لماذا يعتبر اتفاق الغاز بين تركمانستان وتركيا مهما بالنسبة لإيران؟
يأتي توقيع هذا الاتفاق في وقت تتزايد فيه التطورات الجيوسياسية في المنطقة، وكذلك الحاجة المتزايدة للطاقة في أوروبا، ومحاولات الدول في آسيا الوسطى تقليل اعتمادها على الأسواق التقليدية.
![](/ar/wp-content/uploads/2024/03/5f22850da3108348fce162fc-720x470.jpeg)
ميدل ايست نيوز: رغم أن مرور خط أنابيب نقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا عبر إيران قد تم طرحه كخيار اقتصادي وعملي لعشق آباد وأنقرة، فإن أبعاد وأهداف هذا المشروع الواضحة والخفية تجعل من الضروري أن تتعامل طهران معه بذكاء.
وكتبت وكالة إرنا الحكومية على موقعها، أنه في 11 فبراير 2025، تم توقيع اتفاق مهم في مجال الطاقة بين تركيا وتركمانستان، والذي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على معادلات الغاز في المنطقة. الاتفاق الذي وقعته شركة خطوط الأنابيب الحكومية “بوتاش” من تركيا و”تركمين غاز” من تركمانستان، يتيح نقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا، حيث من المقرر أن يبدأ تصدير الغاز في 1 مارس 2025.
ويأتي توقيع هذا الاتفاق في وقت تتزايد فيه التطورات الجيوسياسية في المنطقة، وكذلك الحاجة المتزايدة للطاقة في أوروبا، ومحاولات الدول في آسيا الوسطى تقليل اعتمادها على الأسواق التقليدية، مما يزيد من أهمية هذا الاتفاق. تسعى تركيا، باعتبارها واحدة من المراكز الرئيسية لنقل الطاقة في المنطقة، إلى تعزيز موقعها كمركز رئيسي للغاز. كما تسعى الصين، باعتبارها أكبر مستورد لغاز تركمانستان ومالكة رابع أكبر احتياطي للغاز في العالم، لتنويع مسارات صادراتها، ويمكن لهذا الاتفاق أن يلعب دورًا محوريًا في هذه العملية.
وأجبر الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي والتحولات الجيوسياسية في أوروبا بعد حرب أوكرانيا، دول المنطقة على إعادة تقييم استراتيجياتها في مجال الطاقة. تبحث تركمانستان، التي كانت تصدر معظم غازها إلى الصين، عن طرق للدخول إلى سوق أوروبا عبر تركيا. فمن خلال تنفيذ هذا المشروع، تعزز تركيا دورها كمركز إقليمي للطاقة. وقد سعت الأخيرة حتى الآن للحصول على مصادر غاز متنوعة من دول مختلفة مثل أذربيجان وروسيا وإيران، ويمكن أن يعزز دخول غاز تركمانستان إلى تركيا قدرة أنقرة التفاوضية ضد موردي الغاز التقليديين ويقلل من اعتماد تركيا على روسيا.
من جهة أخرى، تسعى تركمانستان، التي تعتمد بشكل كبير على السوق الصينية، إلى تنويع أسواق صادراتها. يسمح هذا الاتفاق لتركمانستان باستخدام إيران كمسار ترانزيت وتوسيع صادراتها إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا في المستقبل. ومع ذلك، قد لا يكون هذا الاتفاق مريحًا لروسيا، التي كانت المورد الرئيسي للغاز إلى تركيا، حيث قامت بتزويد أكثر من 50٪ من الغاز المستورد إلى تركيا، وتستخدم خط أنابيب “ترك ستريم” لنقل الغاز إلى تركيا وأوروبا.
على الرغم من أن الاتفاق الحالي يتعلق بتلبية احتياجات تركيا الداخلية فقط، إلا أن خط الأنابيب الذي ينقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا قد يرتبط في المستقبل بشبكة الطاقة الأوروبية، مما قد يؤثر سلبًا على حصة روسيا في سوق الغاز الأوروبية. من المرجح أن تحاول روسيا، ردًا على ذلك، تقديم خصومات خاصة للحفاظ على تركيا كزبون رئيسي، أو قد تضغط على تركمانستان لتقليص حجم صادراتها إلى تركيا، أو تسعى لتعزيز التعاون في مجال الطاقة مع أنقرة عبر مشاريع جديدة أو توسيع “ترك ستريم” للحفاظ على مصالحها في هذا المجال.
من جانبها، تدعم الولايات المتحدة دائمًا تنويع مصادر الطاقة لحلفائها، وقد دعمت مشاريع مثل “الممر الجنوبي للغاز” للحد من النفوذ الغازي الروسي في أوروبا. ولكن قد يواجه هذا الاتفاق تحديات نظرًا لاستخدام الأراضي الإيرانية كمسار ترانزيت، وهو ما قد يسبب لواشنطن بعض القلق. قد ترى الولايات المتحدة أن مرور هذا الخط من خلال إيران يمكن أن يجعل من هذا البلد لاعبًا رئيسيًا في تأمين الطاقة لأوروبا، وأن يؤدي إلى تقليل فعالية العقوبات الأمريكية المفروضة ضد إيران.
ويمكن أن تجني إيران، باعتبارها البلد الذي سيمر من خلاله هذا الخط، فوائد اقتصادية وسياسية كبيرة من هذا الاتفاق. مثل الحصول على حق الترانزيت وزيادة النفوذ الإقليمي، وهي من الفوائد الرئيسية لهذه الاتفاقية بالنسبة لطهران. كما يمكن لإيران أن تلبّي جزءًا من احتياجاتها الداخلية من خلال استلام غاز تركمانستان وبيعه إلى تركيا. وقد تم تطبيق نموذج التبادل الغازي هذا سابقًا بين إيران وتركمانستان، وقد يتم تنفيذه أيضًا في هذه الاتفاقية.
وستبذل تركيا وتركمانستان، نظرًا للفوائد الاقتصادية والجيوسياسية والاستراتيجية لهذا الاتفاق، جهدها لتنفيذه، لكن قد تواجههما بعض العوائق مثل ردود فعل روسيا المحتملة والعقوبات الأمريكية ضد إيران، بالإضافة إلى المشاكل في البنية التحتية، مما قد يبطئ أو يعطل سير هذا المشروع. ستحدد كيفية تنفيذ هذا الاتفاق وإدارة العوائق السياسية والاقتصادية، مدى قدرة هذا المشروع على تعزيز دور تركيا كمركز إقليمي للطاقة وتحويل مستقبل صادرات الغاز من تركمانستان وتقديم إيران كمسار موثوق للطاقة في المنطقة.