من الصحافة الإيرانية: أوقات صعبة لاتخاذ القرار
سوف تختلف الأوضاع هذه المرة في إيران بسبب تضافر العوامل السلبية من جوانب عديدة عن الأوضاع في المرات المختلفة خلال الـ 46 عامًا الماضية.
![](/ar/wp-content/uploads/2025/02/081856231584.jpg)
ميدل ايست نيوز: سوف تختلف الأوضاع هذه المرة في إيران بسبب تضافر العوامل السلبية من جوانب عديدة عن الأوضاع في المرات المختلفة خلال الـ 46 عامًا الماضية. فقد بدأ “الضغط الأقصى” الجديد في وقت تتمتع فيه البلاد بقدرات مختلفة مقارنةً بفترة “الضغط الأقصى” السابقة. ففي الفترة السابقة، كانت إيران قد خرجت لتوها من فترة تنفيذ الاتفاق النووي التي استمرت حوالي ثلاث سنوات مع إنتاج محلي إجمالي مرتفع نسبيًا. وبما أن الفترة الحالية (ولاية ترامب) قد تستمر لمدة أربع سنوات، فإن المسؤولين في هذه الفترة سيحتاجون إلى بذل المزيد من الجهد لفهم الأوضاع الداخلية والخارجية واتخاذ قرارات صحيحة. إن تعقيد الأوضاع الناتج عن العوامل الموضوعية والذهنية المتعددة يتطلب أن يختلف سير عملية اتخاذ القرار في هذه الفترة عن الفترات السابقة.
في هذا السياق، هناك بعض النقاط التي يمكن ذكرها على النحو التالي:
- كانت واحدة من المشاكل التي واجهها صانعو القرار على مدار العقود الماضية هي الوصول إلى الأخبار والتقارير والتحليلات المستندة إلى مصادر موثوقة. إن الحصول على البيانات الخام وتحويلها إلى معلومات قابلة للاستخدام لفهم الأوضاع المعقدة والتعرف على الاتجاهات والنماذج وخلق الروابط بين القضايا يعد أمرًا حيويًا. هذه العملية عادة ما تمر بمراحل مختلفة تشمل الحصول على البيانات، وتنقيتها من البيانات المزيفة ومعالجتها وتحليلها. تظهر التجارب أن صناع القرار لدينا كانوا دائمًا يواجهون مشاكل في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، في عالمنا المترابط والمتشابك اليوم، أصبح الحد الفاصل بين الداخل والخارج ضبابيًا جدًا، ولا يمكن للمسؤولين أن يقوموا بواجباتهم بشكل صحيح دون أن يكون لديهم فهم للمسائل الدولية. إن ما يُسمى “عائق اللغة”، أي عدم الإلمام الكافي لدى معظم المسؤولين ومن حولهم بلغة أجنبية، يعد من العوائق الرئيسية في طريق الحصول على البيانات الخام بشكل صحيح وتحويلها إلى بيانات قابلة للاستخدام وموثوقة.
في الأيام القليلة الماضية، رأينا بشكل واضح أن فهم سياسات ترامب كان تحديًا كبيرًا لمسؤولينا، مما أعطى الفرصة لبعض الأطراف داخل وخارج البلاد التي لها أهداف خاصة لإطلاق حملة لملء أذهان المسؤولين والإيرانيين بالأخبار الكاذبة أو المغلوطة. تشير تصريحات بعض المسؤولين في الأيام الأخيرة إلى أنه تأثيرات “عائق اللغة” و”حملة التحريف” تضافرت لتؤثر على فهم سياسات حكومة ترامب بشكل دقيق وصحيح. فإذا استمرت هذه المشكلة الأولية، فقد لا تتوفر الشروط الأساسية لاتخاذ قرارات صحيحة تتماشى مع المصالح الوطنية من قبل المسؤولين في إيران.
- إن الفهم الصحيح لترامب ونمط اتخاذ قراراته والمعرفة الشاملة بالسياسة الداخلية الأمريكية هي شرط أساسي آخر لاتخاذ قرارات صحيحة من قبل مسؤولينا في هذه الفترة. لا ينبغي الشك في أن نقطة انطلاق ترامب في هذه السنوات الأربع هي السياسة الداخلية الأمريكية، ودافعه الرئيسي هو الحفاظ على قاعدة دعمه الاجتماعية، خاصةً الـ 25٪ الذين يذوبون في دعمه، واهتمامه الكبير بالإرث الذي سيتركه.
لا ينبغي تجاهل الأداء الشعبوي لترامب وأبعاد الإجراءات الاستعراضية التي اتخذها. تمكنت دول أخرى من خلال فهم صحيح لترامب من الحصول على تنازلات جوهرية منه مقابل الامتيازات الشكلية التي تقدمها له. في الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، تمكنت دول مثل المكسيك وكندا وبنما من تحييد خطاب ترامب العدواني عن طريق بعض التنازلات الجزئية وتهدئته.
- إن سياسة ترامب تجاه الصين وروسيا ومنطقة الشرق الأوسط ستلعب دورًا مهمًا في تشكيل سياسته تجاه إيران. بلا شك، تعتبر الصين الأولوية الأولى لترامب وللأمريكا ككل. وإنهاء حرب أوكرانيا وحل مشكلات إسرائيل ستكون أولويات ترامب التالية. ستكون علاقة ترامب مع أوروبا، رغم أنها ستشهد توترًا، تعتمد على أوروبا للمساعدة في الحفاظ على آلية “الزناد” ضد إيران، ومن غير المستبعد أن تكون إيران واحدة من مجالات التعاون بين أوروبا وأمريكا. إن الشرق الأوسط الذي يظهر أمامنا سيكون له دور كبير في معادلة العلاقات بين إيران والغرب، ويجب أن يتم حسابه في أي معادلة تواجه أمريكا.
النتيجة هي أن سياسة أمريكا والغرب تجاه إيران هي نتاج التطورات في مجالات أخرى، ويجب أن يتم اتخاذ قرارات المسؤولين الإيرانيين بناءً على كل هذه التطورات. هناك خطر من أن تتحول إيران إلى ورقة في يد الآخرين في حال غياب الحد الأدنى من التواصل بين طهران وواشنطن، وقد تسعى دول مثل الصين وروسيا لاستخدام ورقة إيران في تبادل المكاسب مع ترامب.
- الهدف الأول للسياسة الخارجية هو تأمين المصالح الوطنية ورفاهية الشعب، إذن، فالملفات الداخلية والأولويات الوطنية تعتبر من بين أهم العوامل التي تحدد السياسة الخارجية. كانت حساسية المجتمع الإيراني تجاه تطورات السياسة الخارجية في القرنين الماضيين أكبر من العديد من الدول الأخرى، وقد تأثرت الاستثمارات الاجتماعية في النظام بشكل كبير بأدائه في هذا المجال. على مدار الـ 46 عامًا الماضية، زادت حساسية المجتمع تجاه السياسة الخارجية بشكل كبير. إن التقلبات الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي منذ أواخر العقد الثامن كانت تأثرت بشكل كبير بالعوامل المرتبطة بالسياسة الخارجية.
كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق