة.
ونظراً للظروف الحالية، يمكن لأوروبا أن تلعب دوراً حيوياً في تيسير التعاون وخفض التصعيد بين إيران والدول العربية، من خلال العمل كميسر نشط في العمليات الدبلوماسية بدلاً من مجرد مراقب محايد. وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي في الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدعم الحوارات بين إيران والدول العربية، وتوفير مساحة آمنة للمناقشات والاتفاقيات الاقتصادية. ومن بين الأدوات الفعالة لأوروبا في هذا الصدد استخدام الحوافز الاقتصادية. وتسعى كل من إيران والدول العربية باستمرار إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز العلاقات الاقتصادية.
ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يعزز الثقة المتبادلة ويسهل العمليات التعاونية من خلال تقديم الحوافز الاقتصادية وخلق الظروف المواتية للمشاريع المشتركة. ويمكن أن يمتد هذا التعاون إلى قطاعات مختلفة، بما في ذلك الطاقة والنقل والتكنولوجيا والرعاية الصحية، مما يساهم في التنمية المستدامة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأوروبا أن تستخدم الأدوات الدبلوماسية لتعزيز الحوارات الجارية، وتولي دور الوساطة النشط والمساعدة في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
في الواقع، لا تفشل سياسة الضغط على إيران، وخاصة في ظل إدارة ترامب، في الحد من التوترات أو تعزيز التعاون في الشرق الأوسط فحسب، بل إنها تؤدي أيضًا إلى تفاقم انعدام الثقة وإبعاد إيران عن جهود التكامل الإقليمي. هذه السياسات، التي تنطوي في المقام الأول على عقوبات اقتصادية وسياسية، تجبر إيران على التركيز على البقاء بدلاً من التعاون الإقليمي، مما يدفع البلاد إلى تعزيز هياكلها الدفاعية والهجومية. في ظل هذه الظروف، تُضطر إيران إلى إعطاء الأولوية لحماية سيادتها بأي ثمن، مما يؤدي إلى ردود أفعال أكثر عدوانية. هذا الوضع لا يفيد أحدًا ويؤدي فقط إلى تعميق العداء وانعدام الثقة بين إيران وجيرانها الإقليميين وحتى أوروبا.
وإذا كانت أوروبا راغبة حقاً في أن تشارك إيران بنشاط في التكامل الإقليمي مع الدول العربية، فلابد وأن تستخدم الدبلوماسية الإيجابية وتشجع التعاون. ذلك أن زيادة الضغوط لن تؤدي إلا إلى زيادة التحديات التي تواجه إيران، وهو ما سيدفع النظام الإيراني إلى تبني نهج المواجهة بدلاً من النهج التعاوني. وفي هذا السياق، يصبح دور الأطراف الثالثة، مثل الاتحاد الأوروبي، بالغ الأهمية. ومن الواضح أن أوروبا إذا تمكنت من الاستفادة بفعالية من قدراتها، فإنها قد تساعد الدول الإقليمية المنهكة من الحرب في تمهيد الطريق للسلام والتنمية المستدامة.